«لا بد للمرأة أن تتساوى مع الرجل.. ولا بد أن تسقط بقايا الأغلال التى تعوق حركتها الحرة حتى تستطيع أن تشارك بعمق وإيجابية فى الحياة».. تلك كانت كلمات الزعيم جمال عبد الناصر. وتلك كانت نظرته للمرأة المصرية التى وجد أن عليها دورا كبيرا فى النهوض بالوطن عقب ثورة عظيمة وضعت لها منذ الوهلة الأولى أهدافا وقواعد تعيد تشكيل المجتمع». كان عبد الناصر يؤمن أن المرأة تتساوى فى حقوقها مع الرجل بداية من الحق فى التعليم، وإلزام أسرتها بتعليمها حتى نهاية المرحلة الإلزامية على الأقل، وتعرضها لدفع غرامة فى حالة مخالفة ذلك كما أتيحت الفرصة لها للالتحاق بالتعليم الجامعى بكل الكليات والجامعات، بما فى ذلك جامعة الأزهر التى لم تكن تسمح بالتحاق الإناث بكلياتها. كان ايمانه بالمرأة ينطلق من قاعدة قوية هى الدين الاسلامى الذى عندما ناقشته الكاتبة الفرنسية الشهيرة «سيمون دى بوفوار» والفيلسوف الفرنسى «جان بول سارتر» عام 1967 … عن تعليم المرأة وتعدد الزوجات وتأثير الدين فى حياة المجتمع، فقال لها عبد الناصر «اننى لا أريدك أن تأخذى بمقولة أن الاسلام يمكن أن يكون عائقا للتطور فميزة الاسلام فى رأيى أنه دين مفتوح على كل العصور وكل مراحل التطور» «وبالنسبة لتعدد الزوجات فأنا لا أرى الاسلام يتركها رخصة مفتوحة وانما هى رخصة مقيدة بشروط تجعل التعدد صعبا بل تكاد تجعله مستحيلا» «وأما عن تعليم المرأة، وأنا أعتبره الأساس الحقيقى لحريتها، فسوف أطلب من مكتبى أن يبعثوا اليك باحصائيات عن عدد البنات فى مراحل التعليم المختلفة، وكذلك فى مجالات العمل، فى مجتمع المدارس والجامعات الآن أكثر من مليون فتاة، وفى مجالات العمل المختلفة الآن 2 مليون سيدة عاملة» كلمات ناصر لم تختلف كثيرا عن ايمانه بأن الدين وضع أهم أسس للتعامل مع المرأة كما يحكى السيد سامى شرف فى مذكراته وهذا الايمان هو الذى جعل عبد الناصر يحسم قراره بتعديل قانون الأزهر ليسمح بانضمام العنصر النسائى لهذه الجامعة الإسلامية العريقة. كما كان قرار جمال عبد الناصر منح المرأة حقوقها السياسية كاملة ومنها حق التصويت الذى حصلت عليه المرأة المصرية قبل «السويسرية»، كما طبق مبدأ تكافؤ الفرص بين المرأة والرجل فى كل المناصب والرواتب فى حين أن المرأة الأمريكية المدير العام تتقاضى راتبا أقل من نظيرها الرجل، وهذا سائد حتى اليوم. احترام التقاليد إيمان جمال عبد الناصر بحقوق المرأة التى منحها حقوقها السياسية كاملة عام 1956 والذى تضمن ولأول مرة حقها فى الانتخاب والترشح، وطبق عليها مبدأ تكافؤ الفرص، فأصبحت مديرًا عامًا وأستاذًا فى الجامعة ووزيرًا وتساوت مع الرجل فى الأجور والمرتبات، ليتم حل الاتحاد النسائى المصري، وفى عام 1957 تجرى الانتخابات البرلمانية وتدخل أول امرأة مصرية للبرلمان، ثم تعيين أول سيدة فى منصب وزيرة عام 1962 ، ثم المشاركة المصرية المتميزة عام 1970 لسيدات منهن: عائشة راتب وعزيزة حسين وأخريات؛ لصياغة مسودات اتفاقية المرأة الدولية. لكن هذا الايمان كان يلتزم دائما بالتقاليد المصرية العريقة التى كانت تجعل زوجة الرئيس بجانبه فى كل الاحتفالات والمناسبات ليشار اليها باسم «حرم الرئيس» ولم يكن ناصر يسمح بأن يطغى البروتوكول على تقاليد المصريين. والتى ظهرت كما يحكى السيد سامى شرف فى إحدى الزيارات للرئيس جمال عبد الناصر وحرمه إلى اليونان حيث كانت تقضى المراسم أن يدخل رئيس الدولة المضيفة إلى قاعة الاحتفال متأبطا ذراع حرم الرئيس الضيف احتفاء بها بينما يدخل الرئيس الضيف وقد تأبط ذراع زوجة الرئيس المضيف. وهنا كانت المشكلة فالكل يعلم أن جمال عبد الناصر لن يوافق على هذا الاقتراح مطلقًا لأنه يتنافى تماما مع تقاليد البلد وطبعه الصعيدى. وفعلا رفض جمال عبد الناصر هذه الترتيبات وقال: «إننى أرفض