'داعش صناعة أمريكية صهيونية هدفها إعادة رسم حدود المنطقة، لكن السحر انقلب علي الساحر! ساركوزي هدم الدولة الليبية وقتل القذافي وفتح بذلك الطريق لداعش هل يكون الحدث الفرنسي سببًا في إعادة الغرب لرؤيته في التعامل مع الإرهاب؟! إعلان قانون الطوارئ في فرنسا خطوة هامة، ولكن ماذا إذا فعلتها مصر؟! القانون يراقب ويحدد الإقامة ويجرد القضاء من سلطاته ويطلق يد الأمن.. أين نشطاء 'السبوبة'؟! لم يكن حادث باريس مفاجئًا، ربما كان صادمًا، لكن كثيرًا من صناع القرار والمحللين، كانوا علي ثقة بأن تنظيم داعش وعناصر الإرهاب التي تم زرعها ورعايتها في بلداننا العربية، سوف تنقلب عليهم، وتنقل نشاطها إلي بلدانهم، بالضبط كما فعلت 'القاعدة' التي جري استخدامها، ثم انقلب السحر علي الساحر!! يبدو أن الغرب لم يتعلم الدروس بعد، فبعد سقوط مخطط 'الشرق الأوسط الجديد' الذي كانت تقوده 'جماعة الإخوان' في أعقاب ثورة الثلاثين من يونية، وانحياز الجيش لها، بدأت أمريكا وإسرائيل والغرب من خلفهما يدفعان بالبديل الجديد الذي عهد إليه باختراق الحدود وإعادة رسمها، بما يدفع إلي تفتيت الدولة الوطنية، وإنشاء الكيانات والكانتونات الطائفية والعرقية بديلاً عنها. لقد جاءت أحداث باريس التي أدت إلي مقتل 129 وجرح 352 آخرين، لتعيد طرح السؤال القديم الجديد، كيف الطريق إلي القضاء علي الإرهاب وتمدده في العالم العربي وصولاً إلي أوربا؟! إن الإجابة علي هذا السؤال تحتاج إلي وضع النقاط علي الحروف والتصدي للأزمة وأسبابها بكل صراحة ووضوح، حتي يمكن وضع العلاج الناجع، والتواصل إلي توافق إقليمي ودولي حول سبل المواجهة. ولا يمكن الحديث عن هذه الأزمة، والأحداث الإرهابية الأخيرة دون التطرق إلي جذور الإرهاب في المنطقة وأسبابه ومنابعه الأساسية، ذلك أن الكل يدرك أن للغرب وأمريكا وإسرائيل تحديدًا دورًا معروفًا في خلق هذه الكيانات، والطلب من الحلفاء وتحديدًا 'قطر وتركيا' مدها بكافة المساعدات المالية واللوجستية، والتعامل بمعايير مزدوجة مع هذه الكيانات دون التطرق للظاهرة ومواجهتها بشكل كامل في المنطقة. وإذا كانت الجهات الأمنية في فرنسا قد أشارت إلي أسماء بعينها تنتمي إلي جنسيات عربية مختلفة وبدأت تحقق في احتمالية ضلوعها في هذه الأحداث، فيجب أن يتناول التحقيق أيضًا المسئولين الفرنسيين وتحديدًا 'ساركوزي' الذين تورطوا في تدمير الدولة الليبية وإسقاطها وقتل رئيسها معمر القذافي، فكان البديل الطبيعي هو 'داعش'. ويجب أن يوجه الاتهام أيضًا إلي من دعموا داعش علي الأرض السورية والعراقية وقدموا لها كافة المساعدات وتراخوا في مواجهتها بعد أن قوي عودها وراحت تهدد دول الجوار. إن هذه المكاشفة والمواجهة هي من الأهمية بمكان، خاصة وأن رئيس الوزراء البريطاني الأسبق 'توني بلير' أدلي مؤخرًا بتصريح خطير أبدي فيه اعتذاره عن مشاركته في الحرب ضد العراق، دون التأكد فعليًا من وجود أسلحة دمار شامل علي أراضيه، وهو ما كذبته الوقائع بعد ذلك، وهو نفس الاعتراف الذي أدلي به مسئولون أمريكيون كان من بينهم الرئيس أوباما، الذي أكد أن الغزو الأمريكي للعراق كان سببًا في ولادة تنظيم داعش وغيره من التنظيمات الإرهابية. ومن الواجب أيضًا علي هذه البلدان أن تضع أجندة واضحة للمخطط الذي أكد عليه الرئيس الفرنسي في مواجهة الإرهاب بكل قوة وحسم في الفترة القادمة، يجب إنهاء ازدواجية التعامل، والاتفاق علي معايير موحدة للتعامل مع الإرهاب، فليس مقبولاً أن يجري تكوين تحالف دولي لمواجهة داعش في سوريا، بينما يتجاهل وجود التنظيمات الإرهابية في العراق وليبيا وغيرهما، إن ذلك يعني توظيفًا لحسابات سياسية