مأساة غزة.. استشهاد 10 فلسطينيين في قصف تجمع لنازحين وسط القطاع    رئيس إنبي: من الصعب الكشف أي بنود تخص صفقة انتقال زياد كمال للزمالك    عاجل.. حلمي طولان يصب غضبه على مسؤولي الزمالك بسبب نهائي الكونفدرالية    "أرمي العوامات بسرعة".. الفيديو الأول لحظة غرق فتيات معدية أبو غالب بالجيزة    تاون جاس لأهالي البساتين: لا تنزعجوا من رائحة الغاز اليوم    افتتاح أول مسجد ذكي في الأردن.. بداية التعميم    جيش الاحتلال يبدأ عملية توغل بري نحو مركز رفح وسط اشتباكات عنيفة (فيديو)    بيكلموني لرامي جمال تقترب من 9 ملايين مشاهدة (فيديو)    تحرك برلماني بشأن حادث معدية أبو غالب: لن نصمت على الأخطاء    دراسة: 10 دقائق يوميا من التمارين تُحسن الذاكرة وتزيد نسبة الذكاء    وزير التنمية المحلية ومحافظ الغربية يتفقدان مركز سيطرة الشبكة الوطنية ووحدة المتغيرات المكانية    نائب محافظ بنى سويف: تعزيز مشروعات الدواجن لتوفيرها للمستهلكين بأسعار مناسبة    اليوم.. مهرجان إيزيس الدولي لمسرح المرأة يختتم عروضه ب«سر الأريكة»    «أعسل من العسل».. ويزو برفقة محمد إمام من كواليس فيلم «اللعب مع العيال»    ضميري يحتم عليّ الاعتناء بهما.. أول تعليق من عباس أبو الحسن بعد حادث دهسه سيدتين    نشرة التوك شو| تفاصيل جديدة عن حادث معدية أبو غالب.. وموعد انكسار الموجة الحارة    هل تقبل الأضحية من شخص عليه ديون؟ أمين الفتوى يجيب    أوكرانيا: دمرنا آخر سفينة صواريخ روسية في شبه جزيرة القرم    جوميز: لاعبو الزمالك الأفضل في العالم    دبلوماسي سابق: ما يحدث في غزة مرتبط بالأمن القومي المصري    روسيا: إسقاط طائرة مسيرة أوكرانية فوق بيلجورود    النائب عاطف المغاوري يدافع عن تعديلات قانون فصل الموظف المتعاطي: معالجة لا تدمير    بينهم طفل.. مصرع وإصابة 3 أشخاص في حادث تصادم سيارتين بأسوان    "رايح يشتري ديكورات من تركيا".. مصدر يكشف تفاصيل ضبط مصمم أزياء شهير شهير حاول تهريب 55 ألف دولار    أهالي سنتريس يحتشدون لتشييع جثامين 5 من ضحايا معدية أبو غالب    الأرصاد: الموجة الحارة ستبدأ في الانكسار تدريجياً يوم الجمعة    إيرلندا تعلن اعترافها بدولة فلسطين اليوم    ب1450 جنيهًا بعد الزيادة.. أسعار استخراج جواز السفر الجديدة من البيت (عادي ومستعجل)    وثيقة التأمين ضد مخاطر الطلاق.. مقترح يثير الجدل في برنامج «كلمة أخيرة» (فيديو)    السفير محمد حجازي: «نتنياهو» أحرج بايدن وأمريكا تعرف هدفه من اقتحام رفح الفلسطينية    حظك اليوم برج العقرب الأربعاء 22-5-2024 مهنيا وعاطفيا    ملف يلا كورة.. إصابة حمدي بالصليبي.. اجتماع الخطيب وجمال علام.. وغياب مرموش    الإفتاء توضح أوقات الكراهة في الصلاة.. وحكم الاستخارة فيها    جوميز: عبدالله السعيد مثل بيرلو.. وشيكابالا يحتاج وقتا طويلا لاسترجاع قوته    عاجل.. مسؤول يكشف: الكاف يتحمل المسؤولية الكاملة عن تنظيم