'أنا عارفاك.. إنت الراجل اللي بيوزع كتب'.. هكذا عبرت طفلة ببراءة متناهية ومنحت صاحب الفكرة العبقرية نيشانا ربما يكون الأهم في حياته.. فكرته ببساطة هي حلم دول.. أن تصل الثقافة إلي المحرومين مباشرة.. حتي ابواب بيوتهم.. في شوارعهم الضيقة المتربة التي لا يمكن ان تطأها قدم مسؤول.. عربية الحواديت.. فكرة ولدت علي يد طفلة بينما كان المبدع الشاب مدرس اللغة الإنجليزية هيثم عبد ربه السيد يقف بجوار سيارته ينتظر أبيه، وفي يده مجلة أطفال يتصفحها، اقتربت الطفلة وسألت بعفوية شديدة وهي تمد يدها بصورة غريبة تلمس المجلة وتنظر لصورة الغلاف بدهشة : ايه دي؟ كانت الطفلة لا تعرف معني كلمة مجلة.. فشرح لها : شوية ورق فيهم صور جميلة وحكايات مسلية.. حواديت يعني، فرحت جدا لما سمعت كلمة حواديت وقالت : طيب ومين ادهالك؟ فأجابها : انا اللي مشتريها. صمتت الصغيرة وعندما عرض عليها المجلة بدت في عينيها فرحة من فتحت لها طاقة من الجنة.. هزت راسها موافقة.. وطارت بها.. نادي عليها: - انا في سنة خامسة وهاقراها مع اخوايا اللي اكبر مني و لم تمر دقيقة الا وظهرت فتاتان تطلبان مجلة مثل صديقتهم.و من هنا جاءت هيثم الفكرة. تساءل : ماالمانع ان يحصل كل طفل في كل قرية علي كتاب او مجلة؟.. وبدأ.. يقول هيثم : كلما ذهبت لاشتري لابنتي مجلة.. ماجد او سمير او قطر الندي او العربي الصغير او كتاب تلوين او قصص من سلسلة الاخلاق او المغامرات اشتري نسخة او اثنين زيادة وبدأت تخزين تلك الكتب من العام الماضي بالاضافة الي اصدقائي بعض اصدقاء المكتبات كنت اشتري كمية واطلب تخفيضا بحجة ان الكتب لمشروع خيري ولكن حدث امر سئ جدا خاطبت بعض دور النشر الكبيرة التي لم يكن سيؤثر معها ان تبرعت بعشرين او حتي خمسين كتاب، في البداية ابدوا تعاطفا وايجابية وانتظرت الكتب وطلبتها مرة او اثنين ثم احترمت ذاتي وكففت عن المحاولة وواصلت انا الشراء علي نفقتي وبالفعل لم يصلني من اي دار نشر ورقة واحدة قرر هيثم ان يكون رمضان هو البداية لاسباب عديدة اهمها انه وقت فراغ الي حد ما بالنسبة له كما انه شهر مرتبط بالفرحة والاطفال في اجازة ومعظمهم يصوم فالتوقيت مناسب للقراءة.. نزل هيثم الي قري عديدة ربما لم يسمع عنها الكثيرون ' قريته.. واسمها قرية دوامة – قرية اولادزين – الكتايرة – كفرابوهلال – بني عمرو – عرب شمس – كفر ابو حمص – عزبة تسالي – كفر الحاج عمر – العوايدة – منشاة نبهان – منشأة العزايزة – بحر البقر – السبايتة – راسطبل – النعاجنة – نقولا – العطلات – قهبونة – الحمادين – ابونمر – الملكيين البحرية ' كان يوزع في المتوسط في كل قرية من 15 الي 20 كتابا وقام بتصوير الاطفال اثناء تسليمهم الكتب لتوثيق ما يفعل.. كانت السمة المشتركة في ردود الفعل حول ما يقدمه لأطفال بعضهم لم يلمس قصة أو مجلة ملونة في حياته هي الفرحة والرغبة في اكتشاف شئ جديد، اشتكي اطفال من ان المشرفين في مكتبات المدرسة ' بيزعقوا ' فيهم لما يطلبوا يستعيروا كتاب، وعندما طلب الاطفال ان يستعينوا بالأم أو الاب للمعاونة في القراءة اكتشف من اجابات كتيرين ان الاب والام أميين، اطفال في تالتة اعدادي قالوا انهم هيخلوا حد من جيرانهم اللي في ثانوي يقروا معاهم عشان هم ضعاف في القراية ' مشكلة تعليم بحاجة إلي إعادة صياغة ' اكتشف هيثم ان هناك اطفال ' شايلة ' اهاليها في الاعمال سواء في الورش او الغيطان او المخابز او المحلات ويؤكد هيثم ان هناك من اندهش من الفكرة خاصة في القري البعيدة عن قريته لكنه اقنعهم، وان أطفالا طلبوا منه ان ينزل من سيارته ويقرأ معهم فنزل وجلس معهم علي كوبري ليحكي ويحكي ويثير دهشتهم.. كما طلب من بعض الاطفال في قريتيه بعد صلاة التراويح أن يحكوا له بعضا مما قرأوه فكان الأمر بمثابة ورشة سريعة علي سلم المسجد كل يوم طفل يحكي ما قرأ.. الفكرة الرائعة تنتظر دعما.. تنتظر كتبا.. وشكلا واضحا لحمايتها وضمان تحقيقها علي أكمال وجه.. رائد الفكرة هيثم عبد ربه دفع من حر ماله ليوزع مثات الكتب التي تستطيع ان تغير وجه الحياة بالنسبة لطفل مصري تتفتح دهشته وانبهاره لرؤية الأوراق الملونة الزاهية والصور الجميلة التي تروي الحكايات التي سيحلق عبرها في عالم السحر والجمال.