حظيت الزيارة التى يقوم بها الرئيس عبدالفتاح السيسى إلى الولاياتالمتحدة منذ السبت الماضى باهتمام واسع النطاق، ليس فقط باعتبارها الزيارة الرسمية الأولى لرئيس مصرى منذ سبع سنوات مضت، وإنما لأهمية الموضوعات المطروحة على جدول أعمال الزيارة. ويحمل الرئيس السيسى خلال لقائه المرتقب مع الرئيس «دونالد ترامب» ثلاث رسائل هامة، ستكون مجالاً للبحث بين الطرفين، بعضها يمثل توافقا مشتركا، والآخر يمثل تباينًا لا يمكن انكاره. الرسالة الأولى: وتركز هذه الرسالة على الوضع الداخلى في مصر، وطبيعة الأوضاع التى تحكم مسار العلاقات المصرية الأمريكية، وهى على الوجه التالى: 1 إن العلاقات المصرية الأمريكية هى علاقات استراتيجية، لا تقوم على التبعية، وإنما على الندية، وهى علاقات لها تميزها ولها خصوصيتها، ولكن فى إطار يحفظ عدم التدخل فى الشئون الداخلية، خاصة أن مصر عانت كثيرا فى الفترة الماضية من هذه التدخلات التى دعمت التيارات المناوئة، خاصة جماعة الإخوان الإرهابية، وبعض منظمات المجتمع المدنى الممولة من الخارج والتى لعبت دورًا مشبوهًا فى تشويه الحرب المصرية على الإرهاب وترديد المزاعم التى من شأنها التشكيك فى مؤسسات الدولة والاساءة إليها.. وهنا فإن مصر تطلب: أ وقف نشاطات جماعة الإخوان الإرهابية فى الولاياتالمتحدة وحظر ممارساتها، باعتبارها جماعة إرهابية تمارس العنف ضد المجتمع وتحرض على اسقاط الدولة. ب ترشيد الدعم المقدم لمنظمات المجتمع المدنى ذات الأهداف السياسية والحقوقية، بحيث يتم فى إطار القانون وحماية المجتمع. 2 وسوف تتضمن هذه الرسالة أيضا، طبيعة التحديات التى تواجهها مصر ومنطقة الشرق الأوسط، وهو ما عبر عنه السفير علاء يوسف المتحدث باسم رئاسة الجمهورية عندما قال «إن الزيارة تأتى فى وقت تتزايد فيه التحديات فى منطقة الشرق الأوسط، وهناك تحديات مشتركة تواجهها البلدان على رأسها تحدى الإرهاب.. حيث ستكون الزيارة فرصة لإطلاع الجانب الأمريكى على مواقف الجانب المصرى ورؤيته لسبل حل هذه المشكلة التى أصبحت آفة يجب العمل على القضاء عليها من خلال جهد دولى واستراتيجية شاملة لا تقتصر فقط على الجوانب الأمنية والعسكرية، وإنما تغطى الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والدينية والثقافية أيضا». إن هذا الفهم يؤكد أن الرؤية المصرية التى سيطرحها الرئيس السيسى لمواجهة الإرهاب سوف تكون رؤية شاملة، تخص المنطقة بأسرها، وتتعرض تحديدًا لدعم بعض القوى الدولية لأنشطة بعض التنظيمات التى تمارس العنف والإرهاب ولا تسعى إلى تجفيف منابعها بشكل يضع حدا لتفشى هذه الظاهرة. وسوف تتناول رسالة العلاقات الثنائية أهمية استمرار الحوار الاستراتيجى بين البلدين، والذى تم استئنافه منذ أغسطس 2015 على مستوى وزيرى الخارجية لأول مرة منذ عام 2009، وهو ما يعكس بدايات مهمة على صعيد تطوير العلاقات السياسية والاقتصادية والعسكرية بين البلدين. وهنا سيطرح الرئيس من خلال رؤيته زيادة حجم التدفقات الاستثمارية الأمريكية فى ضوء برنامج الإصلاحات الاقتصادية الذى تنفذه مصر حاليا، بعد توقيع اتفاقها مع صندوق النقد الدولى فى نوفمبر الماضى، بما يؤدى إلى القضاء على المشاكل الهيكلية التى عانى منها الاقتصاد المصرى طيلة العقود الماضية، مع توفير البيئة الآمنة لجذب الاستثمارات وذلك من خلال التعديلات التشريعية والإجرائية. الرسالة الثانية وهى تتعلق بالوضع على الساحة الفلسطينية، وسبل إنهاء الصراع العربى الإسرائيلى، وبالقطع ستكون رسالة الرئيس السيسى إلى نظيره الأمريكى هى حصيلة المناقشات