الكونفدرالية    طريقة عمل فطائر الطاسة بحشوة البطاطس.. «وصفة اقتصادية سهلة»    وزيرة التخطيط تستعرض مستهدفات قطاع النقل والمواصلات بمجلس الشيوخ    بالصور.. البحث عن المفقودين في حادث معدية أبو غالب    دعاء في جوف الليل: اللهم ألبسنا ثوب الطهر والعافية والقناعة والسرور    موعد مباراة أتالانتا وليفركوزن والقنوات الناقلة في نهائي الدوري الأوروبي.. معلق وتشكيل اليوم    «معجب به جدًا».. جوميز يُعلن رغبته في تعاقد الزمالك مع نجم بيراميدز    أبرزهم «الفيشاوي ومحمد محمود».. أبطال «بنقدر ظروفك» يتوافدون على العرض الخاص للفيلم.. فيديو    قبل اجتماع البنك المركزي.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الأربعاء 22 مايو 2024    شارك صحافة من وإلى المواطن    ما هي قصة مصرع الرئيس الإيراني وآخر من التقى به وبقاء أحد أفراد الوفد المرافق له على قيد الحياة؟    عاجل - نتيجة الشهادة الإعدادية 2024 محافظة الجيزة.. رابط نتيجة الصف الثالث الإعدادي الترم الثاني Natiga.Giza    إزاى تفرق بين البيض البلدى والمزارع.. وأفضل الأنواع فى الأسواق.. فيديو    هل ملامسة الكلب تنقض الوضوء؟ أمين الفتوى يحسم الجدل (فيديو)    محمد حجازي ل"الشاهد": إسرائيل كانت تترقب "7 أكتوبر" لتنفيذ رؤيتها المتطرفة    مواصفات سيارة BMW X1.. تجمع بين التقنية الحديثة والفخامة    وزير الاتصالات: خطة لتمكين مؤسسات الدولة من استخدام «الحوسبة السحابية»    المتحدث باسم مكافحة وعلاج الإدمان: نسبة تعاطي المخدرات لموظفي الحكومة انخفضت إلى 1 %    خبير تغذية: الشاي به مادة تُوسع الشعب الهوائية ورغوته مضادة للأورام (فيديو)    أخبار × 24 ساعة.. ارتفاع صادرات مصر السلعية 10% لتسجل 12.9 مليار دولار    "مبقيش كتير".. موعد وقفة عرفات وعيد الأضحى 2024    حجازي: نتجه بقوة لتوظيف التكنولوجيا في التعليم    وزير الري: إيفاد خبراء مصريين في مجال تخطيط وتحسين إدارة المياه إلى زيمبابوي    استعدادات مكثفة بجامعة سوهاج لبدء امتحانات الفصل الدراسي الثاني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بالفيديو.. قلب الشهيد بينادي 'فين حق دمي يا بلادي؟'

أنهكتهم المطالب والهتافات وأحبطتهم الادعاءات التي تعرضوا لها منذ منتصف الأسبوع الماضي وقبلها تأجيل محاكمة من قتلوا أبناءهم إلي سبتمبر المقبل في سيناريو بات معتادًا ومكررًا فقرروا الحصول علي استراحة محارب
لعلهم يستعيدون بعضا من قوتهم. تلك هي الحالة التي عليها أسر شهداء 25 يناير والذين كانوا قد أعلنوا اعتصامهم أمام ماسبيرو منذ أيام مضت دون أن يصدر منهم أي سلوك خارج علي القانون رغم الحسرة وحرقة القلب التي يشعرون بها علي فقدان أبنائهم. شهادة نقولها أمام الله في ظل كل الأحداث التي تطورت منذ الأربعاء الماضي وما تلاها من الإعلان عن جمعة القصاص التي شاركت فيها ائتلافات عدة، لكن لم تشارك فيها الأغلبية من أسر الشهداء.
