حينما قام المهندس الشريف إبراهيم محلب مستشار الرئيس للمشروعات القومية بجولة تفقدية لمواقع تعدين الذهب بمرسى علم وصحراء اسوان، لم يكن ليعلم هذا الرجل الدءوب انه على اعتاب كشف المستور والمسكوت عنه في منطقة عمياء عن رئاسة الجمهورية. ولم يكن يتخيل كل هذه العشوائية التى تحكم قطاع التعدين في مصر سواء من تلك القوانين البلهاء التى تحدد قواعد وشروط صندوق الاستثمار في تعدين الذهب الصادر عن هيئة الثروة المعدنية تحت قيادة السيد عمر طعيمة، وقد بدا أنه قدم وعودا واحلاما لأعضاء البرلمان حول هذه المنطقة التى تعوم على بحر من الذهب مما دفع السادة الاعضاء لتمرير قانون طعيمة الذى سبق ورفضوه. أقل ما يقال اننا أمام قانون «عبده آلايط» وكأنما العالم كله يقف على اعتاب التسول للتنقيب عن الذهب في مصر حتى نملى عليه شروطا عبر هذا القانون المجحف الطارد للاستثمار. أثناء جولة معالى المستشار النبيل اصطدم بمافيا الدهابة وهى جماعات من الشباب المصري العاطل عن العمل ينضم بين صفوفه جنسيات إفريقية تسللت إلى هذه المنطقة وفق قوانين وضعية تنظمها مافيا الهجرة غير الشرعية عبر الحدود السودانية جزء منها تمارس الاتجار في المخدرات والسلاح، وجزء آخر عابر للحدود المصرية للاتجار في البشر، والأخير ينضم لهؤلاء الدهابه الذين يسيطر عليهم مافيا كبار قبائل البدو. كل المطلوب من الدهابة استلام معدات وآلات بدائية للتنقيب واستخراج الذهب من الصخور بطريقة عشوائية وباستخدام مواد كيميائية خطيرة في جريمة دولية تهدد البيئة وتنسف كافة الاتفاقيات الدولية التى وقعت عليها مصر للحفاظ على البيئة . هذه المافيا التى تنسف صناعة تعدين الذهب في مصر ظهرت بقوة إبان امبراطورية الفوضى ل25 يناير 2011، وخضعت مساحات شاسعة هناك لولايتهم وأصبحت ثروات مصر من الذهب وليمة على موائد هذه المافيا تقتسم غنائمها. الثلث لهؤلاء البؤساء من الدهابه والثلث الثاني يذهب لحساب المعدات اما الثلث الأخير فيدخل جيوب الكبار في غياب الدولة. التي تحركت عام 2012 عبر شركة شلاتين للثروة المعدنية، في محاولة لاحتواء الموقف وانصهار هؤلاء الشباب ككوادر عاملة داخل منظومة قانونية في مشهد يذكرنا باحتواء شباب النكسة من الثوار الأطهار داخل مكتب فاخر وضع على يافطته الخارجية عبارة «ممنوع الاقتراب أو التصوير: بجوار مكتب عصام شرف رئيس وزراء يناير. وكان الأجدر بالدولة ان تلتفت في هذا التوقيت إلى خبرات هذا الصرح العملاق الذى وضع مصر على خريطة التعدين العالمية. هناك في مرسى علم حيث يقبع منجم السكري تحت ولاية شركة سنتامين الاسترالية المملوكة لعائلة مصرية يترأسها رجل الاعمال الجيولوجي سامي الراجحي. وحينما تنظم جماعة الإخوان الإرهابية حملة شرسة للنيل من هذه الصرح منذ فوضى يناير فأعلم انك أمام حالة فريدة في الاقتصاد المصري، فالاحصائيات حتى ديسمبر 2016 تسجل حجم انتاج للسكري تجاوز ما انتجته مصر من الذهب منذ عام 50 ق.م، وحتى العام 2010 الذى شهد انتاج أول سبيكة ذهب من السكري لتصل اجمالى التكلفة الاستثمارية و المبيعات نهاية 2016 قيمة 4.1 مليار دولار كإضافة للناتج القومى لاقتصاد مصر. ويبلغ نصيب الخزانة العامة للدولة من الأرباح حوالى 200 مليون دولار سنويا بعد ان استردت الشركة تكاليفها الاستثمارية. السيد المهندس إبراهيم محلب: الصين التى تحتل المرتبة الأولي عالميًا في صناعة تعدين الذهب أسست عبر الحزام الاقتصادي وطريق الحرير صندوق استثمار الذهب، بقيمة استثمارات بلغت 16 مليار دولار تقوم من خلاله شركات التعدين الصينية بدعم مشاريع تعدين الذهب على طول المسار لهذا الطريق التي انضمت له مصر، بفلسفة زيادة المخزون الاستراتيجي للذهب المملوك لهذه الدول كغطاء للعملة المحلية في خطوة ضرورية لدعم الاستقرار النقدي لهذه الدول وانعكاسه على جذب الاستثمار الأجنبي المباشر، ومن ناحية أخرى التحرر من هيمنة الدولار الأمريكي عبر التسوية بالعملات المحلية. 11 مايو 2015 كان اليوم الذى شهد أول اتفاقية أبرمها هذا الصندوق بين الرئيسين بوتين- شي، حينما وقعت مجموعة الذهب الوطنية الصينية، ومجموعة تعدين الذهب بوليوس الروسية وهى من كبرى 10 شركات للتعدين في العالم، اتفاقية تنص على استخراج الذهب من منجم ناتالكا الروسي وهو أكبر منجم للذهب في روسيا. وتسعى الصين للدخول بقوة عبر صندوق استثمار الذهب إلى دول آسيا الوسطى التى تمتلك مخزونا هائلا من الذهب غير المستغل، فهل يمكن ان تصبح مرسى علم قبلة هذه الشركات قريبًا أم سنظل نفرض شروطنا عبر مزايدات عالمية تبدو انها حافية على جسرًا من الذهب منذ العام 2007؟. - كاتب جيو سياسي