شارع المعز مكان مختلف لا علاقة له بالتليفزيون والمسلسلات والسهرات الرمضانية لوزارة الثقافة، إذا ذهبت إليه لن تصدق أن مكانا بمصر على هذا النحو من الصخب والازدحام، بين المساجد التاريخية والبيوت والأسبلة والمحال التى تعانى ركودا رغم ما تتزين به واجهاتها من بضائع صنعتها أنامل مدربة مازالت تمنحنا جمال حرف قديمة، دق وحفر على نحاس ومعادن نفيسة أو مشغولات خرز ملون وأحجار كريمة وذهب وفضة، أو بضائع خادعة لمشغولات رخيصة مقلدة، تمتد موائد الفول والطعمية لسحور المتنزهين وعربات غزل البنات للحلو وأكواز الذرة المشوى للتسالى، وتتراص السيدات من السودان الشقيق أو اسوان والنوبة على الجانبين ينقشن بالحناء لمن يردن، طبل وزمر، وبهجة عيد قبل العيد، تمر بصعوبة بين الحشود وأنت لا تصدق أن كل هؤلاء خرجوا بين الإفطار والسحور فإذا خرجت عبر شارع النحاسين إلى منطقة باب الشعرية ستكتشف أنه لا مكان لقدم بين المقاهى التى احتلت الأرصفة بالكامل فى الطريق إلى محطة المترو، السؤال الذى مازلت أردده لنفسى إذا كانت الشوارع فى ليل رمضان فى تلك المناطق على هذا النحو من الازدحام، إذا كانت الطرق مزدحمة إلى حد أن محاولة الوصول إلى مكان ما تستغرق وقتا أطول من النهار، فمن ياترى يشاهد مسلسلات رمضان التى كبدت دولتنا الفقيرة مبالغ كفيلة بتشغيل مصانع وفتح بيوت شباب عاطل يحلم بالزواج؟! من يشاهد مولانا عادل امام وهو يقوم بدور رجل لم يصل الستين بعد تحبه جنية تحقق له الأمنيات وحفنة الممثلين فى مسلسل ظل الرئيس «الجيد» الذين لا يقوون على الكلام ويتحركون ببطء وقد بلغ بهم الكبر عتيا، من «يأنتخون» أمام مقالب رامز جلال، وهانى رمزى، والإعلانات التى تطالبنا ليلا ونهارا للتبرع بما بقى من رواتبنا للمستشفيات والفقراء ويقدمها لنا نجوم متطوعون «زكاة منهم عن صحتهم وعافيتهم وأجورهم التى بالملايين.. البسطاء الذين يشربون كوبا من الشاى على المقاهى الرخيصة وينسون الدنيا بساندوتش طعمية فى شارع المعز ولا يدخلون انشطة وزارة الثقافة التى تبعد خطوات عن الشارع مكتفين بمشاهدة المسرح الوحيد الذى ذهب إليه بجوار بيت الشاعر، هؤلاء الفقراء أعلنوا تمردهم بطريقتهم، قالوا ببساطة نحن لا نبالى بما تقدمونه لنا، لم نكن بحاجة إلى كل ذلك ، لم نكن بحاجة إلا إلى هذا الشعور الرائع الذى تمنحه إرادتنا فى ان نفعل ما نشاء وقتما نشاء.. الشارع معناه الحرية ..التحرر من كل سلطة أو تأثير أو إملاء أو استفزاز.. حتى وإن كان من يمارسونه علينا نجومنا المحبوبون