كشفت ثلاث دراسات متخصصة صادرة حديثا عن مركز شفافية للدراسات المجتمعية والتدريب الإنمائي، عن خطورة استمرار حكومة الدكتور كمال الجنزوري في المضي قدما لتنفيذ مراحل جديدة في مخطط القاهرة 2050 الذي أطلقته أمانة السياسات بالحزب الوطني المنحل ووزارة الإسكان والمرافق والتنمية العمرانية، علي السلام المجتمعي والعلاقات بين المواطنين قاطني المناطق المستهدفة بالإزالة والإخلاء القسري وبين الدولة، في لحظة فارقة تستدعي تضافر قوي المجتمع مكتملة لإنجاز أهداف الثورة دون تعد علي حقوق الفئات المستضعفة أو المهمشة في مصر. وجاءت الدراسات الثلاث في كتاب صادر عن المركز تحت عنوان "العشوائيات الآمنة"، حملت الدراسة الأولي عنوان "تطوير المناطق التراثية" للصحفي والباحث في علم الآثار محمد مندور، وحملت الثانية عنوان "الحماية الجنائية للحيازة" للدكتور عماد الفقي محاضر القانون الجنائي، وجاءت الثالثة بعنوان "التسامح والعشوائيات" للدكتور عصام عبد الله أستاذ الفلسفة بآداب عين شمس. أكدت دراسة محمد مندور إمكانية تعرض الحكومة المصرية لعقوبات دولية حال المضي في تنفيذ مراحل المخطط داخل المناطق التراثية والأثرية، دون الأخذ بما تضعه اتفاقيات حماية الآثار والمناطق التراثية التي وضعتها اليونسكو في هذا الشأن، حيث يضع المخطط الحكومي ضمن أهدافه تحويل المناطق الأثرية إلي متاحف مكشوفة، وبناء منشآت سياحية حولها بطرز معمارية ربما لا تتفق وطبيعة هذه المناطق، بخلاف تحديد نطاق حرم المناطق الأثرية وكذا التعامل مع سكانها الأصليين الذين يعدون جزءا من المكان والتاريخ. وقالت الدراسة إن عمليات التنقيب عن الآثار والإتجار بها سادت العقود الماضية ومستمرة دون رقيب، وكانت سببا في إثراء عائلات دون سبب في مناطق تاريخية مهملة من قبل مسئولي الآثار، مستعرضة قضايا تخص مناطق عين شمس والمطرية ونزلة السمان والقاهرة الفاطمية، وتضم عددا كبيرا ممن حرموا تطوير أماكن وجودهم بشروط مناسبة أو عاشوا داخلها بعد أن أهملت الحكومات المتعاقبة حقوقهم في السكن الآدمي الملائم. وتابع مندور الحديث عن خطورة مخطط القاهرة 2050 علي المناطق التراثية مؤكدا خطورة غياب معلومات حول بيع أراضي مناطق مستهدفة بالإخلاء لمستثمرين عرب وأجانب لن يراعوا غير مصالحهم في بناء استثمارات ومنشآت تدر عليهم أرباحا كبيرة علي حساب التاريخ والبشر معا، مؤكدا استحالة القبول بتطوير مناطق تاريخية وإجلاء سكانها عنها أو نجاح أي نشاط سياحي منتظر في غيابهم. وأكد مندور خطورة استغلال الفتاوي الموجهة في نقل مقابر وجبانات القاهرة علي طريق الأتوستراد دون الأخذ في الاعتبار أهمية الأماكن التاريخية داخلها، مشيرا إلي وجود نحو 1100 أثر غير مسجلة مقابل نحو 42 أثرا فقط مسجلة تقع علي مساحة 1400 فدان مستهدفة بالإزالة وتحويلها إلي مناطق خضراء وسياحية. وكشف مندور عن إمكانية استخدام قوانين حماية المناطق الأثرية في مصر والقوانين الدولية ذات الصلة بحماية المناطق التراثية، في قيام المحامين والمدافعين عن حقوق سكان المناطق العشوائية بإيقاف عمليات الإخلاء