في كتابه :» تحفة الأدباء وسلوة الغرباء» قال الرحالة الشهير إبراهيم الخياري المدني «نسبة الي المدينةالمنورة»: «ودخلنا مصر القاهرة في غرة شعبان, واستقبلنا أهلها بالبشاشة والترحاب وهما صفتان غالبتان فيهم, فلا تراهم إلا ضاحكين ومبتسمين ومستبشرين وذلك لأنهم أهل تحضر وفنون وصناعة وأينما توجهنا وجدنا البساتين الوارفة والعمائر العظيمة والدروب الآمنة ولم لا وهي المحروسة كما يسميها أهلها ولقد سألت أهل العلم عندهم عن سبب هذه التسمية فقالوا: إن مصر محروسة ببركة ذكر اسمها في القرآن الكريم ,فلقد ذكرت في الكتاب الكريم اربعة وعشرين مرة وهي محروسة بأضرحة آل البيت الراقدين تحت ثراها ويحرسها ذكر الذاكرين من أهل الطريق الصالحين الذين أتوا إليها من المشرق والمغرب يعبدون الله آمنين لذا فهي محروسة ومن أراد بها شرا قصم الله ظهره.. وبعد ان قضيت فيها ما قضيت وجدت أنها محروسة أيضا بعلم علمائها وتفنن أرباب الحرف والفنون وشدة جنودها ففيها خير أجناد الأرض». هذا نص ما قاله إبراهيم الخياري في كتابه الشهير ودائما ما أتذكره كلما ألمت بالمحروسة الملمات والسبب الحقيقي لعشقي كتابه أن الرجل بعد تأمل ومشاهدة وتحليل وجد أن المحروسة محروسة بأهلها وجندها , فأهلها أهل تحضر وفنون وجندها خير أجناد الأرض فخرج الرجل بقانون التاريخ الذي يؤكد أن من أراد بها الشر سيقصم الله ظهره لأن أهلها متحضرون وجندها أشداء وهو يذكرني بقول بديع خيري الذي يغنيه سيد درويش «والمصري ذو تفنن» وقوله أيضا «أحسن جيوش في الأمم جيوشنا» الموضوع عند الخياري ليس مجرد عناية ربانية فقط ولكنها نتاج تراكم تاريخي وأسباب مجتمعية وفرادة حضارية. لذا فكلما سمعت ندب الندابين ويأس اليائسين وشماتة الشامتين أتذكر كلمات الخياري الخالدة: أن المحروسة محروسة بأهلها وجندها.. فمن كان يظن مجرد الظن أن أسرة مبارك ستقف خلف القضبان وتترك العرش الذي كانوا سيورثونه لأحفادهم , ومن كان يظن مجرد الظن أن الاخوان سيخلعون من كرسي الحكم بهذه السرعة لقد كنت أكتب في عز ظلام العصرين مؤكدا أن المحروسة ستنزع عن كاهلها الظالمين. وعندما اعتلي الإخوان سدة الحكم كان هناك من يؤكدون أن الإخوان سيحكموننا لمدة خمسين عاما قادمة بل إن كثيرًا منهم بدأ يبحث عن سبيل للهجرة خارج البلاد؛ لكن أهل المحروسة وجندها غيروا المعادلة تماما كما غيروا المعادلة في 25 يناير, وكلما اشتد الحصار علي مصر من قوي الامبريالية ومؤامراتها تذكرت درس إبراهيم الخياري المدني التاريخي الحضاري. فيا دعاة اليأس ثقوا في شعبكم وفي شرف جنودكم فالمحروسة التي علمت البشرية العلم والفن والحضارة وفنون الثورات ستظل محروسة بأهلها وجندها الي يوم الدين.