كانت مصر وستظل دومًا ولّادة العباقرة والعظماء صنّاع الحضارة من فنون وآداب وعلوم وعمارة. ويكفى للناظر أن يمد البصر قليلا إلى مائة عام فقط ليرى نجومًا فى سماء المحروسة تبعث شعاع المعرفة وتروى قصص البطولة والأمجاد، ما ينير صفحات التاريخ الناصعة.. أنجبت مصر فى عصرها الحديث عرابى وعبد الناصر.. العقاد وطه حسين... شوقى وحافظ.. المراغى والشعراوى.. مشرفة وزويل.. وغيرهم وأخيرا «ميرو». ولمن لا يعرف «ميرو» فهو الاسم الحركى لشاب مصرى أراد أن يقدم خدمة لشباب هذا الجيل وربما الأجيال القادمة مستغلًا مواهبه وقدراته الخارقة لتخفيف معاناة مرضى النفوس من أولاد الأغنياء الساهرين فى منتجعات فنادق شرم الشيخ والغردقة. فراح هذا الشاب المعجزة يعمل راقصًا شرقيًا. أى هزازًا للوسط ومحركًا فى أغلب الأحيان لجميع جسده بانثناء وتلوٍ ّ تصاحبه الموسيقى )المشخلعة(. هذا الميرو أنار الشاشة يوما فى برنامج تليفزيونى وسأله مقدم البرنامج: «هل أهلك لم يغضبوا منك لأنك تمارس الرقص الشرقى باعتباره من الفنون النسائية؟».. أجاب الشاب بكل ثقة: «لا. خالص. لأنى مابعملش حاجة عيب ولا حرام». وهنا تبرز المصيبة الكامنة فى طيات تلك العبارة الفجة التى يتناقلها البعض نطقًا وفهمًا خاطئًا لوصف الأعمال القبيحة بمختلف أشكالها. هذا الراقص ومن على شاكلته ذكورًا وإناثًا لا يرون فى الخلاعة قبحًا. ولا فى الفعل القبيح عيبًا ولا فى العيب وما نهى الله عنه حرامًا. وكأن على أعينهم غشاوة.. وفى غمرة الحسرة والأسىْ تذكرت أبطال مصر وعلى مر العصور من قادة وفاتحين. وحديثا مجموعة الضباط الشبان )وكانوا فى عمر ميرو تقريبا( حين قاموا بثورة يوليو 1952 ليخلصوا البلاد من حكم ملكى فاسد ويحرروها من احتلال بريطانى غاشم. وتذكرت من ضربوا أروع الأمثلة فى التضحية والفداء إبان حرب الاستنزاف. كأمير المعارك الشهيد «إبراهيم الرفاعى».. ومن قدموا دماءهم وأرواحهم فداء لمصر فى حرب أكتوبر 73. تذكرت «محمد المصرى» الذى دمر 27 دبابة إسرائيلية و«عبد العاطى» الذى دمر 23 دبابة. وغيرهم من الأبطال. هؤلاء الصناديد من رجال مصر وشبابها الفتى. الذين لم يستخدموا سواعدهم فى الرقص يطوحونها يمينا ويسارا بل استخدموها فى تلقين العدو الاسرائيلى دروسا فى الشجاعة والإقدام. ضاربين أروع الأمثلة فى التضحية وبذل الدماء والأرواح لمصر الغالية ليمسحوا من مقلتيها دموع نكسة يونية. ولتبقى على الدوام أمّا حانية تنجب من بعدهم رجالا يواصلون مسيرة التنمية والعمل. والدفاع النبيل إذا دقت طبول الحرب متبرئة ممن يهزون الوسط والمؤخرة إذا دقت طبول الرقص والخلاعة. أناشد القائمين على أمر هذا البلد أن ينقذوا شبابنا من السقوط فى مستنقع الانحراف بأشكاله من إدمان مخدرات. ولهو غير مباح واضطراب فكرى، قد يدفع إلى التطرف. وأن تراقب وسائل الإعلام لتنقية ما تبثه من برامج ودراما تشيع الفاحشة. وتبدد طاقات الشباب فهم أمل الحاضر والمستقبل.