ثلاث رسائل هامة يبعث بها السيسي من منصة «الشباب»!! شاركت أول أمس في المؤتمر الوطني للشباب، الذي عقد في القاهرة بحضور الرئيس وكبار المسئولين وألف من الشباب المشاركين الذين يمثلون كافة المحافظات والقطاعات المعنية. استمر المؤتمر من العاشرة صباحًا، وحتي وقت متأخر من المساء، أصر الرئيس علي حضور كافة المناقشات والجلسات، وكان يسعي بين الحين والآخر إلي طلب المداخلة، للاعتراض علي طريقة عرض بعض الوزراء، أو للإدلاء بآراء تكشف الوجه الآخر للقرارات التي تم اتخاذها، أو التحديات التي لا يزال الوطن يواجهها. ووفقًا للبرنامج الذي أعده المكتب الإعلامي برئاسة الجمهورية، فقد اشتمل جدول الأعمال علي عدد من القضايا الهامة التي تحظي باهتمام واسع في الشارع المصري، وفتح الباب واسعًا للنقاش حولها سواء في الطرح أو التساؤلات. غير أن الخطاب الختامي للرئيس السيسي في ختام هذا المؤتمر كان بمثابة رسالة تعدت إطار مخاطبة الشباب أو الشارع المصري إلي الرأي العام العربي والدولي، لما تضمنه من شمولية وصراحة ووضوح، وتأكيد علي الثوابت، بالرغم من المتغيرات الإقليمية والدولية التي سيكون لها بالقطع تأثيرها علي الأوضاع المصرية. كانت رسالة الرئيس للداخل المصري، تؤكد أنه يدرك حجم تأثير القرارات الاقتصادية الأخيرة علي الطبقتين المتوسطة والفقيرة، غير أنه، وبعد أن استمع ومعه الحاضرون إلي لغة الأرقام وتحليل خطورة الأزمة، طالب الحكومة بضرورة اتخاذ مجموعة من إجراءات الحكاية الاجتماعية بالتوازي مع إجراءات الإصلاح الاقتصادي، بحيث تضمن تخفيف حجم الآثار المجتمعية السلبية التي قد تعاني منها الطبقات الأكثر تعرضًا لمخاطر الإصلاح من الطبقتين الفقيرة والمتوسطة كما قال. ومن هنا فإن الرئيس أراد أن يبعث بالرسالتين مترافقتين: لقد أكد في البداية أن مصر تواجه تحديات ضخمة نتجت عن مسببات عديدة، تراكمت علي مدي عقود وأدت إلي ارتفاع حجم الدين العام وزيادة عجز الموازنة العامة، وانخفاض الناتج القومي، وتراجع حجم الصادرات إلي الخارج، وانكماش قاعدة الإنتاج الزراعي والصناعي والقطاع السياحي، مما يؤكد أنه لم يكن لدينا خيار آخر، لانقاذ ما يمكن إنقاذه. ومن هنا كانت الجرأة في اتخاذ القرارات الاقتصادية، رغم خطورتها وتداعياتها، لكن الرئيس كان واضحًا، عندما قال: «إنه رفض نصيحة البعض بتأجيل هذه الإصلاحات إلي ما بعد 11/11»، مؤكدًا أنه يراهن علي الشعب العظيم وتفهمه لطبيعة التحديات التي تواجه بلاده ومن هنا كسب الرئيس الرهان؛ لأنه كما يقال «يعرف طبيعة هذا الشعب جيدًا». لقد توقفت كثيرًا أمام مقولة الرئيس في هذا المؤتمر «لم أكن يومًا أسعي إلي حصاد شعبية أو الحصول علي تقدير بقدر ما كان شاغلي وهمي الأول هو أن نقتحم مشكلاتنا المتراكمة وحلها بما يمليه علينا الواقع والضمير». لقد أراد الرئيس أن يقول، وهو مقبل بعد أشهر قليلة علي انتخابات رئاسية جديدة «إنه لا يريد أن يحقق مكسبًا شخصيًا علي حساب مصلحة الدولة والجماهير، وأنه قرر أن يواجه الأزمة رغم آلامها وخطورتها، غير أنه لم يكن أمامه خيار آخر، وهو ما عبر عنه بالقول: «إن المواجهة كانت حتمية، تفرضها علينا المسئولية السياسية والضمير الوطني والتجرد من أي اعتبارات إلا اعتبار الصالح العام ومستقبل