اندلعت الثورة الإسلامية في إيران عام 1979 في نفس العام الذي تولى فيه صدام حسين رئاسة الجمهورية العراقية. كان حزب الدعوة الإسلامية قد تأسس في العام 1957 بدعم من الخلايا الإسلامية النائمة بطهران تحت الحكم البهلوي العلماني، كتنظيم عراقي سري تحت قيادة المرجع الشيعي محمد باقر الصدر في النجف، وسرعان ما انتشر الحزب في شوارع بغداد بمظاهرات حاشدة تُعلن مبايعة الخميني كإمام للمسلمين في العراق والعالم الإسلامي. وقد أرسل للصدر يحثه بصفته قائد الثورة الإسلامية الجديدة في العراق. اعتبرالرئيس العراقي الحدث امتدادا للثورة الإيرانية، فأصدر تعليماته باعتقال قيادات حزب الدعوة بقيادة الصدر الذي تم إعدامه عام 1980 بتهمة قلب نظام الحكم، وتم الإفراج عن باقي أعضاء الحزب. ومن بينهم نوري المالكي الذي قرر ورفاقه تكوين نواة للمعارضة المسلحة من الخارج في إيرانوسوريا. بقيادة المالكي نفسه الذي ذهب من سوريا إلى إيران لتأسيس معسكر تدريب عسكري بمدينة الأهواز سُمي «معسكر الشهيد الصدر»، ويؤكد العميد وليد الراوي مدير مكتب وزير الدفاع العراقي قبل الغزو الأمريكي عام 2003، أن عدد مَن تخرج من هذا المعسكر قد وصل إلى 7000 مقاتل. كان صدام حسين يُدرك طموحات إيران في تصدير ثورتها الإسلامية للعراق، ومن ثمة لدول الخليج وباقي المعمورة، فإيران تسير على خارطة الدولة الفاطمية القديمة وها هى تقف على أعتاب الدولة البويهية بالعراق مجددًا .اندلعت حرب الثماني سنوات بين العراقوإيران في 22 سبتمبر 1980،انحاز فيها حزب الدعوة العراقي لصفوف الجيش الإيراني ضد وطنه. ساقت نتائج حرب الخليج الأولى مبررات حرب الخليج الثانية. إذ خرج العراق من الحرب مدانًا بمبلغ 14 مليار دولار قيمة المساعدات الاقتصادية المُقدمة من الكويت والسعودية. تطلع صدام آنذاك إلى استجابة الخليج لمطلبه بتخفيض حصصهما من إنتاج النفط داخل منظمة الأوبك حتى ترتفع أسعار النفط من 18 إلى 25 دولارا للبرميل ليتمكن من السداد. خصوصا أنه رأى في حرب الثماني سنوات الدفاع عن البوابة الشرقية للوطن العربي من الأطماع الفارسية وكان يأمل في إسقاط ديون العراق. لكن الضربة هذه المرة جاءته من الأشقاء بزيادة حصتها داخل الأوبك، ما أدى إلى هبوط حاد في سعر برميل النفط عالميا إلى 10 دولارات للبرميل، الأمر الذي كلف صدام الكثير في توقيت كان يحاول استعادة اقتصاده المنهار. أسفرت حرب الخليج الثانية عن تدمير البنية التحتية للعراق وبنهاية الحرب بدأ تمهيد الأرض لربيع واشنطن. إذ فرضت أمريكا عُزلة خانقة على العراق بعقوبات اقتصادية استمرت طيلة 13 عامًا، كما فرضت منطقة حظر جوي على شمال وجنوب العراق أدت في نهاية المطاف إلى تطويق الجيش العراقي في الوسط، بعد أن حظي ثوار الأكراد بإقليم كردستان العراق في الشمال، ونجحت إيران في محاصرة الجنوب العراقي بميليشيات مسلحة شيعية تابعة لولاية الفقيه سهلت دخول الجيش الأمريكي العاصمة بغداد عام2003، وبعد أن دق صدام حسين احد ضباع المخابرات الأمريكية التي دبرت حادث اغتيال الرئيس العراقي السابق عبد الكريم قاسم، المسمار الأخير في نعشه حينما اصدر قراره التاريخي عام 2000 باستعمال عملة اليورو لشراء النفط العراقي، وهو ما يعني تحدي النظام العالمي الجديد، واستهداف مباشر لمائدة المال العالمية التي يديرها بارونات آل روتشيلد. شكلت الإدارة الأمريكية مجلسا رئاسيًا بقيادة بول بريمر كحاكم عسكري على العراق، الذي شكل بدوره لجنة منبثقة عن المجلس سُميت بهيئة