نادرا ماتجد هذا النموذج السحرى.. الطيبة والحرفة والذكاء والقدرة على اتخاذ القرار، نموذج رغم كل مواهبه قد يبدو فى مرحلة ما «ظاهريا» للجميع وربما لنفسه أيضا وكأنه من هؤلاء الذين تتعثر خطواتهم ، لكنه فى الحقيقة يتقدم بسرعة مدهشة.. يطور أدواته، ويمكنه فى اى لحظة أن يخرج كنوز معارفه ليدهش الآخرين، ويؤكد أن معاكسة التيار لا يمكن أن تقف حائلا أمام بزوغ قلم حقيقى. من وجهة نظرى، هذه هى ولاء عبد الله أبو ستيت، صاحبة أحدث الكتب المصرية التى انضمت إلى مكتبة الكونجرس الأمريكية «وديع فلسطين.. حارس بوابة الكبار الأخير» والصادر عن المجمع الثقافى المصرى، وعلى الرغم من أن هذا الكتاب هو ثانى كتاب «ولاء» فإننى لا أخفى مشاعر الغبطة التى انتابتنى عندما قرأت كتابها عن تلك الشخصية «الكنز» خاصة وهى تكتب من منطقة المعرفة الوثيقة والصداقة الممتدة، تكتب عن رجل عاصر أجيالا من المبدعين وكان على علاقة مباشرة بكثيرين، اختلف أو اتفق معهم لكنه فى كل الأحوال كانت لديه أمانة النقل، ودقة المعلومة، رجل عاصر ثورة يوليو وتم تهميشه بعد أن كان ملء السمع والبصر، صحفى ومصرى صميم، اختيار الرجل ليكون موضوع الكتاب كان موفقا، فالسير الذاتية التى تؤرخ لعصر وشخوص والمكتوبة بموضوعية وصدق، نادرة حقا، والشخصيات التى تستحق أن تخلد من الظلم ألا تذكرها الأجيال، والقلم الذى يكتب بروح المحب وحرارة الإيمان هو قلم نادر، وهى أمور تحققت فى كتاب ولاء عبد الله عن وديع فلسطين ذلك الرجل الذى كان يكتب افتتاحية جريدة المقطم التى أغلقت بعد ثورة 23 يوليو، والذى كان صديقا للصحفى الكبير محمد حسنين هيكل إلى أن فارق العمر بينهما لا يزيد على أسبوع واحد، إلا أن كلا منهما اتخذ مسارا مختلفا، كانت فكرة الكتاب تنمو كلما قرأت ولاء قصاصات مقالاته القديمة الدسمة التى كان يرسلها لها، ولا يمكن إغفال حسها الصحفى وهى تشعر أنها أمام تاريخ يمشى على قدمين، لكنه تاريخ ممزوج بتلك الإنسانية الجميلة التى قد نرى بها أنفسنا فى نفس موضع الآخرين، وهو ما تفصح عنه ولاء فى ذلك الوصف البديع فى المقدمة « تخيلت حالى بنفس مكان الرجل المتواضع حد الخضوع،رغم العقود الطويلة التى عاشها وتركت آثارا كبيرة فى ملامح وجهه. وهو يبدو لى كخريطة ممتلئة بالتضاريس، حتى فى مشيته المتأنية وظهره الذى أحناه الزمن، وجعله يسير متعكزا على لا شىء»، لقد كانت الكاتبة دائما من الصحفيات اللامعات اللاتى تنقلن من صحيفة إلى أخرى، فرغم البراعة فإن معايير أخرى مازالت تحكم بقاء الأصلح فى بعض الأماكن، لكنها تثبت من خلال كتابها الأخير، إن الموهبة والذكاء والطيبة والحرفة عناصر قادرة على صنع الفارق.. وقادرة على إنصاف أصحابها.