خطاب التنصيب: برنامج عمل شامل للمرحلة المقبلة جون كيري يبرر موقف إدارته والسيسي يؤكد غير مسموح بالتدخل في الشئون الداخلية عملية الفرافرة استهدفت بث اليأس في النفوس وجاءت ردًا علي نجاح الجيش في سيناء مشروع حقر قناة السويس الجديدة إعجاز بمعني الكلمة والافتتاح أغسطس المقبل في ثمانية أيام جمع المصريون 62 مليار جنيه لمشروع القناة، وكانت الرسالة تعني تفويضًا جديدًا للسيسي مصطفي بكري عام مضي علي تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي لمهام السلطة في البلاد، جرت في النهر مياه كثيرة، عقبات وتحديات، إنجازات ومواجهات، حرب شرسة تشن من الداخل ومن الخارج، نجح السيسي في مواجهتها دون تقديم أية تنازلات تتعلق بالأمن القومي للبلاد. وفي الحلقة الثانية يتناول الزميل مصطفي بكري ملامح إعادة بناء الدولة ومؤسساتها المختلفة والبدء بتنفيذ خطة المشروعات القومية الكبري، في الوقت الذي واجه فيه بكل قوة الحرب التي تخوضها الجماعات الإرهابية وفي المقدمة منها جماعة الإخوان بهدف إسقاط الدولة المصرية. في الثامن من شهر يونية 2014، أدي المشير عبد الفتاح السيسي اليمين الدستورية أمام المحكمة الدستورية العليا، كرئيس للجمهورية، بحضور أعضاء الجمعية العمومية برئاسة المستشار أنور العاصي رئيس المحكمة بالإنابة، وأيضًا حضور الرئيس المؤقت المستشار عدلي منصور وآخرين. وقف الرئيس وسط الحاضرين، تقدم بخطوات واثقة، أدي القسم، بينما كان التليفزيون المصري يبث الحدث التاريخي علي الهواء 'أقسم بالله العظيم أن احترم الدستور والقانون وأن أرعي مصالح الوطن وأحافظ علي سلامة أراضيه'. بعد انتهاء مراسم أداء اليمن الدستورية توجه الرئيس الجديد برفقة المستشار عدلي منصور إلي قصر الاتحادية بحي مصر الجديدة، الذي شهد حفل التسلم والتسليم وقام السيسي بالتوقيع علي وثيقة تسلمه السلطة، كان الشعب المصري يتابع الحدث، مظاهر الاحتفالات الشعبية تنطلق في الشوارع والميادين، اتخذ الأمن المصري إجراءات قوية للحيلولة دون تحركات الإخوان الذين قالوا 'إنهم سيسعون إلي إفساد الاحتفال بتنصيب الرئيس الجديد'. كان السيسي قد حقق فوزًا كاسحًا في الانتخابات الرئاسية التي أجريت في السادس والعشرين والسابع والعشرين من شهر مايو من ذات العام، لقد حصد أكثر من 96.91% من الأصوات الصحيحة، بينما لم يحقق منافسه حمدين صباحي سوي نسبة لا تذكر. بعد أن أطلقت المدفعية 21 طلقة وتم عزف السلام الوطني واستعرض الرئيس حرس الشرف، جاء موعد استقبال الرئيس لضيوفه من القادة العرب والأجانب. وفي نفس اليوم، كان موعدنا مع حفل التنصيب، توجهنا إلي قصر القبة، وجوه عديدة تمثل كافة ألوان الطيف السياسي، الدعوات شملت الجميع باستثناء أعضاء وقيادات الجماعة الإرهابية. وقف الرئيس أمام الحشد الكبير يلقي كلمته، وجه الشكر إلي الرئيس السابق عدلي منصور، تعهد أمام الشعب بأنه سوف يسهر علي احترام الدستور وتعهد أيضًا بانجاز الاستحقاق الثالث، وهو الانتخابات البرلمانية وأيضًا رعاية مصالح الشعب رعاية كاملة. توقف المراقبون أمام كلمات الرئيس 'إنني رئيس لكل المصريين، لا تفريق بين مواطن وآخر، ولا إقصاء لأحد، فلكل مصري دوره الوطني، وأتعهد بأن أحافظ علي استقلال الوطن ووحدة وسلامة أراضيه'. تحدث الرئيس في هذا الخطاب عن 'عزف جديد في تاريخ الدولة المصرية، يدعم اقتصادًا عملاقًا