في قصة نبي الله يوسف عليه السلام الكثير والكثير من العبر والحكم البالغة عندما حضر الي أرض الكنانة وهو طفل صغير وترعرع في بيت عزيز مصر حتي أصبح رجلا ذا شأن عظيم لدي أهل مصر وحاكمها و الذي رأى بعد ذلك في يوسف ما يؤهله لتولي منصب كبير في الدولة وذلك لما لمس فيه من الذكاء والفطنة والاستقامة والكفاءة والأمانة وهذه صفات مطلوبة في كل مسئول فعندما أراد الملك أن يأتي بمن يفسر له رؤياه التي رآها في منامه أشاروا اليه بنبي الله يوسف وقصّوا له الحلم فقال لهم: (تزرعون سبع سنين دأبا فما حصدتم فذروه في سنبله الا قليلا مما تأكلون ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد يأكلن ما قدمتم لهن الا قليلا مما تحصنون ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون) ليتولي يوسف بعد ذلك منصبا اختاره لنفسه فكان منصبا خدميا يخدم به شعب مصر وهو الذي أحس ببوادر أزمة اقتصادية عاتية سوف تمر بالبلاد وعليه واجب نحو اهل مصر ويريد أن يرد اليهم الجميل فقال للملك (اجعلني علي خزائن الأرض اني حفيظ عليم) كان يريد من هذه الوظيفة المهمة للغاية أن ينظم شؤون الزراعة والري وتخزين المحاصيل تحسبا لوقوع الأزمة التي تنبأ بها وهو يعلم علم اليقين مدي أهمية الحفاظ علي أقوات الفقراء والمساكين من اهل مصر والبلاد المجاورة وقد استطاع أن يمر بالسنوات العجاف بسلام بفضل ذكائه وحنكته وأمانته. المستنبط من هذه القصة ان مصر فيها خزائن الأرض وخيراتها والدليل علي ذلك ان كل البلاد المجاورة اصابها القحط وذهبوا الي مصر لينالوا من خيرها الوفير وذلك لان حسن ادارة وامانة من تولوا مهمة تلك الخزائن جعلت البلاد تمر بسلام من ازمتها وظلت مصر علي مدار آلاف السنين مليئة بالخيرات ويقصدها المحتاجون من كل بقاع الأرض لينهلوا من هذا الخير. فماذا حدث الآن وأين هي خيرات مصر المحروسة التي أصبحت لا تكاد تكفي احتياجات شعبها وأصبحت تتسول الغذاء والدواء من عدة دول؟ واظن السبب واضحا للجميع السر هنا فيمن يجلس علي خزائن مصر الآن ومن المسئول عن قوت الفقراء فوزارة التموين بموظفيها وقياداتها متورطة في الفساد الا من رحم ربي ووزارة الزراعة بمسئوليها وقياداتها علي مدار عقود طويلة أتت علي الأخضر واليابس من الزراعات التي كانت تتميز بها مصر المحروسة فالقطن طويل التيلة والذي تشتهر به مصر لم يعد له وجود واصبحنا نستورد قطننا من الخارج والقمح الذي هو سلعة قومية اساسية تستورده الدولة بمليارات الجنيهات ويتم التلاعب فيه ناهيك عن استيراد بذور قمح فاسدة وبها امراض والغريب أن وزارة الزراعة والتموين تصرح بدخوله الي مصر وهذا يضر بالتقاوي الموجودة بمصر ومن ثم الاضرار بالمحصول في السنوات القادمة . وأيضا ما يحدث الآن من تخبط بخصوص فساد توريد القمح واقحام مجلس النواب في التحقيق في هذه القضية الخطيرة مع أن المجلس معني بالرقابة والتشريع وهذه التحقيقات مسئولية النيابة العامة وليس مجلس النواب وقد يؤدي هذا التخبط الي اتاحة الفرصة للقيادات الفاسدة في وزارتي التموين والزراعة لتسوية الامور والتهرب من المسئولية والمفروض أنه عندما تم اكتشاف هذا التلاعب يحول الموضوع الي النائب العام والجهات الرقابية لأخذ التدابير اللازمة لمحاسبة المتورطين حتي ولو كان الوزير نفسه أما ما يحدث الآن فهو تفريغ القضية من مضمونها لصالح حيتان الفساد من رجال الأعمال ومسئولي الوزارات المعنية وعلي أعضاء لجنة تقصي الحقائق والمنوط بها التحقيق في الامر مراقبة ما يحدث من تحقيقات للنيابة العامة ثم بعد ذلك احالة الموضوع برمته الي مجلس النواب لبت الامر فيه. المسألة ببساطة هي وجود مسئولين فاسدين في وزارة التموين والزراعة هم علي رأس المتحكمين في قوت الشعب ولا أحد يسأل ولا أحد يحاكم . ياسادة هاتان الوزارتان مليئتان بالفساد والمفسدين ولا حل الا بتطهيرهما .