افتتحت الدكتورة أمل الصبان، الأمين العام للمجلس الأعلي للثقافة والدكتور أنور مغيث، مدير المركز القومي للترجمة ملتقي القاهرة الدولى للترجمة بعنوان "الترجمة مشروعا للتمنية الثقافية" بقاعة المجلس ، والذي يستمر صباح غد الخميس الموافق 24 نوفمبر الجاري بالمركز القومى للترجمة ، بحضور كلا من الدكتور محمد حمدى إبراهيم مقرر لجنة الترجمة، والدكتور عبد السلام المسدى الذي ألقي كلمة المشاركين في الملتقي وشيخ المترجمين محمد عناني، تهاني الجبالي ، والدكتور صلاح فضل، وأشرف عامر رئيس الإدارة المركزية للشعب واللجان بالمجلس الدكتور حسين محمود ، الدكتور حسين حموده ، والدكتور طارق النعماني ، الدكتور خلف الميري، والدكتور سهير المصادفة، وكثير من المختصين والمترجمين المصريين والعرب. ومن جانبها قالت الصبان، إنه من بديهيات عصرنا أن الترجمة تعد عنصرا فاعلا وأصيلا في تطور العلوم والمعارف الإنسانية، وأنها تتناسب بطريقة طردية مع حركة التقدم لأي مجتمع، سواء في القديم أو الحديث، فالترجمة لا تقتصر علي العلوم الإنسانية البحتة من آداب وفنون وفلسفة وقانون، وإنما لتشمل أيضا مجالات العلوم البحتة النظرية والتطبيقية، لأن المعرفة شبكة حيوية تربط بين مجالات النشاط الإنساني علي اختلافها، وأكدت أن الترجمة هي وسيلة مهمة من وسائل اكتساب تلك المعرفة والتبادل الثقافي والحضاري بين الشعوب، ومثلت علي امتداد تاريخ الإنسانية جسرا للتبادل الثقافي النشط القائم علي الاستعادة والإثراء المتبادل بين الثقافات، كان له دوره المؤثر في النمو الثقافي لشعوب العالم، وكان لهذا التبادل دور مهم في تكوين التراكمات الثقافية التي شهدها تاريخ الثقافة الإنسانية وفي دفع مسيرة التقدم الثقافي. وأضافت الصبان، أن العرب أدركوا في نهضتهم الحضارية الأولي أن الترجمة رافد حيوي لتنمية وتفعيل جهودهم في مجالات الطب والهندسة والرياضيات والفلك والصيدلة والفلسفة والنقد والبلاغة أيضا، ونتيجة الترجمة أصبحت اللغة العربية قادرة علي إنتاج الجديد في كل مجالات المعرفة، كما أوضحت أن الترجمة هي عصب التفاعل بين الثقافات، وتطرقت الصبان أيضا لوظائف الترجمة وأدوارها ومنها الدور التكويني والأسلوبي والأدبي والتدريبي والقومي والمسكن والديمقراطي والتحديثي والثقافي والاستيرادي والانتقائي والتجديدي والتعليمي والعالمي . واختتمت حديثها قائلة، إن الترجمة تسهم في نشر المعلومات والمعارف والعقائد الدينية وغيرها، فالترجمة تتيح المرونة الفكرية اللازمة التي تمكننا من تكييف الأفكار لتتلاءم مع أنماط فكرية جديدة والتفكير في العلاقات مع اللغة والسلطة والأدب ومع الآخر. ووصف مغيث الترجمة بأنها ظاهرة وثيقة الصلة بوجود الإنسان وبالتنوع البشري ، وبأنها ستظل لها دورها الحيوي طالما ظل الإنسان محبا للاستطلاع، مضيفا أن الترجمة تشهد منعطفا تاريخيا يزداد مع الأيام أهمية. تلك الأهمية أضافت إلي مهامها مهام أخري جديدة وبذلك تحولت الترجمة إلي قضية مطروحة في تأملات الفلاسفة المعاصرين . وأكد علي أن العالم الآن يشهد موجات هجرة غير مسبوقة بسبب التفاوت الاقتصادي والحروب والصراعات علي مستوي