تجلس طويلاً فوق صدر الليل لتشيع ظلامه خلف ضحكتها الصبوح وتتصدر بوجهها كل شئ ليتحول لمشهد سينمائي لا تنتهي تفاصيلة ولا تُغلق نهايته عند حرف لتقرأ وتكتب كل الحكايا التي تستلها من سلال الذكريات وتوقظ فينا شغف المعرفة ببراعة قاصٍ تمرس علي الخيال فأبدع في كل واقع . هي أول كاتبة تكتبنا بسطور الحب وأول قارئة تقرأنا بعيون الحب .. هي " الأم " التي إمتهنت صناعة الشغف دون أن تدري وفاقت في محبتها قصص الأساطير دون سابق تخطيط .. تجمع صغار العيون تحت جناحيها بطراوة قلب يضخ الوقت مثلما يضخ الدم من أول الليل حتي مطلع النهار وتكتب علي سبورة الشمس كل صباح ما يحلو لها من عبارات الفرح حتي تستقر جملتها الأخيرة وتتناثر حروفها الملونة فوق قوس قزح وتسقط فيما بعد نجمات الفرح من رحم السماء فوق كفيها وبين وجنتيها لتهدينا من ثغرها سُكر الحكايا لتشكل وجداننا وتزرع فينا ما يسمي إنسانية وهي تعلم أن ما تفعله أسمه في الأصل حياة . وحدها تمضي وتنزع رخوتها من سراديب العمر وتنهض فوق كل حطام لتبني كائنا قُدر له أن يسكنها يوماً وقُدر لها أن تسكنه باقي الحياة .. تجمع السنابل وتنفخ في القشور وتعد خبزاً طيباً يفوح منه الدفء وحِبر الليل يبقي راقداً في شريان أمومتها علي طول اليوم حتي يأتي وقت الحكايا فينتفض ويزأر وتبهرنا تلك العادية البسيطة بنصوص خرافية لم نفهمها ، لنعلم لاحقاً ونتعلم أن حِبر الليل فوق ثغر الأم ما وجِد ليعبث بحيوانات الغابة وملوكها ولا هو سحر تلون بجنيات السعادة وخبث الماكرات منهن ، إنما جاء ليهذب تحت أقدامنا مطبات الحياة لنمضي في غابة أكبر وأعمق بنفس الثبات التي إعتادت أن تمارسه كل صباح وهي تنفخ في قشور القمح مطمئنة بأن خبزاً طيباً سيصنع من هذا القمح ويأكله من تُحب وقتما يلح عليه الجوع فيمتطي إليها رعونته بشهية مهذبة حتي يستقر جوعه عند مائدتها ويستقر خوفه بين يديها فيهدأ ويشبع !.