يعتبر كتاب " الوجوه المتعددة للإرهاب..وجهات نظر وقضايا مختلفة " تحرير : ديفيد كانتر، وترجمة وتقديم جيهان الحكيم؛ من أهم إصدارات المركز القومى للترجمة، الذى ينتهج استراتيجية جادة للتصدى للإرهاب ومواجهته بالفكر والثقافة؛ وقد أصدر المركز فى هذا الصدد حوالى خمسة عشر كتابا، تسعى مضامينها إلى التعامل مع مشكلة الإرهاب بكل أبعادها الاجتماعية والسياسية والدينية. تأتى أهمية الكتاب من محاولة تغطيته للظاهرة الإرهابية – عبر فصوله الستة عشر - على المستوى الجيوبوليتيكى للعالم، بل وعلى مستوى الأديان الثلاثة :اليهودية، والمسيحية، والإسلام ؛ إذ يهدف – كما يقول محرره فى المقدمة – " إلى إعطاء صورة شاملة ومتكاملة بقدر الإمكان عن الوجوه المتعددة للإرهاب"" فمن الفصول المهمة فى هذا الكتاب ذلك الذى يعالج "الخطاب الدينى للجهاد المسلح" وهو بقلم كل من: "سودهانشو سارنجى" و"ديفيد كانتر"، الذين يخلُصان فيه إلى أنه " من المشاهد والموثق أيضا أنه خلال الربع الأخير من القرن السابق، قد حدث تنامٍ ملحوظ للحركات الأصولية لعدة أديان. وأن ذلك قد تزامن مع أفول نجم الأيديولوجيات الملحدة. ومن الأمثلة المهمة لتنامى الأصولية، انتشار المجموعات المسيحية التى تؤمن بأن الله هو خالق الكون. وكذلك أيضا انتشار المجموعات الأرثوذكسية بإسرائيل. إلا أن ما يميز حركة الجهاد الإسلامى بين هذه الحركات الأصولية، هو انتهاجها لأسلوب العنف بهدف إحداث تغيير شامل للدول الإسلامية يحولها إلى نظام يحكمه رجال الدين أشبه بنظام الخلافة الإسلامية وقت السلف. حيث يزعم الجهاديون أن ضعف الدول العربية الملاحظ اليوم فى مواجهة تفوق الغرب العسكري، نابع من نبذ النظام الإسلامى القديم وتعاليم ومبادئ السلف الصالح". وفى نهاية بحثهما يطرح المؤلفان سؤالهما الأساسى: "إذًا لماذا يؤيد شباب المسلمين فتاوى الجهاد الإجرامية بينما يقدم لهم الإسلام طرقا أخرى متعددة للإيمان»؟ ويكتسب الفصلان الأخيران من الكتاب : الخامس عشر – "فك الاشتباك مع الإرهاب" ل"جون هورجان"، والسادس عشر - "فك الاشتباك مع الراديكالية وبدء النزول على السلم الإرهابى" ل"فتحالى م. موغدم"؛ يكتسب هذان الفصلان أهمية مضاعفة ؛لوضعهما استراتيجيات واضحة للتعامل مع الإرهاب وتفكيك البُنى النفسية والاجتماعية والسياسية التى تفرزه، وتبنيهما إجراءات وقائية رادعة؛ وذلك من خلال مناقشة العديد من المسائل المهمة التى رصدها "جون هورجان" ومنها :عملية التورط فى الأنشطة الإرهابية، والطرق المختلفة التى يسلكها الإرهابى فى تطوره حتى يتحول إلى إرهابي، وفض الاشتباك مع الإرهاب، والبذور النفسية لفك الاشتباك، وفك الاشتباك المادى مع الإرهاب، ونتائج هجر المجموعة (الرحيل عن المؤثرات المباشرة الدافعة للفرد إلى للانخراط فى الأعمال الإرهابية). ويرسم "فتحالى م. موغدم" صورة متخيلة للإرهاب وكأنه مبنى مكون من خمسة طوابق أو مستويات ويقترح " برامج لفك الاشتباك مع راديكالية الإرهابى عند كل مستوى (طابق) من مستويات الإرهاب. والتصور هنا، أن كل مستوى من مستويات الفكر والفعل الإرهابى يمثّل عملية نفسية تصاحبه. وأن ما نريد الوصول إليه هو وضع استراتيجيات تقابل كل مستوى من هذه المستويات تنقل الأفراد إلى الطوابق السفلى تدريجيا إلى أن يتم اصطحابهم أخيرًا إلى خارج المبنى. والغاية، إذًا، هى الوصول إلى هدف طويل الأمد لفك الاشتباك مع الإرهاب، عن طريق حدوث التحول النفسى المطلوب للإرهابى حتى ينأى بنفسه عن أنشطة دعم وتعزيز الإرهاب. وطوابق درج الإرهاب تبدأ من أعلى إلى أسفل – وفق تصور "موغدم" – : ففى "الطابق الخامس" يكون الفرد قد تلقى تدريبا يؤهله لتنفيذ هجوم إرهابي. وفى "الطابق الرابع" يكون الفرد قد وصل بالفعل إلى حالة من التسامح مع الإرهاب. وفى "الطابق الثالث " يحدث التخلى التدريجى عن الأخلاقيات المعتدلة التى كان الفرد يتميز بها قبل انضمامه للمجموعة. وفى "الطابق الثانى" يكون الفرد فى حالة معاناة من إحباط متزايد. حيث إنه لم يقابل فى سعيه نحو الحراك الاجتماعى سوى طرق مسدودة. وفى "الطابق الأول" يصبح البحث وراء فرص التقدم وتحقيق الحراك الاجتماعي، والقدرة على اتخاذ القرارات الحاسمة فى الأمور المهمة فى حياة الأفراد هى التى تقود الأفراد إلى الطابق الأول على درج الإرهاب. وبرامج تخلى الأفراد عن الراديكالية، فى هذه المرحلة من الطابق الأول، لا بد أن تركز – كما يرى "موغدم" - على الثقافة والتعليم والبرامج السياسية بشكل عام ؛ فهى الدرع التى تقى الفرد من الانزلاق نحو هاوية الإرهاب منذ البداية.