ظل هيكل في رئاسة تحرير الأهرام بعد وفاة عبد الناصر في 1970 وحتى عام 1974، وانتقد في كتبه، ومقالاته، سياسات الزعيم الراحل محمد أنور السادات، فأزيح من منصبه، واعتقله ضمن اعتقالات سبتمبر 1981 ضمن عدد كبير من الكتاب، والصحفيين، والسياسيين، وخرج بقرار من الرئيس حسني مبارك. اعتزل الموسوعة، هيكل الكتابة المنتظمة، والعمل الصحفي في 23 سبتمبر 2003، بعد أن أتم عامه الثمانين، وقام بكتابة مقال مثير عنوانه «أستأذن في الانصراف»، ولكن حاسته السياسية، وحبه للكتابة، وعشقه للصحافة، طغى عليه، فعاد ليواصل عطاءه الصحفي. بعد ذلك اعتكف العملاق هيكل على كتابة الكتب، والمؤلفات، والمقالات، والحوارات التليفزيونية، وأصبح صحفيا حرا. وقدم هيكل في عام 2007 عددا كبيرا من المحاضرات السياسية، والدبلوماسية، والصحفية، والاعلامية، في القناة المأجورة، التي خرجت عن المهنية، والحيادية، والحرفية، والموضوعية، والمنطقية، قناة الجزيرة القطرية، تحت عنوان «مع هيكل» القناة التي لم يكن يعلم هيكل بخيانتها، وسياستها، لأنها لم تكن تعلن وقتها بوضوح أنها قناة لتزوير الحقائق، وتزييف التاريخ، من أجل مصالح قطر التي خانت الأمانة، ومصالح اسرائيل الصهيونية، وتركيا الماسونية. وكذلك قام بعمل حوارات مع قناة سي بي سي CBC، مع الاعلامية لميس الحديدي، تحت عنوان: مصر أين؟ مصر الى أين؟. الراحل المحنك ساهم بقدر كبير في اثراء الحياة الفكرية، من حيث مهارة الحرفة، وبهاء الصنعة، وخبرة الصحافة، وحنكة الاعلام، والمشارك السياسي القوي، قامة صحفية عريقة، ينبغى التوقف أمامها، والخوض في تاريخها، لأنه ساهم، ودعم، ورفع مستوى الحوار، والنقاش، وضبْط قراءات الماضى، عن طريق اضاءة المستقبل، وأيضا عن طريق عشرات الكتب التي تجمع بين التوثيق، والتاريخ، والتأريخ، والتنقيح، والتعريف، والشهادة على العصر، منها (بين الصحافة والسياسية)، و(حرب الخليج أوهام القوة والنصر)، و(الخليج العربي مكشوف)، و(الامبراطورية الأمريكية)، و(المفاوضات السرية بين العرب واسرائيل) في ثلاثة مجلدات تشرح المسار التاريخي للمفاوضات، حمل المجلد الأول عنوانا فرعيا هو (الأسطورة والامبراطورية والدولة اليهودية)، والثاني (عواصف الحرب وعواصف السلام)، والثالث (سلام الأوهام أوسلو ما قبلها وما بعدها)، حيث عارض اتفاق أوسلو بين الفلسطينيين واسرائيل وكتب مقدمة كتاب (غزة – أريحا سلام أمريكي) للمفكر الفلسطيني ادوارد سعيد. كما سجل هيكل جوانب من تفاصيل وخلفيات الحروب العربية الاسرائيلية، على ضوء الصراع الدولي في ثلاثة كتب، تحت عنوان (حرب الثلاثين سنة)، وحمل المجلد الأول عنوان: (ملفات السويس)، والثاني (1967 سنوات الغليان)، والثالث (أكتوبر 73 السلاح والسياسة). انطلاقاً من موقعي الدبلوماسي والاعلامي، يمكنني القول، إنه لم يستطع أن يقدم أحد على خدمة الصحافة والصحفيين، في مصر، والعالم، بقدر ما قدمه محمد حسنين هيكل، وخدم به، وذلك لتميزه الذي يعود الى جهده، واجتهاده، ومثابرته، وكفاءته، وكياسته، وفراسته، ولا أظن أبدا أن سياسيا، وكاتباً صحفياً منذ عرفت الصحافة في مصر، عندما صدرت “التنبيه” في عهد محمد علي باشا، قد استقطب كل هذا الاهتمام مثل هيكل. أيضا قال عنه (أنتوني ناتنج) وزير الخارجية البريطاني: (عندما كان قرب القمة، كان الكل يهتمون بما يعرفه، وعندما ابتعد عن القمة، تحول الكل الى ما يفكر فيه، وذلك ضمن برنامج عن محمد حسنين هيكل، أخرجته هيئة الاذاعة البريطانية، ووضعته على موجاتها يوم 14 ديسمبر 1978 في سلسلة صور «شخصية» بعد أن سئل عن تقييمه له في فترة اقترابه من القمة في مصر، وفترة ابتعاده. وعندما ابتعد عن هرم السلطة، فكان الاهتمام بما يكتبه، ما زال قوياً، ومتابعة آرائه، وتحاليله، ومواقفه، ظلت تشكل مادة مرغوبة كثيراً لوسائل الإعلام. فهيكل، كان «موثقاً» و»مؤرخاً» لعهد بأكمله، وهو السياسي المتمرس، والصحفي المنتج، والنجم المبدع، دائماً كان يشكل موضوعات تثير حماساً نقاشيا كبيراً، فيصبح السؤال ملحاً عن هيكل، أين الحقيقة فيه، وأين الأسطورة؟.. لقد كان الأستاذ الموسوعة دائما متطورا في الفكر، وناضجاً فى التحليل، ومجددا في الاجتهاد، وهذه الأمور من طبائع الفكر، وفلسفة التقدم. الأستاذ دائما في مختلف مراحله العمرية، كان رحمه الله، في كامل لياقته الفكرية، والصحفية. المتحدث الرسمي باسم النادي الدبلوماسي الدولي Diplomatic Counselor Sameh Almashad