اجتثاث البعث لتفكيك الجيش العراقي بإشراف نور المالكي المندوب السامي الإيراني ، الذي كان قد عاد لتوه إلى العراق مع زملائه من حزب الدعوة الإسلامية، بعد قرابة ال 20 عاما قضوها في الخارج، جاءوا على ظهر الدبابات الأمريكية مُحملين بمطامع الصفويين الجدد في العراق. رحل بريمر وعُين إبراهيم الجعفري (وزير الخارجية الحالى) أحد أهم أبرز قيادات الحزب كأول رئيس للوزراء عام 2005، لتشهد العراق بدايات الحكم الطائفي الذى قاد العراق إلى حرب أهلية بقدوم نوري المالكي، الخادم المطيع لإيران في 22 إبريل عام 2006، بمساعدة الداهية زلماي خليل زاد، مبعوث بوش الأبن في بغداد وأحد أهم أركان اليمين المتطرف في الإدارة الأمريكية آنذاك، والمشارك الرئيسي بوضع خطط واستراتيجيات الحرب على العراق واحتلاله. كانت أولى كلمات المالكي في احتفالية تتويجه: «إنني شيعي أولًا ثم عراقي ثانيًا». وقد ترجم هذه العبارة خلال كلمة متلفزة له قائلًا: (إن الذين قتلوا الحسين لم ينتهوا بعد فها هم اليوم موجودون. والحسين بلون آخر لا يزال موجودا أيضًا، هو الذي يُستهدف من قبل هؤلاء الطغاة. إذن أنصار يزيد وأنصار الحسين مرة أخرى وعلى طول الخط يصطدمان في مواجهة شرسة عنيدة ). وهكذا استحضر المالكي روح الفارسية البغيضة من مخزونة الذهني المتطرف، ومرة أخرى يُعيد المالكي ألاعيب الفرس المجوس عبدة النار حينما دخلوا الإسلام مجبرين ليشعلوا نار الفتن والضغائن في الجسد الإسلامي انتقاما من العرق العربي الذي أسقط إمبراطوريتهم وحولهم من أسياد وملوك إلى عبيد وموالٍ، فالاختراق الاستراتيجي للعراق لم يبدأ مع الغزو الأمريكي ، بل سعى الصبر الاستراتيجي لإيران إلى ذلك منذ تأسيس حزب الدعوة الإسلامية عام 1957 كحركة شيعية سرية تخترق المجتمع العراقي، وجدت لها جذورًا عبر مرجعيات شيعية عراقية. وما أشرنا له سابقًا حول عناصر الحزب التي تم تجنيدها وتدريبها عسكريًا داخل معسكر الشهيد الصدر في مدينة الأهواز الإيرانية عام 1980، قد شكل بمضي الزمن قاعدة معارضة عريضة لنظام حزب البعث العراقي، وهؤلاء كانوا عملاء إيران التي دفعت بهم لاحتلال العراق بالقوة الناعمة، يقول عنهم ستراون ستيفنسون، رئيس لجنة العراق في البرلمان الأوربي الأسبق: «32 ألف موظف عراقي - إيراني قامت هيئة الحرس الثوري الإيراني بتمويلهم، ثم أرسلتهم إلى العراق بعد سقوط صدام ليشغلوا مراكز حساسة في العراق». وعرض ستيفنسون قائمة تحتوي على 400 اسم من هؤلاء بعضهم يعملون في مكتب رئيس الوزراء نوري المالكي آنذاك، وآخرون يعملون في مناصب عليا حكومية. ويشير ستيفنسون إلى بعض من هذه الأسماء كان منها هادي العامري قائد فيلق بدر، وراتبه الشهري من إيران. (العامري احد قيادات الحشد الشعبي الذى يقاتل اليوم تحت راية الحرب على داعش لإبادة عشائر السنة بالمحافظات السنية). وهكذا يستعيد الفرس مناطق نفوذهم بالقوة الناعمة، فالرواية واحدة عبر الزمان. خلق مجموعات تمرد ثائرة تضرب المجتمعات من الداخل، يتم دعمها بالمال والسلاح، وحينما تنهار الدول يتم الاستيلاء على الحكم. فتواطؤ بني الفرس حاضر في كل زمان ومكان،تمهيد الأرض وفتح الجبهات الداخلية لقدوم المستعمر والتحالف معه. والتاريخ قد سجل عليهم تواطؤهم مع غزاة المغول ضد العرب لإسقاط الدولة العباسية، مرورا بالتحالف مع البرتغاليين والاسبان ثم الإنجليز للقضاء على الدولة العثمانية، واليوم يطل علينا المهدي المنتظر من سرداب الأمريكان. ولليمن حديث آخر. كاتب جيوسياسي