حدث ذلك فى النصف الثانى من ثمانينات القرن العشرين: كنت أنا ذلك الصبى المسلم ما زلت فى المرحلة الإعدادية بمدينتى طنطا الوديعة حيث يتجاور أهلها من المسلمين والمسيحيين فى وئام ومحبة بدون ادعاء، تظللهم نفحات مسجد سيدى أحمد البدوى وكنيسة مار جرجس، متجهًا إلى مدرسة طنطا الإعدادية للبنين بجوار طريق )طنطا- الإسكندرية( الزراعى، وفى كل صباح–ولمدة 3 أعوام متصلة–كنت أنطلق من منزلى الكائن أمام مستشفى الهلال الأحمر بوسط المدينة سائرًا على قدمى بشارع البطراويش )وأبرز معالمه سينمتا: ريفولى، والجمهورية( ومعى جارى وزميلى أحمد، وفى الطريق نمرعلى زميلينا المسيحيَين أمير، وسامح حيث نسير- نحن الأربعة- وصولًا إلى شارع النحاس قاطعين إياه باتجاه شارع على مبارك حيث مقر كنيسة مار جرجس البديعة فى نمطها العمرانى وأيقوناتها التى تزخرف جدرانها، ثم نتجه يسارًا باتجاه المدرسة. رحلة كنا نقطعها يوميًا فى زمن لم يكن قد تلون بعد ب «تشدد مقيت» وافد على نسيج المصريين، غير أن يوم الأحد كان مختلفًا إذ كنا نشاهد فى رحلة العودة من المدرسة إخوتنا المسيحيين..رجالًا ونساءً وأطفالًا.. فى أبهى ملابسهم وقمة سعادتهم استعدادًا لقداس الأحد. وفى يوم أحد آخر )9 أبريل الجارى( حوّل الإرهاب الخسيس فرحة إخوتنا المسيحيين بنفس الكنيسة )مار جرجس( إلى مآتم كبير باتساع رائحة دم وأشلاء هؤلاء، والذى لا يكفكف دموعهم شىء إلا هذه اللحمة الوطنية الصامدة التى ظهرت جليةً فى تسارع المسلمين من جيران الكنيسة المكلومة بنقل إخوتهم المصابين إلى المستشفيات والتبرع لهم ب«الدم المصرى» الذى يختلط فيه المسلم بالمسيحى، وهو مالا يقوى على فصله أى إرهابى وضيع. ترى ألم يسمع هؤلاء الإرهابيون.. الصُم العمىّ قساة القلوب منغلقىّ العقول.. الحديث النبوى الشريف الذى أوصى فيه النبى الكريم بأهل مصر خيرًا لأن فيهم «ذمةً ورحمًا»؟!، وألم يعرفوا شيئًا عن «العهدة المحمدية» والمعلقة على جدران دير سانت كاترين والتى أملاها الرسول الكريم على الإمام على بن أبى طالب بالمسجد النبوى، وشهد عليها عدد من كبار الصحابة، وفيها وصية الرسول بإخوتنا المسيحيين قائلًا: «.. وأنا أحفظ ذمتهم أين ما كانوا من بر أو بحر.. فى المشرق والمغرب.. وهم فى ذمتى وميثاقى وأمانى من كل مكروه»؟!!. وبعد، لقد غادرت مدينتى طنطا بحكم العمل الصحفى منذ سنوات طويلة، ولا أدرى هل كان صديقىَّ: أمير وسامح بالكنيسة ساعة العمل الإرهابى الخسيس؟!