تدهسه الأيام وتتناوله عشبا لاذعا كل صباح وتنتشى بعذاباته الصغيرة قبل الكبيرة .. ولا تكف عن التلاعب بمصائره ومقدراته .. أنهكته الصراعات وطلسمته آيادى الشر فتحول " لمسخ عقيم " تخلى عن مخاض العروبة وبات منزويا فى ركن ركين فى بؤرة مشتعلة من رمادها دون أن يشبهها لا من قريب أو من بعيد .. هو لا يحمل نفس العنفوان وبعيد كل البعد عن ذات القيم التى قامرت بأعمار الرجال فكانوا لها محرابا يتغذى على الدماء من أجل أن تعيش الأرض . إنه " العربى " صاحب التاريخ والحضارة والصبر الجلى .. إنه " العربى " صاحب الدهشة التى تقاسمت معه رغيف البؤس والصوت الشجى .. إنه " العربى " صاحب الكلمات وجلسات الإستماع وصاحب الشكوى والوجع الخفى .. إنه " أنت " وكل من هو مثلك فى بطاقة الأحياء أسمه " عربى " ميت فى واقع الأمر بداء " الطلاسم " غُيب عن واقع مرير أفرزه المحتل الصهيونى وتصدى له مئات الرجال بصدورهم وألاف الصبيه بحجارتهم وضعفهم من النساء بحناجر كبرياءهم .. وتعايش فى واقع أقبح أفرزته الحروب والصراعات عنوانه " الشتات " تطايرت فيه أشلاء العروبة فى كل الأقطار فنسينا وجع غائر إسمه " الأقصى " ونسينا قضيتنا الكبرى فى فلسطين العربية .. ونسينا وقفات التضامن ومظاهرات الشجب والإستنكار التى إعتادت أن تلون ميادين العرب بلونى الكوفيه الفلسطينية أبيضها وأسودها .. فوقتها كنا جميعا " أهل فلسطين " غابت حرارة الشباب وهدأت أبجديات الكبار وتباينت كل المواقف فى وقت لا نصبح فيه أبدا على ما أمسينا عليه .
ولكن .. لازال هناك عربى ثائر مجهول الهوية ينادى " وا أقصاه " يقف على مقربة من شاطئ البحر الميت .. شكلته التجاعيد مثلما شكلت الخريطة أوجاعنا العربية .. يتحدث باللهجة العراقية وملامحه تبدو سعودية ولا يعرف من الكلمات سوى " وا أقصاه " سألوه عن هوية قال لا أملك .. سألوه عن عنوان قال لا أملك .. سألوه عن أسم قال لا أعرف .. من أين أتيت وكيف أتيت وماذا تذكر غير أقصاك ؟؟! .. قال وما علمت بغير الأقصى فى زمنى .. فما أدرانى بما علمتموه فى زمانكم .. بدت كلماته لخفر السواحل كطلاسم يصعب فهمها .. فإكتفوا بالإيماء على شرف العروبة !