لعل ما أسفرت عنه القمة التى جمعت بين ترامب ونتنياهو فى واشنطن فى 15 فبراير الجارى هو الخضوع الأمريكى الكامل لكل مطالب إسرائيل إلى الحد الذى ظهرت معه إدارة ترامب غارقة فى أتون رؤية اليمين الاسرائيلى ازاء جوهر الصراع مع الفلسطينيين، وبالتالى فهى لا تقر بأن إسرائيل دولة احتلال، ولا ترى أن الأرض المحتلة تجسد مشكلة وكأنها أرض اسرائيلية وليست فلسطينية. ولهذا ظهر وزير التربية والتعليم الاسرائيلى ليقول بإن الفلسطينيين لديهم دولتان هما غزة والأردن. أما ترامب فظهر كعنصر طمأنة لاسرائيل بعد أن منحها صكا يتيح لها ضم الضفة إليها بعد أن يتم لها قضم مساحات من التجمعات والأراضى التى تقع خارج نطاق القدس الكبرى والأغوار. وهو ما يحقق الرغبة العارمة للكيان الصهيونى فى ضم الضفة مستغلا فى ذلك الانقسام الفلسطينى السياسى والجغرافى بين غزة والضفة بشكل يهيئ ضم الضفة لاسرائيل لتصبح الدولة الفلسطينية محصورة فى غزة فقط. وبذلك يكون ترامب قد شطب بجرة قلم امكانية قيام دولة فلسطينية مستقلة على كامل الضفة وغزة تكون عاصمتها القدسالشرقية. وكان وفد إسرائيلى ضم رئيس الموساد ونائب رئيس مجلس الأمن القومى قد قام بزيارة واشنطن والتقى بمسئوليها تمهيدا لزيارة نتنياهو، وهى الزيارة التى تحقق خلالها تأييد مواقف اليمين الاسرائيلى الرافض كلية لحل الصراع مع الفلسطينيين على أساس حل الدولتين. ومن ثم حاولت إسرائيل طمسه عمليا على أرض الواقع عبر تكثيف الاستيطان فى الضفة والقدسالمحتلة التى يطالب الكيان الصهيونى بها لتكون جزءا منه. ويجرى هذا رغم أن المجتمع الدولى لا يزال يطالب باعتماد حل الدولتين كأساس لتسوية الصراع مع الفلسطينيين. إلا أن اسرائيل تبدد هذا المطلب بنسفه على أرض الواقع من خلال مشروعاتها الاستيطانية. رغم أن اللجنة الرباعية للشرق الأوسط التى تضم أمريكا وروسيا والاتحاد الأوربى والأمم المتحدة كانت قد قدمت خريطة طريق تنص على إقامة دولة فلسطينية بحلول عام 2005 مقابل انهاء الانتفاضة وتجميد الاستيطان اليهودى. ولكن ذهب كل هذا أدراج الرياح. ورأينا نتنياهو يؤكد أنه اتفق مع ترامب على مواصلة بناء 5500 وحدة سكنية استيطانية جديدة فى القدسالمحتلة. نجح نتنياهو فى اقناع ترامب باستحالة تحقيق مبدأ حل الدولتين وتعذر تطبيقه عمليا. وظهر ترامب فى الصورة وكأنه غير مستعد لأى أفكار سياسية أخرى خلافا للرؤية الاسرائيلية، وهو ما يشير إلى غياب الموقف الأمريكى فيما يتعلق بالرؤية الشاملة للحل، بل يؤكد أن هذه الادارة لم تضع سياسة لها حتى الآن تراعى من خلالها الحيادية وعدم الانحياز إلى طرف دون الآخر حتى تتمكن من أن تكون الوسيط والراعى الأمين النزيه الشريف. وبالتالى يمكن القول بإن نتنياهو خرج ظافرا من لقائه بالرئيس الأمريكى الجديد دونالد ترامب. حيث تمكن من وضع نهاية لمشروع الدولة الفلسطينية. وكان رد فعل ترامب ضبابيا فى البداية عندما قال بإن الأمر متروك لأصحاب الشأن ليفعلوا ما يروق لهم. ولا شك بإن أصحاب الشأن هنا هى إسرائيل التى ترك لها المجال كى تحدد معالم الطريق الذى يتعين على أمريكا اتباعه. حصل نتنياهو على الصفقة التى عول عليها خلال زيارته لواشنطن بعد أن راهن على إدارة ترامب فى تنفيذ مطالبه. ولم يكن هذا بالأمر الغريب لا سيما بعد أن ظهر ترامب كدمية تحركها الصهيونية وتملى عليه كل ما يتخذه من قرارات.....