التى شهدتها القمة العربية الأخيرة فيما يتعلق بهذا الملف، وأيضا المباحثات التى أجراها الرئيس السيسى مؤخرًا فى القاهرة مع الرئيس الفلسطينى محمود عباس، ويمكن التركيز فى هذا الإطار على عدد من النقاط: أن الجانب العربى يرى أن الوقت قد حان للتوصل إلى حل عاجل وسريع للأوضاع على الساحة الفلسطينية بما يفضى إلى حل «الدولتين» شريطة أن تتمتع الدولة الفلسطينية بالاستقلال الكامل علي الأراضى التى احتلت في عام 1967 وعاصمتها القدسالشرقية. ضرورة الوقف السريع لبناء المستوطنات الإسرائيلية فى هذه الأراضى، وإيجاد حل جذرى لتفكيك المستوطنات التى تمت إقامتها على الأراضى الفلسطينية المحتلة. ضرورة الدعوة إلى عقد لقاء دولى يقضى فى النهاية إلى توافق الأطراف المعنية على حل ينهى هذا الصراع فى المنطقة، ويضع حدًا للانتهاكات الإسرائيلية التى تمارس ضد الشعب الفلسطينى. ومن المؤكد أن الرئيس عبدالفتاح السيسى سوف يبلغ نظيره الأمريكى بخطورة نقل السفارة الأمريكية إلى القدسالمحتلة وخطورة ذلك على الأوضاع في المنطقة بأسرها. الرسالة الثالثة وهى المتعلقة بالأوضاع فى عدد من البلدان العربية فى مقدمتها سوريا، حيث سوف يؤكد الرئيس السيسى على دعم مصر للموقف الأمريكى من سوريا ونظام حكم الرئيس بشار الأسد، وهو الموقف الذى أكدته مصر فى أكثر من مناسبة سابقة بما يفضى إلى وحدة الأرض والشعب، ورفض التدخل فى الشأن السورى والتأكيد على أن مصير الرئيس الأسد يحدده الشعب السورى وحده وليس أحد آخر. وهنا يجدر الذكر أن مندوبة أمريكا لدى الأممالمتحدة «نيكى هيلى» كانت قد أكدت مؤخرًا أن سياسة بلادها فى سوريا لم تعد تركز على إزاحة الرئيس بشار الأسد، وقالت «إن أولوياتنا هى كيفية انجاز الأمور، ومن نحتاج للعمل معه لإحداث تغيير حقيقى للناس فى سوريا، ولا يمكننا بالضرورة التركيز على الأسد بالطريقة التى فعلتها الإدارة السابقة». وأيضا تصريح وزير الخارجية الأمريكية «ريكس تيلرسون» والذى أطلقه مؤخرًا وأكد فيه «أن مصير الأسد سوف يحدده الشعب السورى وحده». ولا شك أن هذا الموقف الأمريكى الجديد يتوافق مع الموقف المصرى المعلن مسبقا، وهو ما يعنى أن الاتفاق على أسس وآليات الحل السلمى للأزمة السورية سيكون قاسمًا مشتركًا بين الطرفين، وتلك هى المرة الأولى التى يتوافق فيها الطرفان حول هذه القضية منذ اندلاع حركات التمرد الإرهابية على الأرض السورية فى عام 2011. ولن تكون الأزمة السورية وحدها على مائدة البحث بين الطرفين، بل إن الرئيس السيسى سوف يطلب من نظيره الأمريكى ضرورة دعم الشرعية فى ليبيا والممثلة فى مجلس النواب والحكومة التى وافق عليها، كما سيطالب بإلغاء الحظر المفروض على توريد الأسلحة إلى الجيش الليبى، واتخاذ موقف مشترك لوضع حد لتفشى ظاهرة الإرهاب على الأرض الليبية والقضاء على الميليشيات المسلحة الخارجة على القانون والتى تهدد وحدة الأرض والشعب فى ليبيا ورسالة الرئيس فى هذا الإطار لن تخلو من الحديث عن الملفين العراقى واليمنى، والتدخلات الخارجية فى هذين البلدين تحديدًا بما يؤدى إلى عودة الأوضاع إلى استقرارها ووقف نزيف الدم على أرضهما. إن كافة الخبراء والمحللين توافقوا على أهمية الزيارة وإنها ستكون نقطة تحول هامة فى مسار العلاقات المصرية الأمريكية وأسس التنسيق بين البلدين فيما يتعلق ببعض القضايا الإقليمية والدولية وعلي رأسها قضية الإرهاب. إن التباين فى وجهات النظر إزاء بعض القضايا، لن يعوق هذه الانطلاقة، التى ستتضح أبعادها فى نهاية هذه المباحثات، فى زيارة هى الأهم منذ عقود طويلة مضت.