سؤال يبدو متناغماً مع ما تشهده المنطقة من تحركات تهدف إلي قراءة المشهد العربي بعد سقوط النظام السوري الذي مازال ممسكا بالسلطة ومتسلحاً بالآلة العسكرية التي لا ترحم. فالأصدقاء قبل الأعداء بدأوا في بحث البدائل لحماية مصالحهم. ففي إيران التي مازالت تدعم الرئيس السوري علي أمل أن يتمكن من حسم المعركة مع معارضيه بدأ الحديث يتردد عن أهمية حماية مصالح الجمهورية الإسلامية والبحث عن بدائل للنظام السوري.. وعلا صوت بعض رجال الدين المتشددين في إيران مرددين في العلن ما كان يقال سرًا من أن الرئيس الأسد بتحالفه مع إيران كان راغباً في حماية مصالحه لكنه لم يكن يوماً يؤمن بأهمية هذا التحالف والدليل أنه أوشك في مناسبات عديدة علي الاستجابة إلي محاولات الاستقطاب التي بذلتها عدة دول عربية لإعادة سوريا إلي حضن الأمة العربية والتخلي عن إيران. ومن خلال تسريبات نقلتها صحيفة ديلي تليجراف البريطانية فإن دوائر صنع القرار في إيران أعطت أوامرها إلي جهات استخباراتية ودبلوماسية لبحث وسائل الاتصال بالمعارضة السورية لكن هذه الدوائر العليا شددت علي الابتعاد عن الليبراليين الذين يهاجمون تحالف الأسد مع الجمهورية الإسلامية أو من يطالبون بإستعادة الجولان عن طريق التوصل إلي حل مع الصهاينة حتي لا يتم تضييق الخناق علي الرئيس الأسد في الداخل، وأمرت بالسعي إلي الاتصال بمن هم أكثر اعتدالا.. وهنا من المهم الإشارة إلي ما جاء في افتتاحية صحيفة الشرق الأوسط اللندنية قبل أيام والتي أكدت من خلالها أن هناك فصيلاً فلسطينياً يسعي الآن لعقد لقاءات سرية بين ممثلين عن الإخوان المسلمين في سوريا ومسئولين أمنيين إيرانيين لتقريب وجهات النظر بين الطرفين. وفي حقيقة الأمر وبغض النظر عن الفصيل الذي أشارت إليه الشرق الأوسط نقلا عن مصادرها فإن المتابع للشأن الإيراني يدرك أن تحركات من هذا النوع تعكس قلقاً بالغاً علي مصالح إيران في المنطقة وبالتحديد علي مستقبل حزب الله وطريقة تمويله بالسلاح التي كانت تتم عن طريق سوريا أو قاعدة الدعم الأساسية 'كما تطلق عليها الأجهزة الأمنية الإيرانية'.. بل إنه من الممكن القول إن سقوط النظام السوري الذي بات وشيكاً قد يصيب جهود تصدير الثورة الايرانية في مقتل ويعيدها إلي نقطة الصفر.. لذلك وتبعا للطريقة البرجماتية النفعية التي تتبعها الدبلوماسية الايرانية فإنه من المنطقي أن تبحث إيران عن بدائل لنظام الأسد، ومن غير المستبعد أن تبدأ خلال الأيام القليلة المقبلة في البحث في دفاترها القديمة لإيجاد مخرج من الأزمة قد يكون هذا المخرج دوراً محوريًا تلعبه طهران مثلا في ليبيا أو تغيير استراتيجيتها في السودان أو تعاود الاتصال بالحوثيين في اليمن لإعادة البحث عن موطأ قدم في هذا البلد الذي يرفض رئيسه التنحي بحجة عدم وجود بديل، أو ربما تفاجأ الدبلوماسية الإيرانية الجميع بتسريع خطوات التقارب مع مصر وإحياء علاقاتها مع أكبر بلد عربي ينتظر الآن ميلاد قوة جديدة قد تكون علي استعداد للتقاطع والتلاقي أيديولوجيا مع إيران الثورة، خاصة أن أحد المسئولين الإيرانيين أكد أن العلاقات مع مصر سوف تشهد تحسناً كبيرًا بعد الانتخابات التشريعية المصرية التي من المفترض أن تجري الأسبوع المقبل. ولا تبدو إيران وحيدة في مسعاها البحث عن بدائل لنظام الأسد فقد بدأت دول كبري كالولاياتالمتحدة في التحضير لمرحلة ما بعد الأسد وترددت أنباء لم تتأكد صحتها بعد أن الولاياتالمتحدة تعتزم فرض عقوبات جديدة ضد شخصيات سورية سياسية واقتصادية خلال أسبوعين أو ثلاثة، تشمل رجال أعمال كباراً يدعمون نظام الرئيس بشار الأسد. يأتي ذلك في سياق تكثيف الجهود الرامية لمنع أسد سوريا من استخدام النظام المصرفي العالمي والإقليمي، من خلال تنسيق الخطوات العقابية مع دول مثل تركيا وقطر، وحض دول مثل الإمارات، علي وقف التعامل المصرفي مع دمشق، ومواصلة مراقبة نشاط المصارف اللبنانية، للتأكد من عدم تورطها في دعم نظام الأسد. ووفقًا