داعش يعلن الحرب علي السكان ويقتل أكثر من 200 شخص في أيام معدودة الحكومة الليبية تستغيث بالعالم ولا مجيب.. والحظر الدولي علي السلاح لايزال ساريًا طائرات مجهولة تدك مواقع داعش.. والجامعة العربية عاجزة عن التحرك تشهد مدينة سرت الليبية معارك طاحنة، بين عناصر التنظيم الإرهابي الذي فرض سيطرته علي أرجاء المدينة منذ شهر يونية الماضي، وبين عناصر سلفية وقبلية تنتمي إلي قبيلة الفرحان وتشاركها عناصر من قبائل أخري. وقد اندلعت هذه المعارك مساء الأربعاء الماضي علي إثر انتفاضة شعبية بعد دعوة دار الافتاء في المدينة الأهالي إلي حمل السلاح في مواجهة التنظيم الإرهابي الذي ارتكب تجاوزات خطيرة، كان آخرها قتل شيخ سلفي كبير أمام سكان الحي رقم 3 في المدينة. وتقع مدينة سرت بين أكبر مدينتين في البلاد وهما طرابلس وبنغازي، كما أنها تعد من أكثر المدن امتدادًا علي السواحل الجنوبية للبحر المتوسط فأصبحت جسر الصلة بين أرجاء ليبيا المختلفة. وقد بنيت مدينة سرت التي يبلغ سكانها نحو 25 ألف نسمة في القرن العاشر الميلادي علي يد الفاطميين علي انقاض مدينة فينيقية تعود إلي القرن الرابع الميلادي وإلي غربها بنيت 'سرت الحديثة'. ويسكن مدينة سرت العديد من القبائل العربية منها قبيلة 'القذاذفة' التي ينتمي إليها العقيد معمر القذافي وقبائل الفرحان وأولاد سليمان والمحاميد والعمامرة وبعض قبائل البربر الصغيرة وغيرها. بدأت المعارك في وقت مبكر من مساء الأربعاء الماضي بعد أن تحركت ميليشيات داعش لمواجهة الانتفاضة المسلحة التي كان عمادها الأساسي قبيلة الفرحان، فاستطاعت قتل وإعدام أكثر من 200 شخص ينتمي أغلبهم إلي أبناء هذه القبيلة. وكان اللافت للنظر في هذه المعارك هو نوعية الأسلحة، التي يمتلكها داعش ويقدمها، وهو أمر يمكنه من قمع الانتفاضة المسلحة سريعًا وبدء عمليات الإعدام العلني في الشوارع والميادين. وتحول مستشفي 'ابن سينا' الذي يقع في قلب المدينة إلي ساحة لتنفيذ الاعدامات دون محاكمات، كما قام التنظيم الإرهابي بالسيطرة علي المستشفي الميداني بالحي رقم 3 واضرم فيه النار وحرق 22 جريحًا كانوا داخل المستشفي مما أدي إلي وفاتهم جميعًا. كان طبيعيًا والحال كذلك، أن يسود الخوف والهلع أنحاء المدينة، فبدأت حشود ضخمة من السكان في الهجرة باتجاه مدن شرق وغرب البلاد هروبًا من عمليات القتل والخطف التي يقوم بها داعش في شتي الانحاء. وقد قام 'حسن الكرافي' زعيم تنظيم أنصار الشريعة الإرهابي في سرت والذي سبق أن أعلن مبايعته ومبايعة تنظيمه الداعشي في توجيه تحذير لكل من يقف مع أبناء قبيلة الفرحان من سكان الحي رقم 3 بحرقهم وقتلهم وهدم بيوتهم وصلبهم في الميادين العامة. وبالفعل وفي مشهد مرعب، قام تنظيم داعش بصلب 12 من أبناء هذه القبيلة في الميادين العامة وتعذيبهم وقتلهم بطريقة وحشية بعد أن قام بفصل رؤوسهم عن أجسادهم. وفي ضوء ذلك بدأت الأوضاع تشهد تدهورًا كبيرًا في المنطقة، وباتت مدينة سرت، مدينة تسودها الفوضي وتجري فيها الدماء انهارًا، وانتشرت عمليات القتل والاعدامات، وتحولت إلي مدينة أشباح. وعلي الفور بدأت الحكومة الليبية الشرعية في توجه نداءات عاجلة إلي الجامعة العربية والمجتمع الدولي للتدخل العاجل وتوجيه ضربات إلي داعش لانقاذ السكان من قبضة الموت. وأصدر مجلس الوزراء الليبي بيانًا يوم السبت الماضي أكد فيه أن الحكومة المعترف بها