في هذا الأسبوع الكثير من الأحداث والتفاصيل بدأت منذ فجر الاثنين 27 يونية عندما ثار الغضب أمام مستشفي قصر العيني الفرنساوي عندما ماطلوا في استخراج جثة محمود خالد قطب أحدث شهيد ضمن القائمة التي أصبحت تحمل حتي الآن الرقم 847.. ثار الجميع حتي خرجت الجثة بعد معاناة طويلة مرة مع المرض والإهمال ومرات مع صعوبة استخراج تصريح الدفن لتتم الصلاة علي محمود وسط ميدان التحرير لتتجدد الحرقة في القلوب علي كل شهداء مصر الذين راحوا غدرًا وهم في عز شبابهم.
محمود خالد قطب كان أول ضحايا الضرب بالرصاص وسيارات الأمن المركزي. استمرت آلامه خمسة أشهر كاملة بين إهمال مستشفيات الحكومة وقرح الفراش حتي أنقذته أيادٍ بيضاء لملائكة من فاعلي الخير.
محمود مات في الخمسة اشهر ألف مرة وصرخت عليه أمه آلاف المرات وهي تري زهرة عمرها تذبل بلا أمل وتتأخر حالته يوما بعد آخر حتي عاد إلي وضع الجنين في بطن أمه.. أتدرون لماذا؟ لأن سيارة الأمن المركزي القاتلة دهست مخ محمود بلا رحمة وبلا وعي.. كانت تنتقم من كل المتظاهرين في شخص محمود، هرست المخ وكسرت عظام الجمجمة حتي لم يبق منها مقدار سنتيمتر سليماً لتترك الشاب الذي كان ظهيرة يوم 28 يناير يملأ شقة أسرته بشارع الفجالة حيوية وضحكاً مجرد بقايا بني آدم لم يفعل شيئا سوي أنه خرج مع كل الشباب من جيله ينادي بالحرية.
جنازة محمود ربما تكون قد جاءت في وقتها ليعرف الجميع أن الشهداء مازالوا يتساقطون وأن العداد لايزال ينتظر المزيد من الضحايا ليتذكر كل من ينسي ضميره ويتهاون في حقهم أن هذه الدماء الطاهرة مازالت تنادي بالقصاص وأنها غير راضية عن كلَ من يبيع دم الشهيد.
اسمعوا واقرأوا قصة محمود كل يوم..اجعلوها الزاد الذي تشحنون به بطارية حب الوطن لأن محمود وكل الشهداء والمصابين أدوا ما عليهم لهذا الوطن وبقي لهم عندنا رد الجميل.
شهم من صغره
قصة محمود خالد خلف الشاب الذي لم يتعد عمره 23 سنة لم تبدأ من يوم 28 يناير بل منذ كان صغيرًا. عاني الكثير.. ربته جدته لأمه وكانت تراه منذ صغره رجلاً يملأ الدنيا.. شهماً في تصرفاته وفي خوفه علي بنات خالته وحمايته لأمه وأخواته غير الشقيقات.
الثلاثاء الماضي كنا في منزله نقدم العزاء في شهيد مصر. وعلي الفور كان موعدنا مع الحاجة صالحة.. اسم يعرفه كل أهالي المصابين والشهداء تتواصل مع الأهالي منذ يوم 25 يناير وتوفر العلاج نيابة عن سيدة عظيمة اسمها 'هبه السويدي' تابعت حالة الشهيد محمود وكانت مسئولة عن الانفاق علي علاجه منذ دخوله مستشفي قصر العيني الفرنساوي بعد معاناة مع مستشفيات حكومية كثيرة حتي استرد الله وديعته.
