كتاب (العقد النفسية التى تحكم الشرق الأوسط 1958)، هو أول كتاب للأستاذ الأسطورة محمد حسنين هيكل فى عصر الرئيس جمال عبد الناصر، وثانى كتاب للكاتب العظيم. هو من القطع الصغير ضمن 168 صفحة. الكتاب عبارة عن عدة مقالات هامة، يعرض فيها هيكل أهم وأخطر الأحداث التى حدثت فى الشرق الأوسط بكامله، كذلك المشكلات والمؤامرات التى خلفت كثيرا من العقد التى تحكم المنطقة، كما عرض المؤلف مدى خطورة عدم حل مشاكل الشرق، وتجنبها بل التمادى فى إهمالها إلى أن أصبحت مشاكل بل مصائب عظمى، يقول الأستاذ هيكل: إن المشاكل التى وقعت فى الشرق الأوسط الأحلاف والمشروعات والمناورات والمؤمرات، تركت وراءها آثارًا ورواسب تراكمت فوق بعضها البعض، وتفاعلت مع العوامل البشرية فى أعماق نفوس الرجال الذين يصنعون الحوادث فى الشرق الأوسط، أو يصنعونها للشرق الأوسط، وكانت نتيجة هذا التفاعل ذلك الذى نراه ونشعر به فى المنطقة اليوم، أو بعبارة اكثر تحديدا، إن الشرق الأوسط الآن لا تحكمه المشاكل نفسها وإنما تحكمه العقد التى خلفتها المشاكل.. والآن.. كيف يمكن أن تحل هذه العقد كلها؟ العقد النفسية ضمن سلسلة العقد التى تحكم الشرق الأوسط وتسيطر على مقدراته، عقد عويصة حريصة معضلة مضنية متعبة كالتالي: لبنان أو عقدة الذنب - جون فوستر دالاس أو مجموعة عقد فى رجل - الولاياتالمتحدةالأمريكية أو مجموعة عقد فى سياسة دولة - عزل مصر أو جمعية ضحايا دالاس فى الشرق الأوسط - عقد الاضطهاد أو هرقل والعروش الهاشمية - عقدة أوديب أو بريطانيا التى كانت عظمى - عقدة الخوف أو دور روسيا فى هذه العقد. يقول هيكل: حيرتى فيها ليست إلى أين تتجه، فإنى أحس بالغريزة الغامضة باتجاهها، وإنما حيرتى الأصيلة فيها هى: من أين بدأت وكيف وصلت إلى هذه الكهوف المظلمة، والمغارات الرطبة التى تجرى فيها وتنط أشباح وعفاريت؟! وأريد أن أجد لى رفاقًا فى حيرتى؛ لذلك سأطلب من كل من يجد فى نفسه قدرة على الفحص والدرس أن يفحص ويدرس معى، وسأقول له كل ما عندى، من غير ترتيب، فإن الحوادث لم يكن فيها ترتيب، وربما من غير منطق، فإن المنطق على أى حال لم يكن القاعدة التى دارت هذه الحوادث حولها. ومدهش حقيقة أن يكون لرجل واحد، فى هذا الزمان الذى نعيش فيه، زمان البرلمانات، والحكومات الديمقراطية، والقيادات الجماعية، والمؤسسات ذات الفروع والغصون كأشجار البلوط الباسقة - أثر مفرد وحيد متميز على منطقة بأسرها كمنطقة الشرق الأوسط. ولكى أعطى الدليل على ما أقول لن ألتمس الوقائع فى تصرفاته من عندى ولا عن ذاكرتى، وإنما سأعود إلى كتاب عنه، باسمه، عنوانه: «جون فوستر دالاس» - كتبه صحفى أمريكى هو: «جون بيل» وهو صحفى يمثل جريدته فى وزارة الخارجية الأمريكية، وهو صديق دالاس الصدوق وأمينه وموضع سره، لدرجة أنه بين الصحفيين الأمريكيين الذين يترددون على وزارة الخارجية من يقول إن الكتاب فى الواقع كان من إملاء