القسري التي تتكرر بحق المواطنين، موصيا بضرورة عمل ورش تدريبية متبادلة بين الطرفين وإشراك الأثريين والمعماريين في مواجهة أكبر مع منفذي المخطط المشبوه دون اعتبارات لحماية الأثر والبشر معا. أما دراسة الدكتور عماد الفقي بشأن " الحماية الجنائية للحيازة" وفقا للتشريعات المصرية ، فأكدت إمكانية الاستعانة بجهاز النيابة العامة في مواجهة عمليات الإخلاء القسري وجرائم الاعتداء علي الحيازات الآمنة للسكان في المناطق العشوائية المستهدفة بالإزالة في مخطط القاهرة 2050 ، خاصة في ظل مناخ يؤكد عدم استجابة هيئات قضائية أو جهات تحقيق لمطالب المحامين والحقوقيين بتطبيق المعاهدات الدولية التي صدقت الحكومة عليها في هذا الشأن. وقالت الدراسة إن القانون الدولي يحمي الحق في السكن ويضع ضوابط وشروط لعمليات الإخلاء القسري، كما أن قانون العقوبات المصري تدخل لفرض نوع من الحماية الجنائية للحيازة في المواد من 369 وما بعدها، وأوجب قانون المرافعات في المادة 44 مكرر منه علي النيابة العامة القيام بفرض نوع من الحماية الوقتية للحيازة، وذلك بأن تصدر قرارا وقتيا في منازعات الحيازة التي تعرض عليها سواء كانت جنائية أو مدنية، وإن كانت تلك المنازعات بين أفراد أو جماعات وبعضهم، أو بينهم وبين أجهزة تنفيذية تابعة للدولة ما دام الاعتداء علي حيازتهم قد تم بالمخالفة للقانون أو دون سند من القضاء. وقال الدكتور عماد الفقي إن القانون لم يشترط في الجاني المعتدي علي الحيازة صفة خاصة، فيستوي أن يكون من أحادي الناس أو موظفا عموميا، وعلي ذلك فيجوز للأفراد الذين تقوم أجهزة الدولة وموظفيها حيالهم بعمليات إخلاء قسري دون وجه حق أن يرفعوا هذا النزاع إلي القضاء لوقف إجراءات الإخلاء القسري، فإن قضي الأخير ببطلان إجراءات الإخلاء أو الإزالة ومخالفتها صحيح القانون، امتنع عن الجهة الإدارية البدء في تنفيذ عمليات الإخلاء أو الإزالة، فإن فعلت كان تصرفها علي غير سند قانوني، وبالتالي يحق للمتضررين اللجوء إلي النيابة العامة لمباشرة الدعوي الجنائية الناشئة عن جرائم الاعتداء علي الحيازة ضد مسئولي الجهة المعتدية علي حيازاتهم وملكياتهم، وطلب معاقبتهم وفقا لقانون العقوبات. وأضاف الفقي "أن ثمة عوار وقصور في الحماية الجنائية للحيازة العقارية يتمثل في ضآلة العقوبات المقررة لجرائم الاعتداء عليها والتي تنحصر ما بين عقوبتي الحبس والغرامة أو إحداهما، وهي عقوبات ضعيفة بالقياس علي العقوبات المقررة لسرقة أو الاعتداء علي حيازة المنقولات، رغم أن المنطق القانوني السليم يقتضي من المشرع فرض عقوبة أغلظ وأشد علي الاعتداء علي حيازة العقار منها علي الاعتداء علي المنقولات، لأن للسكن أو العقار أهمية قصوي بالنسبة لأصحابه، إذ يمثل لهم المكان الآمن ومكمن الأسرار". وأوصت الدراسة بأن تتفق عمليات الإخلاء القسري مع ضوابط دولية مقررة بالإعلان العالمي والعهد الدولي والمواثيق ذات الصلة، ووضع آلية قانونية لاتخاذ إجراءات سريعة وفعالة تكفل للمواطنين وقف الاعتداء علي حيازتهم وملكياتهم، وتغليظ العقوبات المقررة لجرائم