في أحد أركان المنزل كانت تجلس جدته زينب محمد محمود تردد جملة واحدة وتتوقف بعدها لتنهمر الدموع 'كان أول فرحتي.. أنا اللي ربيته.. كان عايش معاي ومع أمه في نفس البيت. كان نور عيني اللي راحت.. كان كل حياتي.. ماكنش ممكن أنام إلا بعد ما اتعشي معاه واضمه لصدري.. وفي يوم 28 يناير نزل المظاهرات بعد صلاة الجمعة.. قلت له: بلاش تنزل المظاهرات يا محمود.رد وقال لي: لازم أنزل يا ستو إنتي عاجبك الذل والبطالة اللي احنا فيها. هانزل ساعة واحدة وهارجع تاني وها تغدي معاكي.. لكنه نزل ومارجعش عرفت إنه إنصاب نزلت أجري أنا وأمه واخواته ع السلم وقعت ومن يومها وظهري إنكسر من السلم ومن حزني علي أول فرحتي نور عيني يا بني'.
رحمة أنور محمد أم الشهيد التي مازالت تبكي وترفض كل محاولات من جاءوا لمواساتها للتوقف لحظة لاسترداد أنفاسها التي تقطعت وهي تصرخ علي ابنها الكبير الذي كان بلسم حياتها والمعين معها علي تربية أخواته من أبيه ومن أمه.. تحمل صورته بين حنايا صدرها تنظر إليه ثم تعاود البكاء.. وعبثا حاول كل المحيطين بها إقناعها بتناول شربة ماء واحدة. فقد كانت طوال الأشهر الخمسة الماضية لديها يقين بأن محمود سيعود معها علي قدميه. كانت تصر علي أن تدخل إليه في غرفة الرعاية المركزة تلمس يديه وتتحدث إليه.. فقد كانت تريد منه كلمة واحدة تعيد إليها الأمل. صحيح أنه حققه لها قبل أن يتوفاه الله بلحظات عندما أمسك يديها ونظر إليها ثم انتهي كل شيء. لكن نارها ستظل مشتعلة علي محمود إلي الأبد.بصعوبة بالغة تحدثت أم الشهيد عن محمود الذي كان طموحه أجمل ما فيه؛ فقد دخل كلية التجارة؛ إدارة أعمال قسم محاسبة، لكن ضيق ذات اليد جعله يترك الدراسة ويبحث عن عمل للإنفاق علي إخوته. عمل في فندق لكنه تركه لأنه كان يقدم خموراً. قال لي: يا أمي سامحيني. هاسيب الشغلانة دي لأني بأصلي وحاسس إن ربنا مش هايبارك لي فيها. وبعد شهور اشتغل جزمجي. حمد ربنا علي القرشين اللي كان بيكسبهم وبيساعد بيهم نفسه وإخواته.
تكمل الأم الحزينة: كان عاوز يتجوز والايجار غالي والعيشة تعبانه. عشان كده نزل المظاهرات من يوم 25 يناير مع كل شباب مصر. وتتوقف الأم عن الكلام لتصمت وتكمل الدموع بقية حكاية محمود الذي نزل إلي الميدان كما تقول أخته لأمه 'ندي محمد': أخويا محمود نزل الميدان بعد صلاة العصر الساعة كانت 3.30 ومن ساعتها وإحنا كنا مش عارفين حاجة عنه. الاتصالات مقطوعة والمظاهرات من شارع رمسيس لحد التحرير. كنا كلنا قلقانين لغاية الساعة 8 بالليل وأخويا لم يرجع للبيت. بدأنا ندَّور لما عرفنا إنهم ضربوا نار علي المتظاهرين.. جرينا علي الهلال وفعلا وجدنا اسم محمود أخويا في أول الأسماء التي دخلت إلي المستشفي وعرفنا إن فيه اتنين من أصحابه 'أيمن ومعتز' دخلوا معاه مستشفي الهلال وماتوا في لحظتها. كنا مش عارفين أخويا مصاب فين وإيه إللي جري له. وجدناه في الرعاية المركزة وقال لنا الدكتور هناك إنه أصيب برصاصة في عينه وإنه بعدها سقط علي الأرض وإن سيارة ضخمة من سيارات الأمن المركزي هي التي هرست مخ أخويا محمود بعد أن أدي الرصاص إلي تفجير العين تماما كما أدي إلي تهتك الأخري بإصابات يصعب معها الرؤية مرة أخري وأن السيارة الضخمة 'سيارة أمن مركزي وليست سيارة دبلوماسية' وهي التي أدت إلي تهتك المخ وتفجير الخلايا الأمامية ونزيف في مركز الوعي وكسر في الحوض وكسر في العمود الفقري وشلل في القدمين بالإضافة إلي غيبوبة كاملة.
