خمسون عامًا وزيادة من البهجة وطبع البسمة علي وجوه الملايين كانت رسالته دائمًا من أجل حياة أفضل ومن أجل رسالة سامية ومن خلال رحلة عذابات الحياة والفن كان عاشقًا لزيارة الأماكن المقدسة في مكة والمدينة، كان يحرص دائمًا علي أداء فريضة العمرة والحج مهما كانت مشاغله ومهما كانت أعباء الحياة، ورغم فترة مرضه الأخيرة وما حاول أبدًا أن يخلف موعده مع زيارة الكعبة المشرفة ومسجد سيدي رسول الله، مما أضفي عليه من روحانية وهدوء نفس لازماه كل مراحل حياته، لم يُغضب أو يغضب من زميل أو صديق، ولا حمل في يوم حقدًا علي أحد، طبيب طيب يعالج أمور الحياة وقسوتها بفلسفة الابتسامة الساخرة. مسرحية الأرض للكاتب الكبير عبد الرحمن الشرقاوي، هي أول من جمعنا نحن فريق فن الستينيات، أدي فيها الفنان حسن مصطفي دور العمدة، من بعد أدائه الرائع له علي المسرح.. لم ينزلق حسن مصطفي في أدائه للكوميديا كما فعل زملاء له كُثر لإظهار كوميديا الوحاشة، قدم لنا حسن مصطفي الكوميديا الرشيقة في مسرحيات أصل وصورة والعيال كبرت وناظر المدرسة وكثر من المسلسلات التليفزيونية.. حسن مصطفي واحد من نجوم فن الكوميديا للمدرسة الحديثة لمؤسسها الكبير فؤاد المهندس وفرقة الفنانين المتحدين. أسهم بقدر كبير في معركة الفصل بين طريقة أداء وأخري كانت تسبقنا، مدرسة التضخيم وإعطاء حروف المد واللين ما فوق حقها 'الياء والالف والواو' ينتمي لمدرسة البساطة والهمس المعبر في نطق الكلمات، ابن مخلص لمدرسة الكوميديا الواقعية، هجر 'اللزمات' والأداء الكاريكاتوري لبعض فئات المجتمع، وسباق 'الافيهات' والنكات المسرحية الفجة، وظاهرة الخروج عن النص المشهورة، كل هذه المغريات لم تستطع أن تقهر فن حسن صطفي.. رغم نجوميته وشعبيته الجارفة، لم يكن البطل الأوحد، كان يترك مساحة واسعة لكل المشاركين معه حتي يبدعوا.. كان يشارك في الكثير من الأفلام الكوميدية والمسلسلات التلفزيونية وإن كان دورًا صغيرًا، لا يتعدي بضع لقطات بجانب البطولات التي أداها علي الشاشتين: الصغيرة والكبيرة وعلي المسرح، هذه الأدوار كانت أقل من طاقته بكثير كان يعطيها اهتمامًا وقدرًا كبيرًا، من إبداعاته حتي إن المشاهد لا يمكن أن ينساها في خضم أحداث المسلسل أو الفيلم أو المسرحية، كنجم من نجوم العمل.. كان صاحب حضور طاغ، مؤثر، مبدع، كل كلمة كان ينطق بها كان يضعها في الموضع اللائق بها، زاملناه علي مدي نصف قرن لم يتلفظ بلفظ ناب أو حركة تخدش حياء المشاهد، ولا بكلمات التورية وإلباس المعني معنيين، كان حريصًا علي دخول بيوت المصريين والعرب عن طريق الشاشة أو الفيلم أو المسرحية بكل الاحترام، كأنه يعرف كل أفراد الأسرة، حتي الأطفال لم يحرموا من فن حسن مصطفي الرشيق، رفيق سفر نشتاق إليه لو غاب عن مجلسنا لدقائق معدودة، في كواليس المسرح أو السينما أو التليفزيون، نسمة صيف ترطب حرارة الاستديو وقسوة ساعات العمل الممتدة لأكثر من عشر ساعات، ينعش فيها قلوبنا ويدفئ أحاسيسنا.. حتي في جلساته الخاصة كان المتحدث الحكاء خفيف الظل عف اللسان.. لا أقول عزاء أو كلمة رثاء، فإن حسن مصطفي بفنه وشخصيته المتفردة لم يغب عن جماهير الأمة العربية.. بكت عليه خشبة المسرح والشاشة الصغيرة والفضية، لأنه أخلص لهم وأعطاهم من عمره الكثير ولم يبخل، كان حسن وهو بكل المعني لاسمه حسن السمعة.. طيب المعشر رقيق الحس لم تستطع شائعة هنا أو هناك أن تمسه بحرف، رحمه الله ورحم زمنًا من الفن الجميل معه.. والله سنفتقدك أيها الصديق العزيز صاحب الوجه المبتسم الجميل.. وإبداع باق وإن غاب الأصل ستبقي الصورة.