أكد الدكتور حسن محمد سليمان مدير عام الإدارة المركزية للوجه البحري بوزارة الآثار أن المصريين القدماء سبقوا غيرهم من شعوب العالم القديم بتقدمهم العلمي الصارخ في شتي المجالات، مشيراًً إلي أن إنشاء قناة السويس هي فكرة مصرية أصيلة. وقال سليمان - في تصريح لوكالة أنباء الشرق الأوسط اليوم السبت - إن فكرة إنشاء قناة السويس القديمة في القرن ال19 لم تكن سوي ترجمة لفكرة وعمل مصري قديم دعمها مصالح اقتصادية لبعض الدول الأوروبية، موضحاً أن مصر القديمة عرفت التجارة البحرية في صورتها الاقتصادية المجردة مضيفاً :' لم تكن رحلة الملكة حتشبسوت إلا ترجمة لذلك، وربما كان هناك قناة مائية بصورة ما استخدمتها حتشبسوت في رحلتها'. وأضاف سليمان أن فكرة التجارة البحرية تطورت لدي الملوك المصريين، وبشكل واقعي لدي الملك سنوسرت الثالث '1850ق.م'، الذي يعد واحداً من أهم ملوك الأسرة ال 12 في الدولة الوسطي، موضحا أنه ' أراد أن يربط البحر المتوسط بالبحر الأحمر، وهي نفس فكرة قناة السويس بكل أشكالها، إلا أنه أراد أن يستفيد من وجود نهر النيل، لتقليل التكفة وتوفيرالجهد أو ربما امكانيات الدولة في عهده لم تكن تسمح بحفر قناة السويس الحالية'. وتابع مدير عام الإدارة أن هذا الملك العظيم قام بإنشاء أول قناة مائية تربط ما بين البحرين المتوسط بالأحمر من خلال نهر النيل عن طريق قناة أُطلق عليها قناة 'سنوسرت أو قناة سيزوستريس'، وهي التسمية التي أطلقها الإغريق علي الملك نفسه كواحد من اسماء اللغات السامية، مشيراً إلي أن هذه القناة كان لها دور اقتصادي في زيادة حركة التجارة بين مصر ودول أوروبا، و تعزيز الثقافة بين مصر وآسيا، ومساعدة المصريين في الحروب ضد أعدائهم. واستطرد قائلاً 'عندما جلس الملك نكاو الثاني علي عرش مصر، وهو أحد ملوك الأسرة ال 26 التي أبدت اهتماما كبيراً بالعلوم والفنون كمحاولة لإحياء النهضة المصرية، اهتم بالنواحي الجغرافية حيث جهز أسطولاً بحريا قام بالدوران حول أفريقيا لأول مرة في التاريخ، ونتج عن ذلك قيامه بحفر قناة تربط بين النيل والبحر الأحمر مباشرة في عام 610 ق.م. وقال الخبير الأثري إنه مع دخول البطالمة مصر زاد اهتمامهم بالنقل البحري نظراً لأهميته كوسيلة لربط بلادهم بالشرق، وحاول بطليموس الثاني توسيع قناة داريوش او نكاو الثاني لكن دون جدوي عام 285 ق.م، وبقيت القناة القديمة كما هي كوسيلة لربط البحرين، وأثناء الحكم الروماني، الذي اهتم بزيادة موارد مصر الاقتصادية حتي يعود علي بلادهم بالخير الوفير، قام الإمبراطور تراجان بتطهير مجري القناة القديمة عام 117 ق.م، وأنشأ فرعاًً جديداً للنيل يربط القاهرة بمحافظة الشرقية ربما متصلا مع الفرع القديم الموصل للبحيرات المرة، أو علي غرار ذلك الفرع وظلت هذه القناة مزدهرة أكثر من 300 عام ثم أهملت بمرور الوقت. ولفت إلي المشروع الإسلامي العظيم، الذي عرف بقناة أمير المؤمنين نسبة إلي سيدنا عمر بن الخطاب عام 642م، عندما قام عمرو بن العاص والي مصر وقتئذ بإعادة حفر وتطهير وتوسيع قناة تراجان أو الفرع الذي يربط بين القاهرةوالسويس، وخلال قرن ونصف القرن ازدهرت التجارة بحرياًً بين شبه الجزيرة العربية ومصر وافريقيا خاصة الشمال الافريقي، حتي أمر الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور بردم القناة من ناحية السويس ليسد الطريق علي أي إمدادات مصرية لأهالي مكة والمدينة أثناء ثورتهم ضد الحكم العباسي. وأكد المسئول بوزارة الآثار أنه بعد اكتشاف طريق رأس الرجاء الصالح أصيب الاقتصاد المصري وكثير من مدن إيطاليا بما يشبه الشلل، مما جعل أمراء تلك المدن يعرضون علي السلطان الغوري فكرة حفر القناة القديمة لتربط البحرين الأحمر بالمتوسط وذلك اثناء زيارتهم لمصر عام 1501م، ثم برزت الفكرة مرة أخري أثناء الحملة الفرنسية علي مصر، ورغم أن هدفها كان عسكرياً، إلا أنها باءت بالفشل نظرا لوجود خطأ في معاينة المهندس الفرنسي لوبير، والذي اعتقد أن مستوي البحر الأحمر أعلي من مستوي البحر الأبيض بحوالي 15 مترا. وأضاف سليمان أنه أثناء حكم محمد علي قام المهندس الفرنسي سيمونيين بمعاينة الموقع سنة 1832، وتبين أن مستوي البحرين واحد ثم عرضت فرنسا فكرة حفر القناة ووافق محمد علي، شريطة أن تلتزم القوي العظمي بحيادية القناة، كما اشترط أن يكون تمويل القناة بالكامل من الخزانة المصرية، إلا أن انجلتراوفرنسا رفضتا شرطي الوالي المصري، ثم قام ديليسبس بعرض الموضوع مرة أخري علي صديقه سعيد باشا والذي وافق علي الفور. وأشار إلي أنه بدأ العمل في قناة السويس يوم 25 أبريل عام 1859، واستغرق حفرها حوالي 10 سنوات، رغم توقف العمل في بعض الأوقات، وشارك في حفرها حوالي مليون ونصف المليون من المصريين، في وقت كان تعداد المصريين حوالي 4 ملايين نسمة أو يزيد قليلاً، موضحا أن مصر فقدت مابين 120 إلي 125 ألفاً من أبنائها أثناء الحفر نتيجة تعرضهم للجوع والعطش وإصابتهم بالأمراض المختلفة، حتي انتهاء العمل بها في نوفمبر 1869 في عهد الخديوي إسماعيل حيث أقام حفل مهيب لافتتاح القناة للملاحة العالمية لأول مرة في التاريخ الحديث، حضرة زعماء وملوك وأباطرة العالم وقتئذ. وأكد خبير الآثار أن قناة السويس أصبحت أهم شريان ملاحي في العالم، ثم قام المصريون بالإنجاز الأكبر ليعيدوا حفر قناة بسواعد وتمويل مصري للمرة الثانية، إلا أن هذه المرة كان التحدي لهم هو إنجاز المشروع خلال عام واحد.