الانتخابات التشريعية التي جرت في بريطانيا يوم الخميس الماضي لم تأت بما تشتهي السفن عندما تلقى خلالها حزب المحافظين خسارة غير متوقعة لعدم حصوله على الأغلبية البرلمانية لتجديد الثقة لتيريزا ماي رئيسة الحكومة التي دعت إلى إجراء انتخابات تشريعية مبكرة كانت في غنى عنها بعد خسارتها لهذا الرهان، وذلك عندما حصل حزبها على 318 مقعدا متراجعا عشرة أصوات عن الانتخابات السابقة وبفارق 8 أصوات لتحقيق الأغلبية البرلمانية التي تتطلب 326 مقعدا، مقابل التقدم الكبير الذي حققه حزب العمال بقيادة جيريمي كوربين الحاصل على 261 مقعدا وعودته بقوة إلى الحياة السياسية في بريطانيا ومطالبته لتيريزا بعد خسارتها إفساح المجال لحكومة جديدة تمثل بشكل فاعل وحقيقي البريطانيين وتلبي طموحاتهم، الأمر الذي جعل تيريزا ماي وحزب المحافظين في موقف صعب يتلاومون فيه على بعضهم البعض . ورغم تلك الخسارة غير المتوقعة فإن الملكة إليزابيث الثانية قد كلفت تيريزا ماي بتشكيل الحكومة وهو ما قامت به بالفعل يوم الجمعة الماضى عندما شكلت حكومتها الائتلافية المتحالفة مع الحزب الديمقراطي الوحدوي بإيرلندا الشمالية حافظت فيها على بقاء قيادات الوزارات السيادية بالحكومة السابقة كوزارة الخارجية والداخلية والمالية ووزير شئون خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ديفيد ديفيس، وعزمها على المضي قدما في مفاوضات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي . إن هذا التراجع في شعبية حزب المحافظين يرجع في المقام الأول لقرار تيريزا ماي الخاطئ في إجراء انتخابات مبكرة كانت في غنى عنها بعد تلك النتائج الضعيفة التي لم تكن متوقعة على هذا النحو، كما يرجع المحللون هذا التراجع إلى التخبط والضعف الذي أدارت به تيريزا ماي حملتها الانتخابية التي لم تكن مقنعة على الإطلاق عندما أعلنت خفضها للهجرة وإجراءها لسلسلة من التضحيات سلبت حقوق المتقاعدين وجعلتهم يدفعون تغطية تكاليف الرعاية الصحية، وبعدها عن تلبية مطالب الفئات الشابة داخل بريطانيا ناهيك عن تخبطها في إدارة إنهاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وتحميلها مسئولية تعرض بريطانيا للكثير من الاعتداءات الإرهابية المتكررة منذ مارس الماضي بسبب تقليصها لوظائف رجال الشرطة عندما كانت وزيرة للداخلية منذ العام 2010 الأمر الذي أضعف بدوره الجهاز الأمني في بريطانيا . وبهذه النتائج تكون تيريزا ماي قد خسرت رهانها الانتخابي لضمان الحصول على الأغلبية البرلمانية التي كانت ستمكنها من تقرير موقفها بشأن الخروج من الاتحاد الأوروبي، وفي الوقت نفسه إعطاؤها الفرصة أمام الناخبين البريطانيين من معاقبتها والميل بقوة نحو حزب العمال وصعود نجم جيريمي كوبين الذي دعاها إلى الاستقالة وإعطاء الفرصة له لتشكيل حكومة أقلية مع إعلانه بعدم قيامه بأية تنازلات أو تراجع عن المضي قدما في تنفيذ برنامجه الانتخابي الإصلاحي لتصبح بذلك تيريزا ماي في موقف لا تحسد عليه بعد أن جاءت نتائج الانتخابات التشريعية ضبابية وغامضة ومترددة في مواجهة التحديات التي تواجه بريطانيا الآن ومنها الملف الأمني، وملف خروجها من الاتحاد الأوروبي الذي كان يعلق الآمال على ميلاد حكومة قوية وناجزة لإنهاء مفاوضات خروج بريطانيا من الاتحاد، وفي الوقت نفسه إفساح المجال أمام رئيسة وزراء اسكتلندا نيكولا استرجن المطالبة بإجراء انتخابات مبكرة حول استقلال اسكتلندا عن المملكة المتحدة، فهل ستتمكن تيريزا ماي بعد أن خسرت رهانها الانتخابي مواجهة تلك التحديات أم أن هذا الضعف والتخبط في الأداء سوف يفسح بدوره المجال لعودة حزب العمال من جديد لحكم البلاد ؟