الاعتداء علي الحيازة لتحقيق الردع لمرتكبي هذه الجرائم من الأفراد العاديين أو الموظفين العموميين، خاصة أن عمليات الإخلاء في مصر تتم علي الأغلب باستخدام القوة في التعامل مع سكان المناطق العشوائية أو المستهدفة بالإزالة". في المقابل أكدت دراسة الدكتور عصام عبد الله أستاذ الفلسفة بقاء سكان العشوائيات وقودا لقوي سياسية وتيارات دينية متطرفة خلال عقود ماضية، جري استخدامهم خلالها في معارك سياسية لنظام الحكم ضد معارضيه، وفي إحداث فتن بين أبناء الديانات والعقائد المختلفة من المصريين، بعد سلبهم حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية في السكن الملائم والعمل والصحة والتعليم والغذاء، وإهدار كرامة أغلبهم داخل مقار ودواوين أجهزة الدولة وأقسام الشرطة، ورهن مشاركتهم السياسية في الانتخابات بتصويتهم "مدفوع الأجر" لصالح مرشحي الحزب الوطني المنحل مقابل حصولهم علي بعض حقوقهم في المرافق الأساسية التي تفتقدها مناطق وجودهم. وقال عصام عبد الله "إن سكان العشوائيات من أكثر المواطنين شعورا بقضايا وأزمات الوطن، وإن كانت مشاركة بعضهم أو أغلبهم في ثورة 25 يناير طبيعية كغيرهم من المواطنين المصريين، إلا أنهم شعروا بإمكانية حدوث تغيير حقيقي يصب باتجاه تغيير أوضاعهم المعيشية السيئة، فرفضوا النزول إلي الميادين مجددا واستضعاف الدولة في مرحلة الحكم الانتقالي للمجلس العسكري، رغم أن حكومة شرف لم تقدم لهم أي جديد وزادت في عهدها الأعباء علي الأسر البسيطة، وبالتالي لا يمكن أن تتحامل عليهم أي قوي نظامية جديدة حتي لا يحدث انفجار شعبي يكون هؤلاء نواته فيهددون استقرار المجتمع المصري بأكمله، خاصة أن ثورة الخامس والعشرين من يناير بدت بلا قيادة أو زعامة". وتابع عصام في دراسته "إن تغييب الحقوق الانسانية الأساسية عن سكان المناطق العشوائية، ساهم في تغييب علاقات التسامح بينهم وبين المجتمع، كما فعلت بهم النظرة الإعلامية والاستعلاء الحكومي ما فعلت، ليتصور أغلبنا أن العنف والجريمة سمة مرتبطة بالمحرومين من حقوقهم 'المادية'، رغم أن التسامح يعرف طريقه بسهولة إلي هؤلاء الذين يمكن بناء مجتمع متسامح داخل مناطق وجودهم قوامه احترام دولة القانون والحريات الفردية والجماعية". وطالب عصام المجلس العسكري وحكومته والبرلمان المقبل توخي الحذر في التعامل مع حقوق المهمشين وسكان المناطق العشوائية بقوانين وتشريعات جديدة تزيد من أعباءهم وتعقد عملية حصولهم علي حقوقهم أو مجاملة مستثمرين ورأسماليين جدد علي حسابهم، مؤكدا ضرورة صياغة نصوص دستورية تحمي حقوقهم الإنسانية العادلة، وتشريعات تضمن حقوقهم الأصيلة في تنمية مناطق وجودهم، إلي جانب مشروع قومي حقيقي يجمع المصريين المضارين من السياسات الاقتصادية الخاطئة، يعاد معه دمج هؤلاء المهمشين في المجتمع المصري ليكونوا نواة نهضة حقيقية بدلا من إهمالهم وتحولهم إلي خطر علي الوطن والمواطنين، مشددا علي أن فكرة "العزل" أو "الإجلاء" أو "الإبعاد" إلي خارج العاصمة، يمكن أن تحول حدودها إلي حزام ناسف نسيجه المضارون من سياسات الإخلاء القسري.