ومشروعات وطنية ضخمة للدولة والقطاع الخاص واستثمارات مباشرة'، كما أكد في المقابل الحفاظ علي حقوق الفقراء ومحدودي الدخل وتنمية المناطق المهمشة'. لم يكن الرئيس يغالي في كلماته عندما فتح صدره للجميع مع بداية عهده الرئاسي وقال 'أتطلع إلي عصر جديد يقوم علي التصالح والتسامح من أجل الوطن، تصالح مع الماضي، وتسامح مع من اختلفوا من أجل الوطن وليس عليه، تصالح ما بين أبناء وطننًا باستثناء من أجرموا في حقه أو اتخذوا من العنف منهجًا'. قال الرئيس 'أتطلع إلي انضمام كافة أبناء الوطن، كل من يرون مصر وطنًا لنبني سويًا مستقبلاً لا إقصاء فيه لمصري، وتحقيق العيش والحرية والكرامة الوطنية والعدالة الاجتماعية، أما من أراقوا دماء الأبرياء وقتلوا المخلصين من أبناء مصر، فلا مكان لهم في تلك المسيرة'. توقف الرئيس لثوان معدودة وقال بحسم 'أقولها واضحة جلية، لا تهاون ولا مهادنة مع من يلجأ إلي العنف، ومن يريدون تعطيل مسيرتنا نحو المستقبل الذي نريده لأبنائنا، لا تهاون ولا مهادنة مع من يريدون دولة بلا هيبة'، وقال ' أعدكم بأن المستقبل القريب سيشهد استعادة الدولة المصرية لهيبتها علي التوازي مع جهدنا جميعا، أنتم وأنا لتحقيق الآمال والتطلعات'. لقد قدم الرئيس في خطابه المطول في هذا اليوم رؤيته الواضحة والمحددة للتحديات التي تواجه مصر، وسبل التصدي لها، قدم روشتة علاج ناجعة، ووعد بتحقيق المزيد من الطموحات وتحدث في هذا اليوم عن محاور التنمية للفترة القادمة. لقد قال السيسي إننا سنعمل من خلال محورين أساسيين أحدهما يدشن للمشروعات الوطنية العملاقة مثل مشروع تنمية محور قناة السويس وإنشاء محطة الضبعة للطاقة النووية وتعظيم الاستفادة من الطاقة الشمسية لانتاج هائل من الكهرباء. اما المحور الآخر، فيختص بإقامة المشروعات الصغيرة والمتوسطة التي تحقق انتشارًا أفقيًا في المناطق المحورية، ويوفر مدخلات بسيطة في مختلف مراحل العملية التصنيعية بما يوفر العملات الصعبة وينهض بالمناطق المهمشة والأكثر فقرًا. وتحدث الرئيس عن التنمية الزراعية، وقال سيكون لها نصيب كبير من جهود التنمية في المرحلة المقبلة وذلك من خلال عدة محاور أهمها مشروع ممر التنمية وما سيوفره من أراض صالحة للزراعة، فضلاً عن إعادة تقسيم المحافظات المصرية وخلق ظهير زراعي لكل محافظة وتوفير فرص عمل جديدة فضلاً عن الاعتماد علي الأساليب العملية للري ومعالجة المياه. تحدث الرئيس باسهاب عن خطته للنهوض بالصناعة وتطوير التعليم والأرتقاء بالتعليم الفني، والصحة، وأكد أن هذه الخطة لن تؤتي ثمارها المرجوة أو تحقق نهوضًا شاملاً بالوطن دون أن تتواكب معها تنمية اجتماعية. كان خطاب السيسي بمثابة دليل عمل للفترة القادمة، وكان المصريون سعداء، يحتفلون بالتنصيب علي طريقتهم، بينما حاولت جماعة الإخوان الإرهابية تصعيد وتيرة العنف والإرهاب في أكثر من مكان في هذا اليوم، إلا أن قوات الأمن تمكنت من إحباط الكثير من التحركات والمؤامرات. في الثاني والعشرين من يونية، وصل جون كيري إلي القاهرة في زيارة يلتقي خلالها الرئيس السيسي، وكان مثيرًا للدهشة أن يتعرض كيري للتفتيش علي بوابة القصر بعد أن أشتبه في أنه يحمل قطعة حديدية، لم يكشفها جهاز التفتيش جيدًا. رضخ كيري لتعليمات أمن الرئاسة، وكان ذلك مثار إعجاب الكثيرين من أبناء الشعب المصري الذين عرفوا من خلال هذا الإجراء، أن