بطله «جون فوستر دالاس» وإن الرجل الذى وضع اسمه على الكتاب باعتباره مؤلفه، لم يكن له فى الحقيقة غير فضل النقل... نقل ما أملاه دالاس لكى يقرأه الناس، وهذا الكلام أيضًا ليس من عندى ولا من ذاكرتى وإنما كبريات الصحف الأمريكية هى التى نشرته! فى هذا الكتاب، يقول جون بيل، بلسان دالاس، أو لعل دالاس هو الذى يقول بقلم جون بيل، ما ملخصه ومؤداه: أن جون فوستر دالاس وزير خارجية الولاياتالمتحدةالأمريكية هو الذى اتخذ وحده القرار بسحب العرض الأمريكى بالمساهمة فى تمويل السد العالى. اتخذه وحده، على غير رأى سفارته الرسمية فى القاهرة، على غير رأى خبرائه فى الشرق الأوسط، على غير إستشارة مجلس الأمن القومى الأمريكى، بل على غير تشاور، مع دوايت أيزنهاور رئيس جمهورية الولاياتالمتحدة. وكان كل ما حدث أن دالاس اتصل تليفونيًا بأيزنهاور فى ظهر يوم الخميس 18 يوليه سنة 1956، وقال له إنه قرر أن يسحب العرض الأمريكى المقدم إلى مصر بالمساهمة فى مشروع السد العالى. وكان أيزنهاور فى إجازة.. وكان فى أوجستا وحولت إليه المكالمة من واشنطن فى نادى الجولف فى أوجستا، وإستدعوه من لعبة الجولف إلى تليفون وزير خارجيته، ووافق أيزنهاور على ما عرضه عليه وزير خارجيته، ولم تستغرق المكالمة أكثر من عشر دقائق، وشملت موضوعات أخرى، بحيث يمكن أن يقال أن السؤال والجواب والتعليقات فى موضوع السد العالى لم تستغرق أكثر من دقيقة أو دقيقتين فى محادثة الدقائق العشر. وفى الساعة السادسة بعد ظهر يوم الخميس نفسه، 18 يولية سنة 1956، سلم لنكولن هوايت، المتحدث الرسمى باسم وزارة الخارجية الأمريكية، قرار دالاس الشهير إلى الصحف، وفى نفس الدقيقة كان دالاس يسلمه بنفسه للدكتور أحمد حسين سفير مصر فى واشنطن، والأهوال التى ترتبت على قرار دالاس سحب عرض المساهمة فى تمويل السد العالى معروفة، ومع ذلك كانت تلك هى الطريقة التى اتخذ بها دالاس هذا القرار: وحده، بمفرده، على عكس رأى جميع مستشاريه، ولكن لماذا اتخذ دالاس هذا القرار؟ ومرة ثانية أعود إلى كتاب بيل عن لسان دالاس، أو كتاب دالاس بقلم بيل: كان دالاس فى إجازة قصيرة فى جزيرة صغيرة يملكها اسمها: دك أيلاند أى جزيرة البط، وكان ذلك فى الأسبوع الثانى من شهر يولية سنة 1956، وركب دالاس قاربه فى نزهة حول الجزيرة ومعه مجموعة من الصحف وصلته صباح يومها من العاصمة. وفى جزيرة أخرى لا يملكها دالاس، فى جزيرة جميلة تحتضنها وتحاصرها من كل ناحية أمواج الأدرياتيكى الدافئة كان هناك مؤتمر منعقد... مؤتمر بريونى الذى حضره تيتو ونهرو وجمال عبد الناصر، ورأى دالاس، فى الصحف التى وصلته حيث كان فى جزيرته صورًا للمؤتمر الذى انعقد فى الجزيرة الأخرى فى بريونى والذى اشترك فيه زعماء الحياد فى العالم وتضايق دالاس، وغضب، وثار. هذا هو مختصر كتاب العقد النفسية مستشار بالسلك الدبلوماسى الأوربى Diplomatic Counselor Sameh Al-Mashad