ذلك لنفسى كما أننى لا أستطيع أن أجرح مشاعر الشعب المصرى حين يرى صورة حرم رئيس جمهوريته وقد تأبطت ذراع رجل آخر» ليتم تعديل مراسم الاحتفال بأن يدخل ملك اليونان واضعا يده فى يد الرئيس جمال عبد الناصر. ثم تدخل زوجته الملكة وقد تأبطت ذراع السيدة «تحية». حقوق ذلك هو عبد الناصر الذى يحافظ على التقاليد ويسعى إلى مزيد من الحقوق للمرأة المصرية التى حصلت على التعليم ولم تعد تشغل مجرد وظيفة «عاملة» فى مصنع بل شغلت منذ سنوات الثورة الأولى وظائف هامة فى الجهاز الإدارى وأعطيت حق الانتخاب والترشيح لمجلس الأمة، وأصبح هناك بالفعل عضوات بالمجلس ثم وزيرات فى مرحلة تالية. وكان حق المرأة فى أن تكون عاملة وأمًا فى نفس الوقت من أهم أهداف الثورة التى ألزمت جهات العمل التى يعمل بها أكثر من 50 امرأة بتوفير دور للحضانة، ومنحهن ساعة يوميا لإرضاع أطفالهن خلال وقت العمل الرسمي.وكانت تلك الاجراءات وغيرها من العوامل التى شجعت على اقتحام المرأة للمجالات المختلفة. بل والمناصب فظهرت الأسماء النسائية اللامعة من البرلمانية إلى الوزيرة إلى رئيسة التحرير. راوية عطية من بين هذه الأسماء اللامعة اللاتى لن ينساهن التاريخ تأتى راوية عطية أول نائبة بالبرلمان عام 1957 وهو العام الذى منح عبد الناصر فيه المرأة حق الانتخاب والترشح للمرأة المصرية بموجب دستور 1956 وتم فتح باب الترشح، وتقدمت 8 سيدات للترشح وفازت راوية عطية لتكون أول امرأة عربية تدخل البرلمان. كما كانت أول إمرأة تعمل ضابطة فى الجيش المصرى بعد العدوان الثلاثى فقامت بتدريب 4000 سيدة على الإسعافات الأولية والتمريض لجرحى الحرب ووصلت لرتبة نقيب. حكمت أبو زيد هى أول وزيرة فى مصر وثانى وزيرة فى العالم العربى. وهى قلب الثورة الرحيم تاريخها ملىء بصور الجهاد والكفاح بداية من مشاركتها فى فرق المقاومة الشعبية عندما وقع العدوان الثلاثى عام 1956 ، فبدأت تتدرب عسكريًا مع الطالبات وسافرت إلى بورسعيد مع سيزا نبراوى وإنجى أفلاطون وكن يشاركن فى كل شيء من الإسعافات الأولية حتى الاشتراك بالمعارك العسكرية وعمليات القتال العسكري. فى عام 1962م اختيرت عضو فى اللجنة التحضيرية للمؤتمر القومى ودارت مناقشاتها حول بعض فقرات الميثاق الوطنى وكان خلافها مع ناصر فى الرأى هو أهم ما أثار اعجابه بها وبأفكارها. فأصدر قراره بتعيينها وزيرة للشئون الاجتماعية لتقوم بتحويل الوزارة إلى وزارة مجتمع وأسرة ونقلت نشاطها لكافة القرى والنجوع بالجمهورية، وأقامت مشروعات ما زالت مستمرة حتى الان منها مشروع الأسر المنتجة ومشروع الرائدات الريفيات ومشروع النهوض بالمرأة الريفية كما قامت بحصر الجمعيات الأهلية وتوسعت أنشطتها وخدماتها التنموية. عندما حدثت هزيمة 1967. كلفها ناصر بالرعاية الاجتماعية لأسر الجنود الموجودين على الجبهة المصرية فكانت خير مَنْ يقوم بالمهمة. لتتكرر المهمات الانسانية عام 1969 بأن تكون مسئولة عن مشروع تهجير أهالى النوبة إلى القرى النوبية الجديدة ما بين كوم أمبو وأسوان وحرصت على نقل النسيج والبنيان النوبى كما كان قبل الغرق وتفاعلت إنسانيًا مع أهالى النوبة ليطلق عليها عبد الناصر لقب «قلب الثورة الرحيم». أمينة السعيد أول رئيس تحرير أمرأة فى عهد عبد الناصر وهى من السيدات اللاتى اشتغلن بالصحافة، وحملت على عاتقها قضية تحرير المرأة ومساواتها بالرجل. فدائيات وبالمثل كانت هناك سيدات أخريات قدمن مهام جليلة للوطن ولم ينس ناصر أبدا تكريمهن منهن فنانات وفدائيات شاركن مع الرجال فى حماية الوطن واسعاف الجرحى والمصابين. كما كان لعبد الناصر وثورته دور فى دعم الفدائيات فى دول أخرى منهن كانت جميلة بو حريد وزهرة ظريف اللتين استضافهما جمال عبد الناصر فى القاهرة تقديرا لدورهما الوطنى وكفاحهما من أجل الاستقلال والحرية.