رئيس دولتهم لا يهاب أحدًا، ويتعاطي مع الأمور بجرأة وكرامة. لقد جاءت زيارة كيري إلي مصر في هذا الوقت، بعد أن قررت الولاياتالمتحدة إعادة مراجعة قراراتها تجاه المساعدات العسكرية المقدمة إلي مصر بعد أن حجبت ثلثها في وقت سابق. لقد جاءت زيارة كيري إلي مصر بعد يوم واحد من تثبيت أحكام الإعدام بحق 183 إرهابيًا ينتمون إلي جماعة الإخوان بمن فيهم المرشد العام للجماعة محمد بديع، وكذلك عشية الحكم في قضية صحفيي الجزيرة المتهمين بدعم جماعة الإخوان. لقد كانت زيارة كيري هي الأولي من نوعها منذ ثورة الثلاثين من يونية، وفي أعقاب الاتصال الهاتفي الذي أجراه الرئيس أوباما بالرئيس عبد الفتاح السيسي مهنئًا إياه بفوزه في الانتخابات الرئاسية. وخلال المباحثات التي أجراها كيري مع الرئيس عبد الفتاح السيسي وبحضور وزير الخارجية المصري سامح شكري، كان الحديث صريحًا وواضحًا. لقد أكد كيري خلال هذه المباحثات ثلاث نقاط مهمة حاول من خلالها تبرير الموقف الأمريكي المعادي لثورة الثلاثين من يونية، وهذه النقاط الثلاث هي: أولاً أن الإدارة الأمريكية لم تكن أبدا ضد تطلعات الشعب المصري وحقه في اختيار حكامه، إلا أن اعتراضات الإدارة الأمريكية في وقت سابق علي الأحداث التي تلت ثورة الثلاثين من يونية جاءت تعبيرا عن مخاوف مشروعة من احتمالية عدم قدرة القيادة الانتقالية علي تنفيذ خارطة الطريق. ثانيًا أن واشنطن وبعد أن تأكدت أن الحكومة الانتقالية ماضية في تنفيذ خارطة الطريق باتت علي قناعة كاملة بأنها يجب أن تؤيد إرادة الشعب المصري وحقه في اختيار رئيسه في انتخابات حرة وشفافة وأن الولاياتالمتحدة تابعت كافة التقارير المحلية والإقليمية التي تؤكد إجراء الانتخابات بشفافية ونزاهة أشاد بها الجميع. ثالثًا أن الإدارة الأمريكية سبق أن أعلنت رفضها لسياسة العنف والإرهاب أكثر من مرة، ولكنها تفرق تمامًا بين المعارضين السياسيين وبين من يستخدمون السلاح كوسيلة، وأنه من هذا المنطلق عبرت واشنطن أكثر من مرة عن استعدادها للتعاون مع مصر في إطار مكافحة الإرهاب خاصة داخل سيناء، وأنها تجدد هذه الدعوة مرة أخري. كان رد الرئيس السيسي علي الموقف الأمريكي يتميز بالذكاء الشديد وأيضًا الصراحة والوضوح مؤكدًا رفض مصر التدخل في شئونها الداخلية من أي طرف كان. وأكد السيسي أن القاهرة سبق أن أكدت أكثر من مرة أهمية العلاقة مع واشنطن، وأن علاقتها مع أن أطراف أخري وتحديدًا روسيا لن تكون أبدًا علي حساب علاقات مصر مع الولاياتالمتحدة، بل إن الصحيح هو أن مصر أعادت التوازن لعلاقاتها الدولية بما يضمن تحقيق المصالح المشتركة لها مع كافة هذه الأطراف. وأكد السيسي أن مصر مستعدة للنظر في كافة الملاحظات التي تبديها الإدارة الأمريكية في إطار يضمن عدم التدخل في الشئون الداخلية أو فرض إملاءات بعينها. لقد وجه الرئيس السيسي في هذا اللقاء عتابًا شديدًا إلي إدارة الرئيس أوباما، ودعمها لجماعة الإخوان، والإيحاء بوقوفها خلف ما تسميه ب'شرعية مرسي' دون النظر إلي المتغيرات التي شهدتها الساحة المصرية ومن بينها ثورة الثلاثين من يونية وتنفيذ المرحلتين الأولي والثانية من خارطة الطريق، كما أن الانتخابات البرلمانية في طريقها خلال الشهور القليلة القادمة. وبعد أن استعرض جون كيري الموقف في المنطقة العربية ومن بينها التطورات التي شهدتها العراق وسيطرة تنظيم داعش