كثيرة هى المؤامرات التى حاكتها وتحيكها أمريكا للمنطقة والتى رأينا معالمها واضحة فى العراق الشقيق الذى قامت بغزوه فى 2003 لتحوله إلى ساحة من الفوضى تعيث فيها نبتة الارهاب التى زرعتها فى أرضه، وتترع فى جسده جرثومة الطائفية التى رسختها عن عمد لتكون وسيلتها فى تمزيق الدولة التى اتخذتها منطلقا لها نحو بلدان المنطقة على أمل تعميم مشروع التقسيم ليشملها كلها. قلبت أمريكا المعادلات التاريخية والجغرافية فى المنطقة وعمدت إلى زعزعة المنظومة العربية وشكلت تهديدا وجوديا هائلا لشعوبها. وللأسف غاب عن العرب الكثير لا سيما مع عدم وجود سياسات مدروسة وفى ظل استراتيجيات ركيكة لم تعد تواكب العصر. إنها أمريكا صاحبة العصمة ترفض عضوية محكمة الجنايات الدولية فى لاهاى خوفا من محاسبتها على خرق القانون الدولى. ولكنها تفرض قانونها على الجميع لمحاكمة أى دولة فى العالم وكأنها باتت صاحبة الولاية القضائية على كل من تريد تأديبه واخضاعه لشروط إذعان. ظلت أمريكا بالمرصاد لدول المنطقة لتمزيقها كما مزقت العراق على أساس طائفى عرقى ليتسنى لها التسيد والهيمنة، فالمصلحة وحدها هى التى تحركها. شعارها شن الحروب والسيطرة ونهب خيرات الشعوب والابتزاز والتهديد. اليوم يمكن القول بإن مشروع القرن الأمريكى للهيمنة على العالم قد سقط وقد رأينا معالم ذلك فى ضعف أمريكا وتخاذلها أمام روسيا اليوم، فلم تستطع أن تكون ندا لها فى سوريا . تبدد الحلم الامبراطورى الأمريكى اليوم على نحو مايشهد به المفكرون والاستراتيجيون فى أمريكا. ويكفى ما تشهده من انهيار اقتصادى وانكسار عسكرى وأفول سياسى وحضارى وهو ما سيعجل حتما سقوطها وبالتالى سيضع نهاية لاطماعها التوسعية لتنتهى هيمنة الرجل الأبيض على العالم. أمريكا تتهاوى بعد أن تراجعت فى كل شىء دورا وسمعة وسلوكا. ستسقط أمريكا وستطوى صفحتها ولا أدل على ذلك من مسرحية انتخابات الرئاسة الهزلية، وما سجلته المناظرات بين هيلارى كلينتون، ودونالد ترامب من فضائح. حيث عكس كل منهما الافلاس والسطحية. ظهرا وكأنهما وجهان لعملة واحدة هى انعدام الكفاءة التى لابد لأى رئيس أن يحوزها. وسواء فازت هيلارى أو دونالد بمنصب الرئاسة ستظل أمريكا هى أمريكا. ستظل بالمرصاد لدولنا، فهى على أتم استعداد لاشعال الحروب وإثارة الفوضى وترسيخ الفتنة الطائفية داخلها. ولهذا يتعين على العرب اليوم أخذ العبرة من الأحداث لا سيما وأنهم سبق أن لدغوا من الكوبرا الأمريكية مئات المرات. للأسف العرب لم يتعظوا وظلوا متمسكين بالحبل الأمريكى. غيبوا أنفسهم كلية وسعوا إلى اسداء العون للشيطان الأمريكى فى شطحاته ضد دول المنطقة. وفوجئوا بأن النوائب قد داهمتهم. غاب عنهم أن السحر ينقلب على الساحر وأن من أعان ظالما بلى به. آن للعرب اليوم أن يسعوا لبلورة سياسة جديدة واضحة وتبنى استراتيجية تعظم مصالحهم وترتكز على التوازن والندية والاستقلالية لكبح جماح أمريكا التى حولت المنطقة إلى ساحة صراعات بعد أن صنعت ألوية الارهاب ودعمتها لتكون أداتها الجهنمية فى تفكيك وتدمير الأمة العربية. آن الأوان اليوم كى يفيق العرب من غفوتهم ويسعوا إلى وحدة الصف، فهى العاصم لهم من الذل. وعندئذ سيرون الحقيقة وهى أن أمريكا التى كانت من قبل قد داهمها الموت اليوم وتنتظر من يشيعها. ولكن سيطول انتظارها ولن يشيعها أحد اللهم إلا الشيطان.