الحديث عن انفلات الأسعار، بات حديثًا لا يخلو منه أى لقاء، فمع تزايد معدلات الغلاء بشكل غير مسبوق، فرضت الحالة نفسها على أذهان السواد الأعظم من أبناء الشعب المصرى، الذين يدبرون بالكاد نفقاتهم المعيشية، فما بالك بفوارق مادية تفرضها قفزات جنونية لأسعار سلع ومستلزمات أساسية!! الغلاء طال كل شىء، لم تعد هناك سلعة رخيصة وفى متناول اليد، كل شئ تأثر بعوامل شتى، فمن ارتفاع سعر الدولار مقارنة بالجنية، إلى انخفاض قيمة العملة المحلية وزيادة معدلات التضخم، وتراجع معدلات الدخل القومي، كل ذلك أثَّر بالسلب على اسعار السلع ليست فقط المستوردة أو التى تُستورد موادها الاولية، وإنما أيضًا السلع محلية الصنع، ولنا فى الخضراوات والفاكهة التى ارتفعت أسعارها هى الأخرى بشكل مبالغ فيه خير مثال. الأمر بالطبع لم يتوقف عند حد السلع والمواد الغذائية ولكنه طال كل السلع والخدمات الأخرى، بداية من أسعار الأجهزة الكهربائية التى يفرض موزعوها زيادات جديدة كلما طرأ على مؤشر سعر الدولار تغيير، مرورًا بمصروفات المدارس الخاصة التى فرضت هى الأخرى رسومًا إضافية بالتحايل تارة وبفرض الأمر الواقع على أولياء أمور التلاميذ تارة أخرى، وصولًا إلى القطاع الطبى، حيث زادت أسعار الخدمات الطبية العامة، أما عن السعر الدواء فحدث ولا حرج، عن الزيادات غير المبررة بنسبة 20%على كل أصناف الدواء التى يقل سعرها عن 30 جنيهًا، ووقتها قيل ان الفوارق سيتم توجيهها لتوفير النواقص من أدوية الأمراض المزمنة، وهو مالم يحدث حتى الآن، ومازالت أزمة نقص الأدوية تراوح مكانها. قال لى أحد الأطباء إن استقبال أحد المستشفيات توقف عن قبول أى حالات مرضية بسبب نقص أنواع من الأدوية والمستلزمات تستخدم فى حالات الطوارئ، وإن مشكلة نقص المحاليل تعانيها كافة المستشفيات، وهو ما أعتبره مخيفًا وينذر بخطورة بالغة» كلام الطبيب عن نقص الأدوية ردده كثير ممن عايشوا تجربة رحلة البحث عن علبة دواء، الأمر الذى يفرض حتمية البحث عن المشكلة وتداعياتها وسبل حلها. المشكلة الأكبر فى قضية زيادة الأسعار، أن كل هذه الزيادات لابد أن تُواجَه بدخل متحرك، لكن ذلك لا يحدث بطبيعة الحال، فالمرتبات حتى فى الجهات الحكومية، تكاد تكون ثابتة، حتى وإن تحركت فالحركة بطبيعة الحال ضعيفة جدا، وهو ما يحدث أيضًا فى القطاع الخاص، الذى لم يكتفى بتخفيض عدد العاملين ضغطًا للنفقات، وإنما أيضًا بالتأخير فى صرف الرواتب. انفلات الأسعار بهذا الشكل يبرهن على أن الرقابة الحكومية فى سبات عميق، فلو ان ربع التصريحات التى يطلقها مسئولونا ليل نهار فى تبرير الازمات، نُفِّذت، لما كنا على هذه الحال، والمشكلة أن الخطورة التى لا تدركها الحكومة، تكمن فى الضغط النفسى الكبير الذى يعانيه معظم أبناء الشعب، والذى يغذى كثيرًا من الحملات المعادية والدعوات المحرضة.. علينا إذًا أن ننتبه لخطورة ما يحدث ويجب ألا نقدم مستقبل وطننا على طبق من فضة.. وأن تعى حكومتنا الدرس جيدًا، فالكتاب الآن مفتوح.. وغدًا لا نعلم ماذا سيحدث.