رحلة عذاب
رحلة عذاب عاناها الشهيد وأسرته منذ دخوله مستشفي الهلال ومرارة البحث عن طبيب لإجراء عملية في عينيه ثم نزيف المخ ليقول الأطباء لأمي في الهلال: ابنك مفيش فيه أمل. ابنك اعتبريه ميت. صرخت أمي فيهم وطلبنا نقله إلي معهد ناصر.
وهنا تكمل ابنة خالة الشهيد منة الله: شفنا العذاب لنقل ابن خالتي إلي معهد ناصر وهناك عرفنا معني إذلال المريض وكيف أن الخدمة السيئة تؤدي إلي تدهور حالة المريض وهو ما حدث مع محمود.. الذي ظل في المعهد فترة أخري من العذاب والمعاناة ليخرج من المعهد وحالته أسوأ بل يعاني قرحة فراش وارتشاحاً رئوياً ودموياً وحشرات في رأسه وجسمه نتيجة عدم الرعاية.
تبكي'منة الله' وهي تحكي ما حدث لابن خالتها الذي يصفونه هو وكل زملائه في الخارج بأنهم أبطال ليجدوا هؤلاء الأبطال وقد رموهم علي الأرض بلا رعاية آدمية. وتقول كنا نشتري كل شيء من الحقن المنشطة للمخ وحتي البامبرز والمطهرات والشامبو والقطن. ورغم ذلك كان الإهمال في التعامل مع المصابين هو السمة السائدة.
تكمل: عملنا جروب علي الفيس بوك لإنقاذ محمود ونقله من المعهد بأي طريقة حتي توصلنا إلي سيدة الأعمال هبة السويدي وهي سيدة تستحق أن يتم عمل تمثال لها في كل شارع في مصر.. وعلي الفور قامت بنقل محمود إلي الرعاية المركزة بقصر العيني الفرنساوي وتحملت جميع التكاليف لتستقر حالة محمود عند وضع الغيبوبة الكاملة.