علي العديد من المحافظاتالعراقية، كان تأكيد الرئيس السيسي علي رفض مصر تقسيم العراق واضحًا، كما رفض التورط في أية تحالفات عسكرية تستهدف سوريا وحذر من خطورة إسقاط الدولة السورية لحساب التنظيمات الإرهابية. كان جون كيري قد قرر أن ينطلق من القاهرة في جولة شملت العديد من العواصم العربية، وكان الحديث يومها يدور حول التحالف العسكري الجديد المزمع إنشاؤه لمواجهة التطورات الخطيرة في العراقوسوريا. غادر جون كيري القاهرة، كانت خريطة الإرهاب تمتد من بغداد إلي تونس مرورًا بالقاهرة، وكان التصعيد يستهدف إسقاط الأنظمة التي لاتزال ترفض التقسيم، وكان النظام المصري الجديد في مقدمة هؤلاء. كان الرئيس السيسي يعرف أنه يخوض حربًا عاتية وأن المعارك التي تدور في سيناء لن تكون نهاية المطاف لقد امتد العنف إلي مناطق متعددة. في الثالث والعشرين من يوليو 2014 قبيل الإفطار بقليل تكرر سيناريو مذبحة رفح، عملية إرهابية خسيسة استهدفت أحد معسكرات حرس الحدود.. كان الضباط والجنود يستعدون لساعة الإفطار، بعضهم كان منهمكًا في الإعداد لهذه اللحظة، فجأة توجهت ثلاث سيارات دفع رباعي تحمل علي متنها عددًا كبيرًا من الإرهابيين بدأوا في إطلاق سيل من الرصاص وطلقات ال'آر.بي.جي'، استمر الهجوم لأكثر من نصف ساعة، واجه رجال المعسكر من الضباط والجنود الهجوم المباغت بكل قوة وجسارة وقتلوا أربعة من الإرهابيين. كان المعتدون قد أعدوا أنفسهم جيدًا، أسلحة متقدمة، عناصر مدربة تدريبًا عاليًا، وجهوا طلقات ال'آر.بي.جي' إلي المبني ليحسموا المعركة مبكرًا، أصابوا مخزن الذخيرة، انفجر علي الفور فأوقع العديد من الشهداء والجرحي. في دقائق معدودة كانت الحصيلة 22 شهيدًا وثلاثة من الجرحي، كان الخبر صادمًا، تحرك رجال المنطقة الجنوبية، غير أن الإرهابيين اختفوا وغاصوا في رمال الصحراء بعيدًا. اهتز الضمير الوطني، تذكر الناس مذبحة رفح التي دبرها الإخوان الإرهابيون بدعم من الرئيس المعزول وجماعته في أغسطس 2012. في هذه المرة أراد الإرهابيون أن يفتحوا جبهة جديدة، لقد نجحت القوات المسلحة في تصفية العديد من البؤر الإرهابية، اجهضوا مخطط الإمارة الإسلامية، فكان طبيعيًا أن تتحرك العناصر الإرهابية عبر أكثر من اتجاه. كان السيسي يعرف تمامًِا أبعاد المخطط، وأن هدف اسقاط الدولة لا يزال ساريًا، وأن الدور الذي تلعبه تركيا وقطر بشكل معلن في دعم الإرهاب، تقف وراءه وتحركه بأصابع خفية كل من إسرائيل وأمريكا، لكن ذلك لم يعطل من مشاريعه التنموية. في السادس من شهر أغسطس 2014 تلقيت دعوة من رئاسة الجمهورية للحضور إلي الإسماعيلية، لم نعرف أسباب الدعوة في هذا الوقت، سوي أننا سوف نلتقي بالرئيس عبد الفتاح السيسي ليعلن عن تنمية محور قناة السويس. حضرنا في وقت مبكر من هذا الصباح، تحدث الفريق مهاب مميش رئيس شركة قناة السويس في حضور الرئيس والقائد العام وزير الدفاع ورئيس الحكومة وكبار المسئولين والشخصيات العامة وقادة الجيش. كان الخبر مفاجئًا للكثيرين، لقد أعلن الفريق مميش، عن قرار الرئيس بتدشين مشروع حفر قناة السويس الجديدة بطول 72 كيلومترا، هذا المشروع الذي سيحدث نقلة نوعية في الاقتصاد المصري ويوفر أكثر من مليون فرصة عمل. قال رئيس قناة السويس 'إن حفر قناة جديدة سوف يحقق ازدواجية، عبور السفن بالقناة، ويقلل زمن انتظار السفينة من 11 ساعة إلي 3 ساعات أو