الكوكب، كذلك النمو المتسارع في وسائل الاتصال مما جعل الترجمة تعيش ظرفا غير مسبوق لم تتحدد ملامحه بعد، لكنها دون شك استطاعت رغم كل ذلك عبر سنوات أن تسمح لأبناء كل ثقافة محلية بالاطلاع علي ما يدور حولهم في العالم لكي يعوا المسار الذي تسير فيه البشرية نحو مستقبلها ، وأشار إلي أنه قد تردد كثير من الشكوى بأن العولمة سوف تطيح بالثقافات المحلية لصالح ثقافة رأسمالية كبري مهمينة، وأن هذا الأمر سوف يؤدي إلي الإطاحة بالتنوع الثقافي للبشر، لذلك فالترجمة سلاح فعال لتفادي هذا المصير. وقال الدكتور حمدي إبراهيم، إن الترجمة هي الأساس الذي يبني عليه حضارة مزدهرة وثقافة عميقة فعالة، وأن الحضارة العربية الإسلامية شهدت حركة للترجمة قل أن يوجد نظير لها، ومن الغريب أن يكون هذا هو ماضينا ونعجز عن مضاهاته في أيامنا الحاضرة برغم التقدم الهائل الذي نحيا في ظله ونتمتع بثماره. وأشار إلي أن اليابان وفرنسا من البلدان التي تترجم كل كتاب يصدر في العالم فورا، ونحن الآن نطمح إلي أن يكون مستوي تقدمنا معادلا لمستوي دورنا الإقليمي، مؤكدا أن الثقافة حركة مجتمع وإنتاج دولة بشعبها وأفرادها، ولن تنهض ثقافة تركز فقط علي أجهزة الدولة، وليس صحيحا أن الدولة لا ترعي وتدعم الإنتاج الثقافي. وعن أهمية الترجمة تحدث الدكتور عبد السلام المسدي قائلا: إن الملتقي جاء لفتح سجل الترجمة ليس لكونها عبور للدلالات والمقاصد من لسان ألي لسان أخر، لكنها خيار اضطراري بين غربين من الترجمة التي أصبحت جسر العبور للتنمية الثقافية، مضيفا بأنه في مطلع الألفية الحالية انفجرت الأبراج واُحتلت أفغانستان ودِيست الأرض العربية بأحذية الغزاة وجاء التقرير الذي أصدرته الأممالمتحدة بأن ما ترجمه العرب منذ عهد الخليفة المأمون لايساوي ما تترجمه أسبانيا في عام واحد وظهر أن التخلف السياسي وليد التخلف المعرفي في الترجمة وبهذا تصبح الترجمة بحق ركناً أساسياً في التنمية الشاملة، فهي كما قال ليست ترفاً ولا بذخاً ، كما أكد المسدي علي ضرورة أن يهتم و يشارك صناع القرار في هذا الملتقي حتي يأتي بثماره التي ينتظرها الجميع ، فمشروع الترجمة كما وصفه يعد من المشاريع الكبري التي يجب أن تلقي كل الدعم والمساندة. واختتم كلمته بدور مصر الريادي الذي لا يمكن لأي دولة غيرها أن تقوم به ..فهي دائما ما تنهض بالمشاريع الرائدة ذات الصبغة العالمية والدولية مثل حوار الثقافات وجدلية الأنا والأخر وغيرها ... فليس سواها قادر علي أن يفعل ذلك، ومن هنا يأتي هذا المؤتمر في سياق خطة ثقافية قومية تميز بها المجلس الأعلى للثقافة، وهو صدي لخيارات سياسية كبري ركزت عليها جمهورية مصر العربية، وهذه المؤسسة أعنى المجلس الأعلى للثقافة، فقد أنجز طيلة العقود الثلاثة الماضية ما لم تستطع أية مؤسسة عربية أخري في تحقيقه وهو جمع شمل كل المثقفين العرب، وكان هذا صنيعها هذا شهادة تاريخية علي أن الثقافة العربية ثقافة متضامنة ، متوحدة ، حتى لو تشتت الخيارات السياسية في الوطن العربي، وتمنى أن يكون المؤتمر ركيزة قوية تسد ثغرات العالم العربي الثقافي المشترك والذي لم يُفلح حتى الآن في جمع شمل المثقفين العرب.