بعينها!! ويجب أيضًا أن تتوقف أمريكا والغرب عن التدخل في الشئون الداخلية للدول، وأن توقف حربها ضد الرئيس بشار الأسد باعتباره رئيسًا شرعيًا لسوريا وأن تمد يد العون له وأن تتوقف عن عرقلة الدور الروسي الجاد والمخلص في مكافحة الإرهاب، وأن تطلب من حلفائها التوقف عن دعم هذه التنظيمات الإرهابية بالمال والمساعدات اللوجستية، وأن تترك الدول المعنية تتخذ إجراءاتها في تجفيف منابع الإرهاب دون ضغوط أو تدخل سافر أو التهديد بفرض إجراءات عقابية عليها. إن المتابع للإجراءات التي اتخذتها الحكومة الفرنسية في أعقاب الأحداث الإرهابية الأخيرة وهي محقة فيها من حقه أن يتساءل: لماذا يثور الغرب عندما تسعي حكومات بلداننا إلي اتخاذ إجراءات هدفها التصدي للإرهاب وعناصره ووقف العمليات الإجرامية التي تشنها ضد الآمنين ومؤسساتت الدولة؟! لقد قرر الرئيس الفرنسي 'هولاند'، فرض حالة الطوارئ في البلاد، لمجرد وقوع حادث واحد، أيا كانت خسائره، فهل يعرف الناس ماذا يعني فرض حالة الطوارئ في فرنسا؟ إعلان حالة الطوارئ فيها تعني: منح قوات الشرطة والقوي المدنية سلطات استثنائية للتدخل أو فرض مناطق حماية خاصة في حالة الاعتقاد بوجود تهديد أمني ورفض دخول أي شخص يعتقد أنه يمثل تهديدًا أمنيًا. يفوض كل محافظ في منع الأشخاص والآليات ضمن الأماكن أو خلال الأوقات المحددة في مرسوم خاص. تشكيل نقاط أمنية تخضع فيها الإقامة لضوابط ونظم خارجية. منع إقامة أي شخص من شأنه أن يعيق بشكل أو بآخر عمل السلطات المحلية. يتم إغلاق الأماكن العامة والمسارح والمكتبات والمقاهي وقاعات الاجتماع والبلديات، وتخول حالة الطوارئ السلطات الوطنية فرض نوع من الرقابة علي الصحافة والمنشورات وبرامج الراديو ومحتوي دور السينما والعروض المسرحية. يحق بمقتضي هذا القانون تجريد السلطة القضائية من حقوقها المتعارف عليها، فتحوز السلطات الإدارية سلطات التفتيش ليلا نهارًا وتطلق يد القضاء العسكري للتحقيق في أمور من خارج صلاحياته. تلك بعض صلاحيات قانون الطوارئ الذي تم الإعلان عن العمل به في أعقاب الحادث، فماذا إذا أقدمت مصر مثلا علي هذه الخطوة، وهي تواجه في سيناء وغيرها إرهابًا أشد وأخطر علي مدي أكثر من عامين، تري ماذا كان سيقول الغرب، ومنظماته المدعومة من قبل أجهزة الاستخبارات؟ الاجابة واضحة ومعروفة، بالقطع كان سيطلق آلته الإعلامية ونشطاء 'السبوبة' الذين يقوم بتمويلهم، بل إن الأمر سوف يمتد إلي إدانات وتهديدات وعقوبات من الحكومات ذاتها. إن السؤال الذي يطرح نفسه، هل استوعب الغرب الحادث؟ وهل سيراجع مواقفه، ويقف بكل جدية إلي جانب الدول التي تواجه الإرهاب، ويكف عن دعم هذه التنظيمات، بهدف استخدامها كأذرع لتنفيذ مخططاته في المنطقة؟ إن الثقافة الغربية والأمريكية منها تحديدًا تظل رغم كل الأزمات تتعامل بازدواجية غريبة، وتوظيف سياسي للأحداث يخدم مصالحها الآنية والاستراتيجية، غير أن الحادث الأخير والذي هو الأخطر منذ حادث قطار مدريد في 2004 يجب أن يمثل نقطة تحول في الفكر الغربي تجاه التعامل مع ظاهرة الإرهاب والأسباب التي أدت إلي تفاقمها.. من حقنا بعد كل ذلك أن نؤكد أن مصر الدولة والشعب والمؤسسات استطاعت بحنكة وقوة وحسم أن تواجه الإرهاب بكل إصرار وأن تحقق انتصارات قوية وأن تقطع شوطا كبيرا في تجفيف منابعه، دون اللجوء إلي إجراءات استثنائية كما حدث في فرنسا أو غيرها. وإذا كانت فرنسا قد استدعت كل ترسانة القوانين وأعلنت حالة الطوارئ، وهي بلد طالما يباهي بديمقراطيته العريقة، فهذا من باب أولي يجعلنا دوما نعطي الأولوية لأمننا القومي، وألا نعطي آذاننا لردود فعل نعرف أهدافها ومراميها.