عندما حل على هذا البلد مشهد (يناير2011) والذي كان في داخله أنقى شباب مصر فتيانًا وفتيات ، وهم في في نقائهم ومصريتهم بكل معانيها أكمل وأجمل خامة شبابية بين أقرانهم في كل الأمم .. هذا في عقلنا وفي عيوننا وفي مشاعرنا وبعد مشوار طويل من تعرف وتدخل وتشابك مع الآخرين ... عند ذلك ، وبأثر ضوئهم النقي الصافي الذي كان ساطعًا في داخل ذلك المشهد ، هتف العقل وهتفت المشاعر بحسم وسعادة في داخلي بأن هؤلاء هم ( أحفاد 23يوليو) ..ورددت كثيرًا هذا القول في دوائري. وفي تلك الأيام الأولى للمشهد، وفي وسط حديث مع واحد من هؤلاء الأنقياء حقًا والأعزاء حقا، وبإستغراق في مشاعر تلك اللحظات ،قال لي هذا النقي العزيز: " كم حققتم ثورة 23يوليو وأنتم أصحابها، ونحن قمنا ب"يناير2011" ونحن أصحابها " وكان ردي عليه: إن الثورات وتحركات الشعوب والأمم ليست "قطاع خاص" وإنما هي تحركات للشعب وللأمة جميعًا حتى لو تصدرها قطاع معين أو مجموعة معينة من ذلك الشعب أو تلك الأمة ، وهذه طبيعة الأمور أن يتصدر التحرك قطاع أو مجموعة أيا كانت ، وعلى هذا فإن (23يوليو) هي ملكنا وملككم ، وكذلك أيضا (يناير) وغيرها ، وإلا فلنحذف ولا تخصنا (الثورة العرابية) مثلًا ، أوغيرها، حيث لايتواجد (أصحابها) أو من تصدروها في الحياة الآن !.. إن حركة الشعوب هي مسار متصل ، متعدد ومتنوع المستويات والأشكال. إن ما يعتقد عقلي ومشاعري بجسم وسعادة ومازال ، أن هؤلاء ( الأنقياء الأعزاء) هم (أحفاد 23 يوليو) .. مَرّده وأصله هو: درجة النقاء والأصالة المصرية لهذه العناصر النقية التي كانت تضئ مشهد يناير 2011 ،وهي نفس الدرجة التي تختص بها 23 يوليو. إن نفس هؤلاء الأنقياء الأعزاء تكوينهم وحالهم هم (نتائج 23 يوليو من خلال آبائهم وأجدادهم) الذين كانت 23 يوليو (الرافعة)التي أخذتهم إجتماعيًا وإقتصاديا إلى مكانة وهيكل مجتمعي إنتقل من خلاله ( الأبناء والأحفاد) إلى الحال والشكل الذي جاءوا به إلى (يناير2011)... حتى بالرغم من طغيان أوضاع متعددة على حياتهم أنشأها الإنقلاب التدريجي على مسار 23 يوليو والذي بدأ عند منتصف سبعينيات القرن الماضي وكانت هذه الأوضاع ، مع غيرها ، هي العوامل التي أدت إلى يناير2011 وذلك حتى بتغييب معرفة هؤلاء الأحفاد بأنهم بالفعل ، بالواقع وبالتاريخ هم أحفاد 23 يوليو. وأمر هذا الإنقلاب وهذا التغييب ، له حديث آخر ، ولو لم يكن هناك 23 يوليو لكان (واقع وحال) هؤلاء الأحفاد هو نفسه ما كان لأقرانهم فيما قبل 23 يوليو. إن ما طالب به وما نادى به وما رفع شعاره هؤلاء الأنقياء الأعزاء هو نفسه بالضبط جزء مما جاءت به 23 يوليو وحققته بالفعل واقعًا اجتماعيًا واقتصاديًا ووطنيًا ويكون التحرك من جانبهم مع غيرهم الصادقين في يناير2011 ، لو بالضبط