في شهر الصوم الذي هو في الأساس شهر العبادة والرحمة والمغفرة، تتباري شركات الإنتاج في الضخ بسيل من الأعمال الدرامية والبرامجية التي تتهافت القنوات الفضائية علي النيل بأكبر كم منها لعرضها علي المشاهدين طيلة النهار وحتي الساعات الأولي من فجر يوم الصيام. النتيجة المنطقية لهذا التنافس الشرس للفوز بأكبر قطعة من كعكة المنافسة الرمضانية، هو عرض المسلسلات والبرامج تباعَا علي نفس القناة، ثم إعادتها بعدها بساعات، لا فرق هنا بين العرض أثناء مدفع الإفطار أو صلاة التراويح أو حتي صلاة الفجر، المهم فقط هو ضمان بقاء المشاهد لأطول فترة ممكنة، دون احترام لطبيعة الشهر الفضيل من كلا الطرفين المشاهد والفضائيات. وإذا نظرنا إلي القيم التي تقدم من خلال تلك الأعمال فَحَدِّثْ ولاحرج عن هذا الكم الهائل من الإسفاف والابتذال والعري، ناهيك عن الفحش في القول والفعل، وكأن القائمين علي تلك الأعمال يُمْعِنُون في القضاء علي البقية الباقية من القيم والأخلاق التي تواجه بهجمة شرسة من أطراف عدة وتحت دعاوي متنوعة. المسلسلات الرمضانية حتي برامج المقالب، أصبحت السمة الغالبة عليها تبادل السباب والشتائم والإتيان بتصرفات يخجل منها الآباء، فما بالك إذا كانت هذه الأعمال يشاهدها الملايين من الأسر ومنهم الأطفال الصغار والشباب والمراهقون، وهم بالطبع يتأثرون بشكل أو بآخر بمايقدم. قد يقول قائل: إن الفضائيات معذورة في الدفع بهذا الكم الهائل من المسلسلات للعرض علي شاشاتها، حتي تتمكن من جلب مزيد من الإعلانات، وبالتالي تحقيق أرباح تغطي نفقاتها الهائلة، ولكن بالطبع هذا العذر أقبح من ذنب، فالقنوات الفضائية تناست أنها جزء من المنظومة الإعلامية المنوط بها ترسيخ مجموعة من القيم في النشء وليس العكس، وبالتالي يجب عليها انتقاء ماتقدمه من أعمال، ولاتترك الحبل علي الغارب للمنتجين في استخدام كل أسلحتهم في حلبة المنافسة، حتي ولو كان ذلك علي حساب الذوق العام. رمضان شهر الرحمة والمغفرة وساعاته وأيامه معدودات، وبالتالي فعلي الصائم أن يوقر قيمة الشهر العظيم وفضله ولايترك نفسه فريسة، لأعمال لاتغني ولاتسمن ولكن تفسد.. إنها الإرادة أولا وقبل كل شيء.