أصبحت تتحكم في أذواقنا, وترسم كما تشاء ملامح وجداننا, وتمسخ ثقافتنا وهويتنا.. وتشيع القبح والسخافه والركاكة دون أن يردعها رادع, أو يكبح جماحها أحد.ولِمَ لا, فشركات الإنتاج المتحكمة في سوق الأغنية تمتلك الآن قدرات هائلة وأمولاً طائلة, مكنتها من تقليص دور الإذاعه والتليفزيون ووزارة الثقافة, وساعدتها علي الانفراد – دون منافس - بذوقنا العربي. ولم تعد تهتم هذه الشركات بنقد الناقدين, أو اعتراض المعترضين, فهي تسير في خطتها غير عابئة بذلك كله، لأن المحطات الفضائية المتكاثرة تشتري أي شيء لملء ساعات الإرسال المحشوة بأكبر قدر من الإعلانات, خاصة عندما يكون مطعما بالمثيرات 'الغرائزية الرخيصة' فكل ما تنتجه الشركات يباع مهما كان رأي النقاد, فالمال وسطوة الإعلان هما اللذان يتحكمان في كل شيء. الأخطر هو انجراف بعض المطربين والمؤلفين والملحنين الموهوبين الجادين إلي نفس الموجة, فلقد تسربت الإيقاعات النشاز, والكلمات الممسوخة إلي أغاني بعضهم بحجة أن هذه هي شروط السوق, التي ينبغي مسايرتها وإلا انعزل المطرب أو أفل نجمه!! هؤلاء المطربون غير منتبهين إلي أن المستمع العربي مازال يستمتع بأغاني أم كلثوم, وعبد الوهاب, وعبد الحليم وفريد, ونجاة وفيروز, وأن شرائط هؤلاء الرواد - رغم رحيلهم – مازالت الأكثر مبيعا, والطريف ان بعض هؤلاء المطربين ينشدون أغاني أم كلثوم وعبد الوهاب وكارم وحليم في حفلات الموسيقي العربية ومهرجاناتها التي لا تستمر أكثر من أيام معدودات ويعودون بعدها الي الركاكة ومسايرة السوق والركض وراء أموال الفضائيات الهجين ينافسون مطربي 'التوك توك' و'الميكروباص' وتكتفي الاذاعة والتلفزيون بتقدبم حفلات الموسيقي العربيه دون ان تطور من ادائها في انتاج اغان حقيقية تحارب الاغاني الهابطة, لماذا لا تعيد الاذاعة حفلات أضواء المدينة التي كانت تنظم كل شهر في محافظة من المحافظات وتجمع المطربين الحقيقيين والملحنين الموهوبين الجادين لتقدم لأهالينا في المحافظات فنا أصيلا وجميلا؟ ولماذا لا تنتج الأوبرا أغاني لأبنائها الموهوبين وتطرحها في السوق لتنافس وزارة الثقافة منتجي الركاكة والنشاز, فالفن الجميل قادر علي محاربة التطرف والارهاب أفضل من التصريحات المجانية التي يطلقها المسئولون الرسميون في المؤسسة الثقافية وعلي رأسهم السيد وزير الثقافة دون أن تقدم وزارة الثقافة فعلا ثقافيا حقيقيا لتنمية الوجدان وتحصينه ضد القبح والتطرف, المعركه ضد التطرف تبدأ بنشر الجمال الذي ينقي الروح ويحميها من الانحراف الفكري بل ان الملايين التي تصرف علي ندوات ومؤتمرات تدور بين المثقفين والمثقفين في قاعات مغلقه عن سبل محاربة الارهاب ماهي إلا إهدار للمال العام ولو صرفت علي إنتاج اغان جميلة راقيه ومسرحيات جادة جيدة ودعمت فرق الفنون الشعبية لكان تأثيرها أكبر في حصار القبح والتطرف.. ولو بدأت الاذاعة والتليفزيون ووزارة الثقافة بالأغنية ووضعت خطة حقيقية لإنتاج اغان محترمة وجادة وجميلة ستحاصر حتما الركاكة والنشاز اللتين تنشرهما فضائيات القبح التي انفردت بالمواطن المصري تمسخ وجدانه بشراهة وشراسه..