وهنا تكمل الحاجة صالحة وتقول: عرفنا بحالة محمود من بعض شباب الثورة وعلي الفور تحملت السيدة هبة السويدي علاجه مثلما تفعل مع أي مصاب للثورة حيث قامت حتي الآن بعلاج آلاف المصابين دون أن تعلن ذلك.. بل إنها قد تغضب إذا نشرتم هذا الكلام.. لكنني أقوله لكي يعرف الجميع مدي الظلم الذي يتحمله الشباب والإهمال وعدم الرعاية التي هي واجب علي الحكومة التي تقول إنها جاءت لإعادة كرامة المصريين والحفاظ علي حقوقهم وأولها حق العلاج؛ وهو ما لم يتحقق.. ولعل ما حدث مع الشهيد محمود خالد أكبر دليل علي ذلك. كما تقول الحاجة صالحة: محمود لم يتم إجراء أي عمليات جراحية له لأن مشكلته كانت في توقف المخ نتيجة ما حدث له والدهس الذي تعرض له وضرب الشوم علي دماغه كل هذا أدي إلي الغيبوبة الكاملة التي دخل فيها من يوم 28 يناير.. فقد كان التكسير في جسمه شديداً وكنا طوال هذا الوقت نحاول علاج الكسور والقروح والتقيحات الموجودة في جسده نتيجة الإهمال الذي تعرض له. وما استطعنا عمله هو شق حنجري حتي يتمكن من التنفس.. لكن حالته كانت تتدهور يوما عن الآخر حتي أن جسمه بدأ يتقوقع حتي وصل إلي وضع الجنين إلي أن توفاه الله لتستمر مأساة محمود وأسرته بعد وفاته عندما فوجئوا بمساومات تتم لاعتبار وفاة محمود مجرد حادث سيارة عادية مقابل إعطاء أسرته تصريح الدفن وعندما صرخوا فيهم ورفضوا قالوا لأسرته: إذن لابد من تشريح الجثة لينضم إلي أسرة محمود عدد كبير من شباب الثورة وقفوا يهتفون باسم الشهيد ليحضر وكيل نيابة السيدة زينب كما يقول أيمن عماد المحامي وابن خالة الشهيد محمود فقد ذهبت لعمل محضر في قسم السيدة زينب بوفاة محمود واخبرت وكيل النيابة عند حضوره بأن هناك بلاغاً بإصابة محمود منذ 28 يناير الماضي ضد وزير الداخلية منذ 7 فبراير لدي النائب العام وقد تفهم وكيل النيابة الأمر وقرر إخراج الجثة الساعة 5.30 مساء بعد أكثر من 12 ساعة من الوفاة.
تصاعد الأحداث لمصلحة مَن؟
دفنوا محمود وارتضت أسرته بأمر الله ومعهم المئات من أسر الشهداء الذين ظلوا يهتفون ضد تأجيل المحاكمات مطالبين بالقصاص العادل ليحدث أمر شديد الغرابة تزامن مع حكم المحكمة الإدارية بحل المجالس المحلية الثلاثاء الماضي وهو ما تكشف عنه أسر الشهداء: قالوا في هذا اليوم: جاءت لنا سيدة لتخبرنا أن رئيس الوزراء عصام شرف سيقابل مجموعة منا يوم الأربعاء الساعة الثانية عشرة ظهرا.. وكنا وقتها في ماسبيرو لنجد حوالي 15 شاباً جاءوا يهتفون باسم الشهداء ثم أخذوا البوسترات وتحركت مجموعة منهم إلي التحرير وفي هذا الوقت كان فيه مجموعة من الأسر يتم تكريمها في مسرح البالون عن طريق إحدي الجمعيات الخيرية لنجد بعد ذلك تطورا في الأحداث بدأ بالتراشق بالحجارة والضرب ثم بالتوازي التكسير في مسرح البالون.
أحداث كثيرة تبرأت منها أسر الشهداء الذين عادوا إلي بيوتهم منذ الثلاثاء الماضي بنار في قلوبهم وموعد مع رئيس الوزراء تبين أنه مجرد شائعة وإعلان عن جمعة قصاص لم يشارك فيها أغلبهم لأنهم أُرهِقوا كثيرا خلال الأسبوع السابق لجمعة القصاص ولأنهم لا يعرفون إلي أين تسير الأحداث.
جمعة القصاص
يلتقط الحدث القوي السياسية ربما ليكملوا ما لم تستطع أسر الشهداء الغلابة اكماله بأن طالبوا ومعهم العديد من المنظمات الحقوقية بأهمية علانية محاكمة الضباط و المسئولين عن قتل الشهداء، والتخلي عن طول فترة المحاكمات دون صدور أحكام قضائية حتي الآن بعد مرور خمسة أشهر علي الثورة، وتشكيل لجنة وطنية مستقلة للكشف عن المتورطين في الثورة المضادة من عناصر الحزب الوطني المنحل و رموز النظام السابق التي تسعي لضرب الاستقرار في مصر وإعلان نتائجها بشفافية أمام الشعب.
