لست مع هؤلاء الذين يصدرون الأحكام بالتآمر والخيانة علي فئة نحن نعرف دورها، وتضحياتها، وندرك أنهم هدف للإرهابيين، وسقط من بين صفوفهم المئات خلال الفترة الماضية. صحيح أن مجموعة من أمناء الشرطة أخطأوا بلجوئهم إلي الاحتجاج والاعتصام أمام مديرية أمن وأقسام محافظة الشرقية، لكنهم لم يلجأوا قطعا إلي التخريب، وكان احتجاجهم بسبب تدني الرواتب وتراجع مستوي المعيشة، في الوقت الذي يبذلون فيه كل الجهد من أجل أمن الوطن واستقراره. بالقطع كنت أتمني ألا تصل الأحوال بالبعض إلي هذه الدرجة، وأن يكون التعبير عن المطالب عبر وسيلة أخري مختلفة، فهؤلاء الرجال هم المسئولون عن الأمن والانضباط، ولا يحق أبدا اللجوء إلي مثل هذه الأساليب، ولكن ليس معني ذلك أنهم أصبحوا أعداء للوطن بين يوم وليلة، وأنهم ينفذون مخططا لصالح جماعة الإخوان الإرهابية. الشرقية كان لها نصيب الأسد في الشهداء من أمناء الشرطة الذين سقطوا ضحية الإرهاب، ومن العيب أن يسعي البعض إلي التحريض ضدهم، وتأليب الشارع عليهم، فهؤلاء هم أبناء مخلصون للوطن، التعامل معهم يجب أن يتم بحكمة وموضوعية، ولا تبخسوا الناس أدوارها التي لن تُنسي. لقد ترددت معلومات تحوي قدرا كبيرا من المبالغة عن الرواتب التي يحصل عليها الأمناء، ونشرت وثائق مزورة تشير إلي أن راتب أمين الشرطة يصل إلي سبعة آلاف جنيه شهريا، والحقيقة أن الأمر غير صحيح بالمرة، فراتب أمين الشرطة يبدأ فقط ب1200 جنيه، وراتب الأمين بعد 15 عاما من الخدمة لا يتجاوز 2900 جنيه شهريا. وهكذا نري أن متوسط الراتب لا يكفي بناء حياة إنسان في مقتبل العمر، يؤدي عمله صباح مساء، ومعرض لخطر الاغتيال في كل وقت، ولكن كان يتوجب أن نبحث عن طرق بديلة للاعتصام والاحتجاج، خصوصا أن الظروف التي تمر بها البلاد ظروف صعبة، والتحديات التي تواجهها خطيرة من الداخل والخارج علي السواء. ومن المؤكد أن مطالب أمناء الشرطة الاقتصادية هي مطالب عادلة، ولكن أيضا يجب أن يكون الحوار هو السبيل الوحيد لحل هذه الأزمة، بعيدا عن لغة التصعيد التي يمكن أن تمتد شراستها لتطال فئات مجتمعية أخري تعاني نفس المعاناة في ظل زيادة الأسعار وتدني مستويات المعيشة. لقد أدار السيد وزير الداخلية الأزمة بحكمة شديدة، لقيت تجاوبا لدي المعتصمين، فعلقوا اعتصامهم، وتركوا قضيتهم أمانة لدي كبار المسئولين في الدولة لاتخاذ القرار المناسب، وأعتقد أن ذلك هو الخيار الصحيح. إن كل ما أتمناه أن يتوقف بعض الوسائل الإعلامية والصحفية عن اتهام الأمناء بالخيانة والعمالة، فهذا تجنٍّ واضح، وحكم غير منصف، وإساءة متعمدة لفئة نكن لها كل التقدير والاحترام، ونعرف حجم تضحياتها من أجل الوطن. وإذا كان البعض يظن أن هذه اللغة قادرة علي إنهاء الأزمة، فهذا غير صحيح، هؤلاء الرجال لا يقلون وطنية عن أي إنسان مخلص لرسالته في هذا البلد، ومن ثم تجب معالجة الأمر بطريقة مختلفة، وترشيد الخطاب الإعلامي تجاههم بعيدا عن لغة الإهانة والتحريض. وإذا كان الرئيس عبد الفتاح السيسي يهتم شخصيا بهذه المطالب، وأعطي توجيهاته إلي الحكومة بالبحث فيها، فلا يجب أن يستمر البعض في إهالة الثري علي هؤلاء الرجال، بل يجب أن تكون اللغة في التعامل معهم مختلفة، فهم جزء من الجماعة الوطنية، هم دفعوا ويدفعون الثمن ويضحون بلا حدود، بينما بعضنا يطلق أحكامه من غرف مكيفة. إذا أردنا حل مشكلة أمناء الشرطة فيجب أن نشعر بمعاناة الأمناء والأفراد، ولا أظن أنهم عندما يعرفون حقائق الوضع الاقتصادي وجدية بحث مطالبهم يمكن أن يكرروا ما جري مرة أخري.