أحدثت التصريحات التى أدلى بها وزير الخارجية الأمريكى «جون كيرى» مؤخرًا، ردود فعل غاضبة على المستويين الشعبى والرسمى فى مصر، وبدا الأمر وكأن واشنطن تدفع نحو مزيد من الأزمات مع الدولة المصرية، خاصة أن هذه التصريحات تتزامن مع القرارات المعادية التى اتخذها البرلمان الأوربى مؤخرًا على خلفية مقتل الباحث الإيطالى «ريجينى»!! لقد عبر «كيرى» عن قلقه العميق مما أسماه بتدهور حقوق الإنسان في مصر بزعم «إقدام الحكومة المصرية على فتح ملفات التحقيق مع بعض المنظمات غير الحكومية التى توثق انتهاكات حقوق الإنسان على حد تعبيره». ويبدو أن «جون كيرى» قرر الدخول في معركة «استباقية» مع الحكومة المصرية، بل قل مع «الشعب المصرى»، إذ تجاهل الأسباب الحقيقية وراء الإجراءات التى اتخذها القضاء المصرى مؤخرًا، وراح ينذر ويحذر، فى تدخل سافر فى الشئون الداخلية للبلاد.. إنها ليست المرة الأولى التى تتعمد فيها واشنطن، الخروج على كل القوانين والأعراف الدبلوماسية، وبالقطع لن تكون الأخيرة، ذلك أن سجل الإدارة الأمريكية مكتظ بهذه التدخلات السافرة دفاعا عن هذه المنظمات والتقارير الصادرة عنها. لقد شنت وزيرة الخارجية الأمريكية الأسبق «هيلارى كلينتون» حملة عنيفة ضد الإدارة المصرية على خلفية صدور قرارات وأحكام قضائية ضد بعض هذه المنظمات وغيرها من المنظمات الأجنبية فى القضية المعروفة ب«التمويل الأجنبى» عامى 2011 2012، وساعتها وصل التهديد المباشر إلى ذروته، ولم يتبق سوى إعلان واشنطن الحرب على مصر، إن لم تسمح بسفر المتهمين الأجانب فى هذه القضية. وهكذا تأتى تصريحات «جون كيرى» لتمضى على الطريق ذاته، الأمر الذى استدعى من وزير الخارجية المصرى سامح شكرى الرد السريع والحاسم بعد يوم واحد من هذه التصريحات. لقد تضمن رد الوزير المصرى ثلاث نقاط هامة يجب التوقف عندها، وهى: 1 التعبير بشكل واضح عن رفض مصر للانتقادات الأمريكية حول أوضاع حقوق الانسان فى مصر، باعتبار أن مثل ذلك الأمر هو شأن داخلى، الشعب المصرى هو الوحيد الذى يملك صلاحية تقييمه، محذرًا من الوصاية والتوجيه من أية جهة أجنبية. 2 أن القاهرة تملك معلومات موثقة حول التجاوزات المستمرة لهذه البلدان فى مجال حقوق الانسان ويقصد أمريكا وغيرها وأن مصر كان بإمكانها توجيه انتقادها لهذه الدول، إلا أنها لم تفعل ذلك علنا، بل اكتفت بتوجيه انتقادات من خلال القنوات المناسبة والأطر الثانوية، وهذه بالقطع رسالة هامة ومباشرة تقول لواشنطن: «إن بإمكاننا أيضا أن نفتح ملف الإدارة الأمريكية وبعض الدول الأوربية وتجاوزاتها فى ملف حقوق الانسان»!! 3 أن مصر ترفض منطق الحماية العابرة للقارات لهذه المنظمات المتجاوزة، وأن دول العالم لديها قوانين تحكم نشاط مثل هذه المنظمات لحماية الأوضاع الداخلية وأمن واستقرار هذه الدول، وهو نفسه ما تقوم به مصر، منتقدًا عملية التمويل الأجنبى التى لا تحكمها ضوابط أو قوانين، ولافتا إلى أن أموال تلك المنظمات يجب أن تذهب إلى الوجهة الصحيحة، وألا تكون لمصالح أشخاص تنطوى ممارساتهم على الإضرار بدولهم، وأن يتم انفاق هذه الأموال تحت رقابة أجهزة قضائية ورقابية مستقلة. ويبدو أن واشنطن وغيرها من الدول المانحة لا تريد وضع هذه القواعد والاحتكام إلى القانون، بل تريد حرية مطلقة لهذه المنظمات وتمويلات لا تخضع للقانون، لأن ذلك بكل صراحة مرتبط بأهداف إنشاء هذه المنظمات التى أوجدها الغرب لتقوم بالدور البديل للجيوش النظامية الأجنبية فى إشعال الحروب وتفتيت الأوطان. إن الجميع يدركون أن الولاياتالمتحدة وغيرها، لا تتمتع بأية مصداقية فى الحديث عن سجلات حقوق الانسان، داخل بلدانها، أو فى إطار ممارساتها الخارجة التى تسببت في مقتل وتشريد الملايين في دول عديدة، كان أبرزها أفغانستان والعراق في أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر، ومن ثم فهي ليست مؤهلة للحديث عن سجلات الآخرين. إن قضية «التمويل الأجنبي» للمنظمات ذات الطابع الحقوقي، هي قضية أمن قومي، خاصة أن ممارسات هذه المنظمات خلال الفترة الماضية قد كشفت عن عدد من الحقائق أبرزها: أن هذه المنظمات لعبت دورًا كبيرًا في تقديم معلومات وتقارير كاذبة عن أوضاع حقوق الإنسان إلي الدول «الممولة» كانت سببًا في تصعيد الحملات ضد مصر، وتشويه صورتها أمام الرأي العام الخارجي، حيث تم توظيف هذه التقارير كسند لكثير من القرارات الدولية ضد مصر والتي كان آخرها القرارات التي اتخذها البرلمان الأوربي والتي أوصت الحكومات الأوربية بوقف المساعدات العسكرية والأمنية إلي مصر وتصعيد الانتقادات الحادة للحكومة المصرية وانتهاكها لحقوق الإنسان وفق هذه المزاعم المقدمة من بعض هذه المنظمات. أن هذه المنظمات خرجت حتي عن رسالتها المعلنة إلي القيام بأدوار تخريبية في نشر الفوضي واستخدام الأموال المقدمة لتنفيذ مخططات إسقاط الدولة وهو ما تجلي في التقرير الذي قدمته لجنة تقصي الحقائق حول التمويلات الأجنبية التي شكلها د.عصام شرف يوم أن كان رئيسا للوزراء عام 2011، وكذلك الحال ما أسفرت عنه تحقيقات قاضيي التحقيق في هذه القضية وحيثيات الحكم الصادر ضد بعض هذه المنظمات في قضية «التمويل الأجنبي»!! أن عناصر هذه المنظمات تجاوزت القواعد القانونية التي ينظمها قانون الجمعيات الأهلية في تلقيها تمويلات مشبوهة علي غير القواعد المحددة في هذا القانون، حيث يجري استخدامها في أغراض مرتبطة بأهداف استخباراتية خارجية ضد أمن البلاد واستقرارها، وهو ما سبق للحكومة المصرية أن حذرت منه أكثر من مرة. أن نشطاء وعناصر هذه المنظمات ارتكبوا جريمة التهرب الضريبي، حيث رفضوا أن يدفعوا نسبة الضرائب المحددة في القانون عن بعض هذه الأموال التي دخلت إليهم بموافقة وزارة التضامن الاجتماعي لصرفها في أغراض محددة، مما يشير إلي أن دعاة حقوق الإنسان والقانون، هم أول من يتجاوزون هذه الحدود، وهذا دليل جديد علي أن القضية بالنسبة لهم، ليست أكثر من «سبوبة» علي حساب الأمن القومي والمتاجرة بأعراض الأوطان. أن الحملات المعادية التي راحت تنطلق بالتزامن ضد مصر وحكومتها، لا تستهدف فقط إنقاذ رقاب «الطابور الخامس» من مقصلة القضاء المصري العادل النزيه، وإنما تستهدف أيضًا إجبار الحكومة المصرية علي طي صفحة القضية )250( أمن دولة عليا التي ستمثل فضيحة لبعض هذه الدول وأنشطتها المعادية وتدخلاتها السافرة ومخططاتها المشبوهة لإسقاط الدولة المصرية منذ قبل وأثناء وبعد ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011. ومن الواضح أن الجهات الاستخباراتية في هذه البلدان توصلت إلي معلومات عن عزم الحكومة المصرية تقديم هذه القضية إلي النيابة العامة لبدء التحقيقات فيها، فجن جنونها، وراحت تمارس الضغوط سرًا وعلانية، لأن الأدلة التي تم التوصل إليها في هذه القضية ستمثل «ووترجيت» جديدة لأمريكا وحلفائها وعملائها. إن الهجمة علي مصر بلغت مداها، والتقت حملات الداخل من بعض ممارسات «النشطاء» وبعض الإعلاميين مع الأصوات والممارسات الخارجية التي تستهدف الدولة والنظام علي السواء، وفي كل مكان ولا يزال الإرهاب هو العامل المشترك بين هؤلاء، وكان حادث السبت الدامي الذي استشهد من جرائه ثمانية عشر شهيدًا من رجال الشرطة هو دليلاً جديدًا علي أن المؤامرة تتصاعد ضد أمن البلاد واستقرارها. وإذا كانت مصر تواجه كل هذه التحديات بعقيدة وإيمان لا يلين إلا أن آليات المواجهة يجب أن تتطور، علي الصعيد القانوني أو التقني أو السياسي، ذلك أن الحرب المعلنة تتصاعد وتزداد شراسة، ولذلك فقدوا أعصابهم وقرروا الدخول في حرب المواجهة الأخيرة!!