المنظمات الحقوقية التي انتشرت في ميدان التحرير أجرت استطلاع رأي حول الأحداث أوضحت فيه حرص المصريين علي الاهتمام بقضايا العدالة في المرتبة الأولي عند التعامل مع قضايا الثورة لوجود حالة من الاحتقان والغضب الشديد بين ائتلافات الثورة والقوي السياسية والاجتماعية، بسبب حالة التقصير والسلبية من قِبل حكومة الدكتور عصام شرف رئيس الوزراء طوال خمسة أشهر كاملة في التعامل مع ملف الشهداء والمصابين في الثورة، و تأخر إصدار قرار من المجلس الأعلي للقوات المسلحة لانشاء صندوق لرعاية أسر الشهداء والمصابين تقديرًا لتضحياتهم بأرواحهم من أجل مصر والذي صدر قرار بإنشائه الخميس 30 يونية قبل جمعة القصاص للشهداء بيوم واحد.
الاستطلاع تضمن عددا من المطالب التي يراها المشاركون في جمعة القصاص ضرورية ومنها ضرورة الاهتمام بقضايا العدالة ورعاية أسر الشهداء وإنصافهم في المحاكمات الجنائية للقتلة وتطهير جهاز الشرطة من العناصر التي تعمل ضد مصالح الوطن بعد الثورة والإسراع بتحقيق مطالب وأهداف الثورة دون تقصير من مجلس الوزراء و المجلس الأعلي للقوات المسلحة الذي يدير شئون البلاد.واتخاذ قرارات حاسمة بإقالة رموز النظام السابق والحزب الوطني المنحل الذين يتولون مناصب رسمية وتنفيذية في مؤسسات الدولة والأجهزة الحكومية.. لأنهم يدعمون الثورة المضادة ويهملون قضايا الشهداء والمصابين بصورة متعمدة، وسرعة محاكمة قتلة الشهداء وأولهم الرئيس المخلوع حسني مبارك وحبيب العادلي وحسن عبد الرحمن وإسماعيل الشاعر وعدلي فايد وأسامة المراسي بصورة علنية، وإجراء محاكمات عادلة وعاجلة للنظام السياسي السابق ورموزه في الجرائم التي ارتكبت في مجال الفساد السياسي والاقتصادي قبل الثورة، وتحقيق العدالة والقصاص لدماء الشهداء لأن دماءهم وحقوقهم لن تسقط بمرور الوقت، وتمكين أهالي الشهداء من حضورالمحاكمات، وعدم إهدار دماء الشهداء والمصابين و تضحيات الشعب المصري في الثورة.. والتصدي لجميع الضغوط والتهديدات بالقتل وأعمال الترهيب التي تتعرض لها أسر الشهداء ليغيروا أقوالهم في الوقائع التي يتم التحقيق فيها والتنازل عن القضايا المقدمة منهم أمام القضاء وتقديم المتورطين عنها للقضاء، والحفاظ علي حقوق الشهداء وأسرهم والدفاع عنها وتلبية متطلباتهم الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية في فقد الأسرة العائل وحرمانهم من وجوده معهم لأن غالبيتهم من أبناء الطبقة الفقيرة.
الاستطلاع تضمن المطالبة بسرعة صرف التعويضات المناسبة للمصابين الذين عرَّضوا حياتهم للموت من أجل نجاح ثورة الشعب المصري ومساعدتهم في العلاج في داخل مصر وخارجها وتوفير فرص العمل لهم بصورة تحفظ كرامتهم وكبرياءهم، ووقف إحالة المدنيين أمام المحاكم العسكرية وإجراء المحاكمات من جديد أمام القضاء الطبيعي، وعدم تكرار الاستخدام المفرط للقوة من أجهزة الشرطة وقنابل الغاز منتهية الصلاحية والرصاص الخرطوش والمطاطي في ضرب أبناء مصر من شباب الثورة الذي حدث يومي 28و29يونية بميدان التحرير، والكشف عن الشخصيات التابعة للنظام السابق التي قامت بتمويل أحداث يومي 28 و29 يونية ونقلهم البلطجية في ميكروباصات أمام مسرح البالون لضرب أسر الشهداء ونقل الطوب وكسر الرخام للاعتداء عليهم بميدان التحرير.