دوليًا، طلبت من الدول العربية توجيه ضربات جوية ضد داعش كما وصف رئيس الحكومة المؤقتة 'عبد الله الثني' ما يجري في سرت علي أيدي داعش بجرائم الإبادة وناشد المجتمع الدولي مساعدة ليبيا للتصدي للتنظيم. وانتقد رئيس الحكومة الحظر المفروض من قبل مجلس الأمن علي توريد الأسلحة إلي ليبيا ودعاه ألا يبقي مكتوف الأيدي دون الاستجابة لمطالب الحكومة الليبية لردع هجمات داعش. وحمّل رئيس الوزراء المجتمع الدولي المسئولية الأخلاقية عما يجري في البلاد من تدهور للوضع الأمني وأبدي دهشته من ازدواجية المعايير التي تتعامل بها الدول الكبري في محاربة داعش في سوريا والعراق في الوقت الذي تغض فيه الطرف عنه في ليبيا. أما بعثة الأممالمتحدة في ليبيا فقد أدانت ما يجري وقالت إنها حذرت مرارًا من خطر داعش المتزايد والتهديد الذي يشكله التنظيم علي وحدة ليبيا والليبيين بغض النظر عن انتماءاتهم، وطالبت البعثة الليبيين بأن ينبذوا خلافاتهم ويتضافروا لمواجهة داعش. وقد قامت الحكومة الليبية بإجراء اتصالات مع عدد من الدول العربية لمطالبتها بالتحرك وإنقاذ الوضع المتدهور ووقف المجازر البشعة في سرت، وعلي الفور تحركت طائرات مجهولة متقدمة يوم الجمعة الماضي ووجهت ضربات قوية لتنظيم داعش في المدينة. وقد أكدت مصادر ليبية أن الطائرات المجهولة شنت يومي الجمعة والأحد غارات مركزة علي أماكن تمركز تنظيم داعش استهدفت مقرات التنظيم ومخازن الذخيرة وشملت مجمع قاعات سرت ومبني الجامعة وأحد الفنادق علي البحر ومقر المجلس المحلي وهي أماكن تتمركز فيها ميليشيات التنظيم. وشهدت الساعات الماضية تعاونا مكثفا بين القيادة العسكرية الليبية والقيادات العسكرية في الدولة المعنية وذلك للقيام بعمليات مشتركة لن تتوقف إلا بإلحاق خسائر فادحة بالتنظيم والقضاء علي عناصر قوته في المدينة. ولا تزال دول حلف الناتو والولايات المتحدة تتابع الموقف دون تدخل فعلي أو حتي الدعوة لتسليح الجيش الليبي بالرغم من التحذيرات التي أطلقها حاتم العريبي الناطق باسم الحكومة الليبية والذي قال: إن سيطرة داعش علي سرت سيكون لها تأثيرها علي أمن البحر المتوسط في إشارة إلي الهجرة غير الشرعية إلي دول أوروبا عبر البحر. ورغم خطورة الأوضاع إلا أن الدول الغربية والولايات المتحدة لا تحرك ساكنًا، وكأن هناك اصرارًا علي استمرار المؤامرة ضد ليبيا، خاصة أن مجلس الأمن الدولي لايزال متمسكًا بقراره الذي يقضي بفرض حظر توريد الأسلحة إلي الجيش الليبي، رغم مطالبات الحكومة الليبية الشرعية بوقف الحظر المفروض. كما أن جامعة الدول العربية التي منحت الشرعية لقوات حلف الناتو لضرب ليبيا وتدميرها واسقاط نظامها الشرعي تقف الآن صامتة وعاجزة أمام الأحداث الخطيرة التي تشهدها البلاد. ويبقي الرهان علي الموقف المصري، فمصر معنية بالأساس بالتطورات التي تجري علي الأرض الليبية، لأن ما يجري يستهدف أمنها القومي. وإذا كانت المادة '51' من ميثاق الأممالمتحدة تعطي للدول حق الدفاع الشرعي عن أمنها في مواجهة أية مخاطر تهددها، فلن يكون أمامنا من خيار سوي الدفاع عن أمننا القومي، ومواجهة داعش في عقر داره. نحن لسنا في حاجة إلي الإذن من أحد، فأمننا القومي بات مهددًا، ونداءات الحكومة الشرعية يجب أن تلقي أذانا صاغية في مصر، ويجب فضح مواقف الغرب وأمريكا من جراء التواطؤ مع الإرهابيين علي حساب الوطن الليبي وحكومته الشرعية.