إلى من هالهم.. اتهام ذاك النائب المصرى «أبوالمعاطى مصطفى» وللعجب انه دارس للقانون وحامل أعلى شهادة فيه الدكتوراه!! لأحد شوامخ الثقافة المصرية بل والإبداع العربى بعامة «نجيب محفوظ».. فقذفه بتهمة جاهزة التعليب فى زمن التحاريق هذا.. وهى للأسف الشديد مغلفة بالجهل والجهالة.. توجه للرموز ولا تستثنى القاصى والدانى فى مجال الثقافة والإبداع.. أو لمن لا يروق له الفن والمعرفة والرقى.. نعم.. انها «تهمة خدش الحياء».. قذف بها رمزنا الكبير «نجيب محفوظ» جزافًا كما يقولون فى القانون! أو كأنك ترمى المحصنات دون دليل يذكر.. ودون قراءة حقيقية لرواية ما من رواياته التى اقتربت من الخمسين رواية! وعندما سئل «أبوالمعاطى» عن اسم رواية قرأها لسيد الرواية العربية.. قال اسم رواية قد تنتسب إلى روائى كبير رحل عن عالمنا «فتحى غانم».. وقال بثقة تشبه ثقة الجاهل.. رواية «الجبل»!! إلى من هالهم هذا الفعل الشائه.. نقول لهم لا تحزنوا ولا تقنطوا وعليكم أن تنتبهوا وتقاوموا وتواجهوا.. وأن تفيقوا من سباتكم الطويل.. وتجتهدوا وتجاهدوا قبل أن تحاصرنا تلك العقول الباهتة، والألسنة النابية والمنفلتة والقلوب الحجرية المتكلسة.. وتستشرى فى حياتنا، وتقضى على الأخضر واليابس مثلها مثل الجراد الصحراوى الشرس! أو ليست هى ذاتها محصلة لثقافة صحراوية هبت علينا منذ عقود من بيئات صحراوية حاكمة!! وللأسف استوطنت حياتنا عششت فيها عبر أربعة عقود أو يزيد من الاستبداد والهوان والقهر! بعد أن استخدم الاسلام السياسى بعامة لتفزيع الغرب، ولتقزيم الشرق أيضًا! نعم انه التجريف الثقافى العام الذى نال من البشر والحجر.. وفساد الذمم والضمائر الذى ساد فى أروقة التعليم ومناهجه.. أتذكر سلسلة من المقالات الاستقصائية فى زمن المخلوع كتبها الأستاذ «فهمى هويدى» ليعرى فيها فسادًا مروعًا فى مجال التعليم.. وكيف أن هناك مكاتب ذكرها بالاسم لبيع شهادة الدكتوراه، وشهادة الماجستير بأثمان محددة وفى وقت زهيد.. ومغلفة ومهورة باسم صاحبها!! ثم رأينا فى وقتنا هذا كيف تم تسريب امتحانات شهادة الثانوية العامة على رؤوس الاشهاد! فقد صرنا نعانى ثقافة الغش، والجهل الواثق، فى المجالات كافة.. وإذا كان الغش فى السلعة الاستهلاكية يكلف المرء عملية غسيل معوى.. فإن الغش فى التعليم أو الثقافة صارت تكلفته باهظة ومركبة وتتطلب تضافر جهود شتى من وزارات بعينها من الأوقاف، والشباب، والاعلام، والتعليم، والثقافة وبتعاون تلك الوزارات يتم غسل الأدمغة المضادة إذا جازت التسمية حتى تستوعب كل ما هو جيد، ومفيد ومستنير.. وبالتالى تتشكل ثقافة محبة للحياة وللإنسان وللعلم والمستقبل.. ثقافة تحض على العمل والانتاج والاجتهاد.. ثقافة لا تتخاصم مع تراثنا النابض بالحياة والأمل كما يتبدى فى أعمال الرواد وفى مقدمتهم حامل نوبل «نجيب محفوظ» ولا أقول على رأسهم! وفى هذا السياق أسوق واقعتين الأولى خاصة بملحمة الحرافيش التى انتصرت للشعب المصرى.. بل إن من يعيد قراءتها.. سيشعر بأن نجيب محفوظ تنبأ مبكرًا بثورة «25 يناير و30 يونية» أو بمعنى آخر راهن على الشعب المصرى صانع المعجزات! وهذه الملحمة نهلت منها السينما المصرية.. وشاهدنا عددًا كبيرًا من الأفلام بقصص متعددة ورؤى فنية مختلفة.. حد أن شبهها بعض الدارسين بأفلام هوليوود التى يعتنى بالأكشن والإثارة كما شاهدناها فى أفلام رعاة البقر! وربما هذا حال السينما عندما تأخذ من الأدب.. فتارة تضيف له.. وتارات تنحون نحو الإثارة واللعب بالشكل على حساب المضمون.. وأخص بالذكر ثلاثية نجيب محفوظ والتى أخرجها حسن الإمام.. والذى دفع بذاك النائب أبوالمعاطى أن يصفها بخدش الحياء.. بعدما شاهد أفلام السكرية وبين القصرين ربما!! وقد سئل «نجيب محفوظ» عن هذه الأفلام المبكرة فى زمن عرضها.. عن رأيه فيها مقارنة بأدبه؟! فكان رده أنه يقبلها ولا يرى فيها غضاضة.. لا لشىء سوى أن السينما وسيلة لنشر أدبه على أوسع نطاق.. فبينما يحظى الكتاب بقراء محدودين لا يتجاوزون خانة الآلاف بأى حال من الأحوال.. فإن السينما تحظى بمشاهدة الملايين!! وربما فات أستاذنا الكبير.. أن مشاهدى هذه السينما.. سينجبون فى بيئتنا من هم على شاكلة «أبوالمعاطى» سواء فى قاعة مجلس الشعب عفوًا «النواب» أو فى أروقة حياتنا.. نصطدم بهم كل يوم.. ليتشددوا فى غير موضع.. ويتطرفوا فى الأحكام صغيرها قبل كبيرها! أما الواقعة الثانية.. فهى خاصة برأى د. محمد شعلان الطبيب النفسانى عندما فرق بين أدبى «نجيب محفوظ» و«د. يوسف إدريس».. فقال عن الأول.. إننى بعد قراءته أشعر بسلام نفسى عميق يغمر روحى.. أما الثانى فأشعر وكأن بركانًا من الغضب اندلع فى أعماقى.. ولعل د. يوسف إدريس. صاحب مقولة لابد وأن نتثقف يا ناس!! فأين هذا الكتاب وهذه العبارة من المخاطر التى تحيق بمعرض الكتاب وبهيئة الكتاب.. بعد أن أضناها توفير 7 ملايين جنيه إيجار مكان إقامة المعرض فى أرض المعارض؟! وإذا كان سوق الثقافة السنوى فى مصر مهددًا بالتوقف لقصر ذات اليد والآثار الوخيمة على الكتاب وآثاره من تعويم الجنيه.. والذى سيصير ثمنه كجمرة النار لا يستطيع الشباب وسواهم أن يقبض عليها.. فهل بعد ذلك سنتعجب من أن نضبط «أبوالمعاطى» آخر.. فى بقع مختلفة.. ومواقع ثقافية متنوعة.. فى حياتنا المعاصرة والحالية؟!!