الاستطلاع أكد أن تطهير وزارة الداخلية يبدأ باستبعاد المتهمين في قضايا قتل وتعذيب المتظاهرين لحين انتهاء التحقيقات معهم، ووقف سياسة العنف المنظم الذي يمارسه بعض ضباط وزارة الداخلية ضد المتظاهرين والتحقيق معهم، وقيام وزارة الداخلية باستبعاد الضباط والقيادات التي تعمل ضد الثورة من الوظائف القيادية والتعامل مع المواطنين، ووضع تدابير أمنية جادة للقبض علي البلطجية الذين يسعون لزعزعة الاستقرار الاجتماعي و الأمني ورفع حماية بعض الضباط لهم.
الإسكندرية علي الخط نفسه
وإذا كان أهالي الشهداء قد قرروا الاستراحة لبعض الوقت وعدم مشاركة الكثير منهم في جمعة القصاص فالوضع في الإسكندرية كان مختلفًا خاصة أنه جاء بعد يوم واحد من تأجيل قضية خالد سعيد إلي شهر سبتمبر ليزداد الغضب في نفوس أهالي الشهداء هناك خاصة أن مزاداً لبيع دم الشهيد في الإسكندرية يسير بخطوات متسارعة أدت إلي تنازل ثماني أسر عن القضايا مقابل 100 ألف جنيه ويزيد بحسب رصد أميمة بكري عضو 'ائتلاف شباب الثورة والتي أكدت أن هناك ضغوطًا علي أهالي الشهداء الذين يصل عددهم إلي 92 شهيدًا وأكثر من 700 مصاب يتعرضون كل يوم لضغوط شديدة من الضباط واللواءات للتنازل عن القضايا.. والأعجب أن من يتوسط فيها عدد من تجار المخدرات والمحامين سيئي السمعة الذين يتحدثون مع اهالي الشهداء مرة بالترغيب ومرات بالتهديد والوعيد.. وقد وصل عدد من تنازلوا عن القضايا حتي الآن أكثر من ثمانية وهو ما أدي إلي استفزاز باقي الأسر ومنهم والدة الشهيد أحمد عادل.. الشاب ذو الثمانية عشر عاما والذي شيعته الإسكندرية مع إخوته من الشهداء برصاص غادر اغتال شبابه في لحظة.
أم الشهيد كلما حدثتني أجد دموعها تسبقها ونار قلبها تتحدث وهي تحكي بمرارة عن المزاد الذي نصبوه علي أرواح الشهداء ورفعوا السعر حتي وصل إلي 150 ألف جنيه مع شقه وجهاز تليفزيزن ' lcd' والمقابل تغيير الأقوال والحصول علي مقابل التنازل عن الحق المدني وتغيير الأقوال.
لوعة أم الشهيد ونار قلبها يشعر بهما والد الشهيد أحمد سعد مصطفي الذي استشهد وترك لأبيه الشيخ المسن زوجة وطفلا لا يتعدي عمرة العامين وجنينا لم يخرج إلي الدنيا. الشهداء مازالوا يتقلبون في التراب حزنا علي ما يحدث ويشعرون بالإهانة هم وأقاربهم الذين مازالوا يحاولون إثبات حق أولادهم بلا جدوي. فهل ينتظرون طويلا وهم يبحثون عن حق ضائع اسمه الحقيقي 'دم الشهيد'؟!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.