أبناء هذا الوطن»!! الأمر الثاني أن الرئيس يدرك مدي تأثيرات هذه الإصلاحات وتداعياتها علي الفئات الاجتماعية الدنيا وأيضًا علي الطبقة المتوسطة، غير أنه ألقي بالكرة في ملعب الحكومة، وطالبها بضرورة اتخاذ مجموعة من إجراءات الحماية الاجتماعية، وهو ما يستدعي من الحكومة والبرلمان علي السواء، الاسراع باتخاذ هذه الإجراءات حماية لهذه الطبقات التي تزايدت معاناتها بفعل هذه الإجراءات. وإذا كان الرئيس تعمد مصارحة فئات الشعب بالواقع الاقتصادي سواء في خطابه أو مداخلاته أو في حديث المسئولين والخبراء الذين تناولوا الأزمة، فإنه أيضًا تحدث عن البيئة المحيطة بهذه الأزمة وتداعياتها، وحددها علي الوجه الآتي: فساد يحاول عرقلة كل جهود التنمية والتطوير. وجماعات إرهابية طلابية تسعي إلي إفساد وخراب الوطن وترتبط ماديًا بقوي خارجة تسعي لبث العنف والفوضي داخليًا وإقليميًا. إن تفشي الفساد في البلاد، لم يكن فعلاً طارئًا، أو جديدًا، بل هو تراكم عقود طويلة من الزمن، حيث أضحي الفساد ثقافة لدي الكثيرين، وهذا الفساد وليس مقصورًا كما قال الرئيس أكثر من مرة علي القضايا التي تضبطها الأجهزة الرقابية، بل يبدأ من الإهمال في العمل، وعرقلة الخطط، ودخول الواسطة والمحسوبية في حياتنا المهنية والاقتصادية والاجتماعية. صحيح أن الأجهزة الرقابية وتحديدًا الرقابة الإدارية، لعبت وتلعب دورًا هامًا في مطاردة الفاسدين مهما علت مناصبهم ومواقعهم، وتقديمهم للعدالة، غير أن «غول الفساد» يحتاج كما قال الرئيس إلي توسيع نطاق الاعتماد علي التكنولوجيا الحديثة، وتطوير المنظومة التشريعية والقانونية، وهي رسالة موجهة إلي الحكومة والبرلمان علي السواء. كانت القضية الثالثة والمحورية، متعلقة بدور مصر العربي والإقليمي، في هذا الإطار كانت كلمات الرئيس واضحة عندما شدد علي أن مصر ستظل تؤدي دورها التاريخي تجاه أشقائها العرب، مؤمنة بأن الأمن العربي جزء لا يتجزأ من الأمن القومي المصري، في إطار من الشراكة الاستراتيجية والاحترام المتبادل. لقد حازت هذه الكلمات تحديدًا التي تضمنها خطاب الرئيس علي اهتمام واسع لدي كافة الدوائر السياسية والإعلامية؛ لأنها تتضمن رسالة واضحة، أنه مهما كان هناك خلاف في وجهات النظر، بين مصر وأي من أشقائها حول أزمات المنطقة، فإن قضية الأمن القومي العربي، هي واحدة من أهم ثوابت السياسة المصرية، وأن التأكيد عليها في هذا الخطاب رغم الظروف الراهنة، إنما هو إيمان حقيقي بوحدة مصير هذه الأمة، خاصة أنها واجهت ولا تزال تواجه تحديات ومؤامرات خطيرة من الداخل والخارج، وهو أمر يقطع الطريق علي الذين يراهنون بأن وجود تباين في وجهات النظر بين مصر وبعض أشقائها في ملفات الأزمات العربية، يمكن أن يقود إلي انكفاء مصري داخلي، أو تراجع في مفهوم مصر للأمن القومي، بيد أن الرئيس حسم هذا الأمر مجددًا، وهو ما يعني أن مصر تمد يدها لأشقائها جميعًا واضعة المصلحة العامة للأمة فوق كل اعتبارات. لقد كانت كلمات الرئيس السيسي التي جسدها في خطابه الهام أمام مؤتمر الشباب، هي رسائل أراد أن يبعث بها مجددًا إلي الداخل والخارج، وهو أمر لا يبعث الأمل في النفوس فحسب، بل يفتح الطريق أمام تفعيل تلك الرسائل داخليا وخارجيا، وهذا هو رهان المرحلة المقبلة.