أقل'. كانت التكلفة التي تحدث عنها الفريق مميش هي 8.2 مليار دولار، كما أن عملية الحفر ستنتهي خلال ثلاث سنوات. حكي الفريق مميش تفاصيل عرض المشروع علي الرئيس، قال الرئيس في وقت لاحق إنه لم ينم هذه الليلة وفي الصباح الباكر اتصل بالفريق مميش وقال له 'علي بركة الله'!! بعد أن أنهي الفريق مميش حديثه التفصيلي عن المشروع وآفاقه المستقبلية، تحدث الرئيس السيسي، وروي قصة المشروع، ثم فاجأ الجميع وقال إن المشروع سيكون من عائدات أسهم تطرح علي المصريين وحدهم وأنه سينفذ تحت إشراف القوات المسلحة وبمشاركة شركات المقاولات المصرية وغيرها. تحدث الرئيس عن المدة الزمنية، وأصدر أمرًا للواء كامل الوزيري رئيس أركان الهيئة الهندسية وقال له 'القناة يتم انجازها خلال سنة فقط بدلاً من ثلاث سنوات'. سأل الرئيس السيسي اللواء كامل الوزيري.. قلت سنة واحدة فقط، صمت اللواء الوزيري لبعض الوقت وقال: تمام يا أفندم، تحدث الرئيس مطولاً عن المشروع، وعن مدينة الإسماعيلية الجديدة والمدن الصناعية والمزارع السمكية والتنمية الشاملة للمشروع. قام الرئيس بتوقيع وثيقة الأمر ببدء الحفر، كما أعطي اشارة البدء وقام بتفجير الساتر الترابي إيذانًا بانطلاق المشروع. كان الأمر صعبًا، بل ومستحيلاً في نظر البعض، تساءل الكثيرون، كيف يستطيع العاملون في حفر القناة الانتهاء من عملية الحفر بطول 72 كيلومترا، منها 35 كيلو مترًا حفرًا جافًا و37 كيلو مترًا توسعة وتعميقًا لأجزاء من المجري القديم للقناة في فترة لا تزيد علي العام. لقد استهدف السيسي من إنشاء هذا المشروع زيادة الدخل القومي بمضاعفة إيراد القناة بنحو 259% من خلال زيادة السفن العابرة من 49 سفينة في المتوسط عام 2014 إلي 97 سفينة يوميًا عام 2023. كان المبلغ المطلوب هو 4 مليارات دولار تكلفة حفر القناة الجديدة بالإضافة إلي تكلفة أخري تقدر بنحو 4.2 مليار دولار لإقامة 6 انفاق أرضية لنقل السيارات والسكك الحديدية إلي سيناء يتزامن إنشاؤهما مع إنشاء القناة الجديدة. كان الرئيس مصرًا علي أن تطرح أسهم القناة علي المصريين وحدهم، لقد حذره عدد من الوزراء بأن القيمة المطلوبة لن تتحقق إلا خلال عدة أشهر، إلا أن السيسي كان يعتقد أن تمويل المشروع لن يتجاوز أيامًا قليلة، أسبوعًا علي الأكثر، وبالفعل كان توقع الرئيس السيسي في محله، لقد وقف المصريون في طوابير طويلة أمام البنوك حتي يتمكنوا من المساهمة في المشروع. ففي يوم الاثنين 15 سبتمبر 2014، أعلن هشام رامز محافظ البنك المركزي أن حصيلة بيع شهادات استثمار قناة السويس وصلت إلي 61 مليار جنيه في ثمانية أيام فقط، وهو المبلغ المطلوب لحفر القناة الجديدة والمشروعات الملحقة بها. وقال هشام رامز 'إن هذا الانجاز الذي حققه المصريون يعد أكبر حجم للعمليات المصرفية في تاريخ الجهاز المصرفي المصري'، وقال 'إن جمع المصريين 61 مليار جنيه خلال 8 أيام هو رسالة من المصريين إلي العالم بأن هذا الشعب قادر علي تحقيق الكثير من الانجازات'. كان هناك ضمن هذا المبلغ أكثر من 28 مليار جنيه جاءت من خارج البنوك، لقد اخرج المصريون كل حصيلتهم ودفعوا بها إلي مشروع قناة السويس، إنها الثقة التي أولوها للقائد الذي تبني المشروع، فكانت الحصيلة والاستجابة للنداء بمثابة تجديد للثقة في الرجل الذي أعطي اشارة البدء للانطلاق إلي الأمام وصنع المستحيل في مواجهة التحديات.