في حلقة تليفزيونية لي مع الإعلامي المصري جمال عنايت، فى 19 نوفمبر 2014، قمت بعرض خرائط توضيحية لخط سير مسلحي تنظيم داعش وهم يسيرون عبر صحراء سوريا بسيارات الدفع الرباعي حتى وصلوا إلى مدينة الموصل وطرحت سؤالاً حينها. إن كانت قافلة سيارات داعش قد سارت لمسافة 200 كم عبر صحراء سوريا المفتوحة واقتحمت الحدود حتى وصلت إلى الموصل العراقية. وهي صحراء مكشوفة بالأقمار الصناعية الأمريكية، فلماذا لم يتخذ الرئيس الأمريكي أوباما قراره بقصف هذه القافلة باستخدام قواعده العسكرية المرابطة بالخليج منذ سنوات، خاصةً أننا نشير هنا من المنظور العسكري إلى هدف سهل اصطياده خلال دقائق معدودة والقضاء عليه دون خسائر؟ وبالطبع لسنا في حاجة للإشارة إلى الدور الاستخباراتي الأمريكي الموجود على الأراضي السورية، وهل فشل حقًا في الحصول على معلومة مسبقة تؤكد عزم مقاتلي داعش التحرك صوب الحدود السورية العراقية؟ بعد مرور ثلاثة أشهر على هذه الحلقة المشار لها، يعيد البروفيسور مايكل تشوسودوفسكي طرح نفس السؤال عبر قرائه على موقع جلوبال ريسيرش الكندي، مع نشر نفس الصور والخرائط التي قمت بنشرها في برنامج عنايت. إذ كتب تشوسودوفسكي: «من وجهة نظر عسكرية، ما الذي يمكن أن يكون مطلوبًا للقضاء على قافلة الدولة الإسلامية مع عدم وجود قدرات فاعلة مضادة للطائرات لديها؟ البدهي لو كانوا قد أرادوا القضاء على ألوية الدولة الإسلامية كان يمكنهم إسقاط أعداد كبيرة من القنابل والقصف مرارًا وتكرارًا على قوافل شاحناتهم التويوتا الصغيرة عندما عبروا الصحراء من سوريا إلى العراق في يونيو» . وينهى تشوسودوفسكى تقريره بالقول: التفويض لمكافحة الإرهاب وهم كبير. أمريكا هي الدولة الأولى الراعية للإرهاب، وتنظيم الدولة الإسلامية ليس فقط محميًا من قبل أمريكا وحلفائها، بل يتم تدريب عناصره وتمويلها من قبل أمريكا والناتو، بدعم من إسرائيل وحلفاء واشنطن في الخليج العربى. بعد قرابة العامين ولكن هذه المرة من الموصل إلى الرقة يتكرر نفس المشهد وتعود قيادات تنظيم داعش من حيث أتت وبنفس الطريقة متخذين نفس المسار، تحت حماية جوية من قوات التحالف الدولي بقيادة أمريكا وصمت تام من قبل المجتمع الدولي. خطة معركة الموصل التى بدأت منذ أيام قليلة وضعت بين طياتها مخطط تهريب قيادات داعش، إذ تم تطويق الموصل من المحور الشمالي والشرقي بقوات البيشمركة التابعة لمسعود برزاني زعيم إقليم كردستان العراق لقطع الطريق الواصل من الموصل لأربيل، مع تطويق الجيش العراقي والشرطة المدنية للمحور الجنوبي بهدف قطع الطريق الواصل من الموصل جنوبا إلى تكريت ومن ثم بغداد، وتركت هذه القوات ثغرة في المحور الغربي لمدينة الموصل ليهرب منها قيادات داعش وعائلاتهم ليستقروا في مدينة الرقة بسوريا عاصمة دولة الخلافة التى أعلن عنها أبو بكر البغدادي زعيم التنظيم في يونيو 2014. الرئيس الأمريكي يريد إدارة معركة الموت ضد القيصر الروسي بوتين قبل مغادرته البيت الأبيض. محاولات أفغنة الأراضي السورية. تجميع كافة الجماعات الإرهابية وتنظيم صفوفها ودعمها بأسلحة نوعية جديدة، كمستنقع جديد لروسيا وبدعم دولي، يعود بوتين من حيث أتى كقائد منهزم ويغادر بها أوباما البيت الأبيض كقائد منتصر. السيناريو الأقرب للتنفيذ، تصبح الرقة بؤرة تجميع لتنظيم داعش من العراقوسوريا، ثم يتم عبورهم من المحور الشمالى إلى معبر تل أبيض على الحدود التركية ومنها يركبون البحر إلى شواطئ طرابلس بليبيا كنقطة انطلاقة جديدة على أن تكون محطتهم التالية الجزائر خاصًة أن تيار الإسلام السياسي بقيادة التنظيم الدولي للإخوان قد وصل إلى سُدة الحكم في جارتها المغربية، فهل سيتم فتح المشهد في شوارع الجزائر قريبًا ؟ أم ستصبح واجهة التنظيم ناحية دول الساحل والصحراء بمباركة فرنسية. الوصول إلى الصيد الثمين، البوابة الليبية المطلة على أفريقيا والهدف الاستراتيجي لفرنسا فى إيجاد موطئ قدم جديد لقواعدها العسكرية بغرب ووسط وجنوب أفريقيا، في محاولة مزاحمة النفوذ الأمريكي المنتشر بقواعده العسكرية عبر القيادة الأمريكية الأفريقية المعروفة بقيادة أفريكوم، التي تستهدف السيطرة على ثروات هذه القارة من نفط وغاز وثروات معدنية. فاللعبة هنا ليست لعبة تقسيم الأدوار بين فرنسا والولايات المتحدةالأمريكية بل لعبة مصالح ومزاحمة قوى الأسد الأمريكي العجوز في مرحلة تاريخية تشهد تجييش الأساطيل من مختلف الدول الكبرى على مسرح عمليات ما أطلقوا عليه الشرق الأوسط الكبير تمهيدا للقادم. ذلك أن فرنسا قد نجحت خلال حربي مالي وأفريقيا الوسطى 2013 : 2014، في إعادة انتشار قواتها العسكرية الموجودة في بلدان الساحل فيما عُرف بعملية البركان، تحت مزاعم الحرب على المنظمات الإرهابية الناشطة في بلدان الساحل وفي الشريط الممتد من موريتانيا وحتى دارفور بالسودان. كما حظت عملية البركان هذه بدعم القوات الفرنسية المرابطة في السنغال وساحل العاج والجابون على ساحل المحيط الأطلسي وبذلك نجحت فرنسا فى التمدد العسكرى داخل القارة الأفريقية عبر البوابة الليبية. تلك حقيقة الدوافع الفرنسية التي تريد حصد غنائم الرواية الأصلية للحليف الأمريكي. ذلك أن تكتيكات استخدام هذه التنظيمات الإرهابية وإفساح الطريق لها بل ودعمها بالسلاح والمال بصورة أو بأخرى تصب في استراتيجية أكبر لاحتلال دول القارة الأفريقية، والسيطرة على ثرواتها المعدنية ومصادر الطاقة والنفط، ومن هناك تعبر المحيط الأطلسي عبر خليج غينيا ومن ثمة إلى شواطئ أمريكا وأوربا مباشرةً. كلفة لا تقارن بالنسبة لتكلفة نقل طاقة الخليج. ولأن تطويق هذه الدول بجيوش القاعدة تأتى عبر البوابة الليبية، فكيف يسمح الغرب بإغلاق أهم معبر ينفذون منه بأدواتهم للسيطرة على مقدرات الشعوب الأفريقية.