«الخائفون لا يصنعون الحرية . والمترددون لن تقوى أيديهم المرتعشة على البناء» كانت هذه من كلماته المأثورة . فهو جزء من التاريخ . ليس فقط تاريخ مصر بل تاريخ العالم . إنه ممن حددوا الاتجاهات في مصائر دول وشعوب. قدم الى الدنيا ثائرا ضد الظلم . أدرك ما عليه فعله فاختار أن يكون ضابطا لتكون الوسيلة للوصول إلى الغاية السامية وهى تحرير الوطن من الاحتلال وعبودية الملكية . .. وبين مسيرته التعليمية والعملية حتى قيامه بالثورة ، قصة ثائر ومعلم يتحلى بمشاعر إنسانية راقية توّجت كل مواقفه . التى سألقي علي بعضها الضوء في ذكرى ميلاده . ربما نبتت بذور الثورة بداخله وهو ابن العاشرة عندما رأى سيارة جيب تدهس طفلة مصرية ولم يتحرك أحد لملاحقة سائقها الانجليزي. فكان ضمن دوافعه للإلتحاق بالكلية الحربية . وبعد تخرجه كان ضمن مجموعة «منقباد» التى فكرت في الثورة و منهم من تذكّر حادثة «دنشواي» مرددا موّالا حزينا : نزلوا على دنشواي . لا خلوا جدع ولا أخوه .. . اللي انشنق مات . واللي انجلد جلدوه ... يوم شنْق «زهران» . كان صعب وقفاته. .. أمه فوق السطوح بتبكي عليه . واخواته.. وربما كان حادث 4 فبراير 1942 الذي أرغم فيه الانجليز الملك على تكليف «النحاس» بتشكيل وزارة من الموالين لهم . فشعر كل مصري بالمهانة والاذلال . وباشتراكه في حرب فلسطين 1948 التى تمت بأسلحة فاسدة أدرك عندها أن المعركة الحقيقية ليست في فلسطين بل تبدأ من القاهرة ضد الملك والانجليز . ولأن أحداث الثورة وملابساتها أصبحت معروفة للكثيرين فلن أخوض فيها . ودعونا نتعرض لبعض مواقف عبد الناصر الانسانية على سبيل المثال وليس الحصر . فقد رفض أن يسكن في أحد القصور الملكية واختار منزلا متواضعا كان يستقبل فيه الملوك والرؤساء .. رفض ان ينتقل والده لوظيفة أخري أو أن يعمل بالتجارة ... اضطر أن يلحق ابنته «منى» بالجامعة الأمريكية بمصروفات لأن مجموعها لم يمكنها من دخول جامعة حكومية ... كما التحق ابنه « عبد الحميد « بالكلية البحرية لأن مجموعه أيضا لم يؤهله للكلية الحربية .. وبالمناسبة، حين نقلت الكلية البحرية إلى بنغازي. وأرادت أمه زيارته بطائرة رفض في البداية لكنه قبل بشرط أن يسافر معها أمهات كل الطلبة بالكلية . لم يقبل أن تهدى ابنته « هدى « مكتبا خشبيا لاحدى صديقاتها وطلب أن تشتري لها من مصروفها وأفهمها أن المكتب « عهدة «ملكا» للدولة .. أما الحادث الغريب يتجسد فيما ذكره السائق الخاص عندما كان ينتظره ذات يوم في الاستقبال وحدث أن تطاول أحد أبناء «جمال» وكانوا أطفالا .. فشتم السائق بأبيه وعندما علم الرئيس بذلك طلب من السائق أن يضرب طفله (بالقلم) ويرد عليه شتمته بأبيه أيضا . أما عن كرمه فقد كان لا يتناول إفطاره قبل أن يتأكد أن أفراد حراسة المنزل قد تناولوا فطورهم .. وحكى لي صديقي الفنان الراحل «حمدي أحمد» أنه كان ضمن طاقم «الخدمة» على منزل الرئيس ومعه اثنان أحدهما المرحوم «صلاح السقا» وبينما هم في الصباح بعد انتهاء الخدمة يضحكون تمنى أحدهم أن يكون الفطور كذا وتمنى الثاني صنفا آخر . وبعد ثلث ساعة فوجئوا ب«جمال» أمامهم مرتديا بيجامة ويحمل بيديه صينية عليها كل ما ذكروه من أطعمة إذ كان قد سمعهم وهو في شرفة البيت دون أن ينتبهوا لوجوده . رحم الله جمال عبد الناصر ..