تحرك من أجل (إعادة الإتصال) بمسار 23 يوليو الجوهري ومن أجل عبور (الإنفصال) الذي أحدثه الإنقلاب منتصف السبعينيات مع (23 يوليو) اجتماعيًا وفكريًا ووطنيا ، حتى لو لم يعلنوا ذلك أو يقصدوا أو يدركوه. وعلى أساس من ذلك ، مع غيره مما سيأتي بعد، تكون 23 يوليو هي (الثورة الأم) نظريًا وواقعيًا في التاريخ الحديث، الحاضر والمستقبل في هذا البلد، مع رجاء بالتمهل من جانب السادة المحترمين أصحاب شبهة إحتكار ملكية الحديث في أمور السياسة. فلماذا هي 23 يوليو الثورة الأم: في مسار تحركات الأمم والشعوب جميعها والذي يحتوي حلقات وتاريخ يطول ويقصر باختلاف الحالات فإن حدثًا أو تطورًا محددًا (يحفر) ذاته في عمق واقع وتاريخ هذا الشعب وهذه الأمة، ويتطابق أيضًا مع محددات مستقبله ويبقى بعد ذلك هذا الواقع الجديد (نقطة بداية حقيقية وممتدة لعملية) تحقيق الذات الوطنية والقومية بكل أبعادها وفي كل صورها وهذا بالضبط هو موقع 23 يوليو في التاريخ الحديث لهذا البلد ، ونجمل فيما يأتي كيف هو كذلك. إنه في كل أحداث وتطورات الشعوب والأمم فإن حدثًا بذاته هو الذي يستعيد الذات الوطنية والقومية بكل الأبعاد وبكل الصور، واقعيًا ومعنويًا، وتشترك تلك الأبعاد والصور في بعضها بين كل الأمم ، كما تتمايز في البعض الآخر من شعب إلى آخر ومن أمة إلى أخرى ، وفي هذا الوطن ، فإن معالم وأعمدة استعادة الذات الوطنية والقومية اشتملت على وتمثلت في : - تحقيق الجلاء والتخلص من الإحتلال الأجنبي لهذا الوطن. - تحقيق الإستقلال الوطني. - إنشاء الجمهورية كنظام للحكم في هذا الوطن. - تحقيق إمتلاك أبناء هذا الوطن لوطنهم أرضًا واقتصادًا وقرارًا وإرادة وتوجهًا. - تحقيق (إمتلاك مقومات القوة) بمقاييس هذا العصر في الصناعة والعلم وفي عناصر الإقتصاد الإنتاجي الحقيقي وفي قوة أسلحة متكاملة وحديثة وفي إنشاء مقومات قوية لإدارة الدولة ، وفي خلق منظومة وعي وثقافة عميقة وراقية وأصيلة ومنفتحة على إنتاج العالم الفكري والثقافي الجاد. - تحقيق وغرس الوعي والإدارك بعمق في هذا الشعب بجذوره وتكوينه الوطني وإطاره القومي والجغرافي والإنساني وتوافق المسار الواقعي مع كل هذا مصريًا وعربيًا وأفريقيًا وعالم نامي. - تحقيق العدل الإجتماعي والإقتصادي بأنماط وقواعد ومعايير نادرة وغير مسبوقة في الغالب. - تحقيق الأساس للملكية السياسية الحقيقية للشعب: أولًا: تحقيق العدالة الإجتماعية التي بدونها يكون الحديث عن المشاركة السياسية ليس فقط دخاًنا في الهواء ، بل حتى يمكن أن يكون إجراميًا في غرضه. ثانيًا: تحقيق نمط فريد مرحلي من الهيكل السياسي والنظرية السياسية التي تتوافق مع حال وطن وطبيعة مرحلة وقبل كل ذلك مع تركيبة القواعد الشعبية الحقيقية في هذا الوطن. (وللحديث بقية)