للرؤية الأمريكية في هذا الصدد، فإن الاقتصاد السوري يعاني، بعد قرار الدول الأوربية وقف استيراد النفط السوري وغيرها من العقوبات، من تحديات خطيرة مثل خسارته لحوالي 450 مليون دولار في الشهر الماضي، قيمة عائدات النفط. ويضيف المصدر أن عمليات تصدير النفط السوري 'حوالي150 ألف برميل في اليوم، قبل ان تحظر أوربا استيراده' قد توقفت الآن، بعد ان امتلأت خزانات النفط. وتواجه الحكومة السورية عقبات عدة في تصدير نفطها إلي دول مثل الصين وروسيا لأسباب فنية ولوجستية. ويتوقع المصدر نتيجة تفاقم ثمن العقوبات الدولية، وانحسار احتياطي العملات الأجنبية، والانهيار الكامل لموسم السياحة بانكماش إضافي للاقتصاد السوري في السنة المقبلة، أن يصل النظام السوري ربما في منتصف السنة المقبلة إلي مرحلة لن يستطيع فيها تمويل قواته الأمنية والعسكرية وميليشياته، وهو ما ترغبه الولاياتالمتحدة التي ترفض حتي هذه اللحظة تبني فكرة التدخل العسكري في سوريا لعدم رغبتها في التورط في حروب جديدة قد تؤدي الي استنساخ الحالة العراقية التي دفعت واشنطن ثمنها غالياً بالإضافة إلي أن عام 2012 هو عام الانتخابات الرئاسية الامريكية والتي لا يرغب الرئيس أوباما في حدوث ما يؤدي إلي تعكير صفوها. لذلك فالجهود الأمريكية تتركز في دعم المجلس الوطني السوري المعارض علي وضع تصور واضح ومفصل لرؤيته لسوريا في حقبة ما بعد بشار الأسد، ومواصلة دفع الدول النافذة في مجلس الأمن مثل جنوب أفريقيا والهند والبرازيل إضافة الي روسيا والصين للموافقة علي صدور قرار أقوي من مجلس الأمن ضد النظام السوري، والضغط علي الحكومة العراقية لوقف دعمها للنظام السوري، ودفع الأكراد للعب دور أكثر في الثورة السورية، وتأييد الجهود التركية الهادئة التي تسعي للضغط علي الأسد والتي تحاول منع إنفجار الوضع في المنطقة بعد انهيار النظام وهو ما لا ترغبه واشنطن نظراً لتأثير ذلك علي أمن إسرائيل والذي قد يضعها في مواجهة مع بديل الأسد لا ترغب فيها الآن علي الأقل. وإذا كانت كل من إيرانوالولاياتالمتحدة تبحث عن بدائل هادئة بعيداً عن صخب الدبلوماسية، فإن فرنسا تتعامل مع الموقف بمنظور مختلف فالتصريحات النارية المستمرة لوزير الخارجية الفرنسي آلان جوبيه تنبئ عن اعتزام باريس الذهاب إلي أبعد مما يتصور البعض في تعاملها مع الازمة السورية فقد ترددت أنباء عن اعتزام باريس استضافة مؤتمر يضم عدة دول لبحث الأزمة في سوريا ورغم عدم تأكيد باريس موعد المؤتمر 'حتي مثول الصحيفة للطبع' إلا أنه من المتوقع مشاركة مسؤولين رفيعي المستوي من الاتحاد الأوروبي والولاياتالمتحدة، بالإضافة إلي دول عربية منها السعودية وقطر والأردن بالإضافة الي تركيا. وأضافت مصادر صحفية فرنسية أن عقد المؤتمر ومضمونه سيعتمد بشكل كبير علي نتائج اجتماع الرباط لوزراء الخارجية العرب الأسبوع الماضي، وما خرج به من اتفاق علي الخطوات المقبلة للتعامل مع الأزمة في سوريا. وكان وزير الخارجية الفرنسي أول من دعا الرئيس الأسد إلي الرحيل واعتبره فاقدًا للشرعية، وقاد التيار المتشدد في مجلس الأمن الساعي إلي إدانة سوريا وفرض عزلة سياسية ودبلوماسية عليها، فضلا عن العقوبات المالية والاقتصادية. بالإضافة الي تصريحاته يوم الجمعة الماضي التي قال فيها إنه يعارض التدخل في سوريا من جانب واحد وأن أي تدخل يجب أن يتم بتفويض من الأممالمتحدة وأن بلاده علي أتم الاستعداد للتعامل مع هذا الطرح مٌحذراً من كارثة إذا انزلقت سوريا إلي حرب أهلية.. داعيا إلي فرض عقوبات أكثر صرامة علي دمشق ومٌبديا استعداد بلاده للعمل مع المعارضة السورية. وفي النهاية فإن الجميع يبدو في انتظار حالة مخاض تأتي ببدائل علي رأس السلطة في بلد من أكبر البلدان العربية.. لكن من الواضح أن ما يحدث في كواليس المسرح يختلف عما يحدث أمام الجميع.. لكن الشيء المؤكد أن النظام في سوريا بدأ في الترنح ثم السقوط الذي قد يطول انتظاره عدة أشهر مقبلة.. لكنه آتٍ لا محالة.