كل سنة تمر علي الشاب الذي تخرج في الجامعة، أو من حصل علي إحدي الشهادات المتوسطة وما فوقها ولم يجد عملًا في انتظاره هي سنة ضائعة.. وهي أيضا سنة حرجة ومكلّفة لأسرة الشاب وللمجتع بصفة عامة.. وليكن خريج كلية 'التربية' الذي يتم إعداده وتأهيله ليصبح فور تخرجه معلّمًا.. هو طالب الثانوية العامة المتفوق الذي أحبّ مهنة التدريس ورغب في العمل بها كرسالة سامية.. أو هو ابن أسرة متوسطة رأت في اختيار كلية التربية أقصر الطرق لوصول الابن لوظيفة محترمة ترفع عن كاهل الأسرة جزءًا من نفقات الحياة.. أو كانت ترشيحًا من 'التنسيق' قبل به الطالب، وفي كل الحالات لا يتم قبول الطالب إلاّ بعد اجتياز اختبار المقابلة الشخصية.. ليُعَدّ أثناء دراسته نظريا وعمليا لمهنة التدريس دون غيرها.. فماذا هو فاعل ان لم يعين عفب تخرجه كما كان متبعا من قبل؟! الإجابة: إنه يقضي سنوات في البحث عن عمل مناسب فلا يجد.. وبعد رحلة مضنية ومهينة يقبل العمل في أحد المصانع 'إن كان محظوظا' ليؤدي عملا لاعلاقة له بالتدريس.. أو أنه وقد أصبح عاطلا يقبل في الغالب لأن يعمل 'صبي' لأحد العمال الحرفيين 'سباك كهربائي نجار عامل محارة.... الخ'.. أهذا هو التبجيل.. لمن كاد أن يكون رسولا؟! وبعد غفوة طالت سنوات صار بعدها الشاب الفتي محطم الآمال.. تسربت من مخيلته طموحات الشقة السكنية والزواج بمن تشاركه المستقبل والاستقرار.. بعد مضي أكثر من خمسة عشر عاما توقفت خلالها منظومة التعيين الفوري لخريجي 'التربية' 'التكليف'.. أعلنت الحكومة عن تعيين 30 ألف معلم.. عادت البسمة تعلو شفاه العاطلين منهم.. بيد أن الفرصة المعلنة كانت كالسراب.. فقد غاب العدل في اختيار ال30 ألف.. حيث كان التخبط سمة بادية تغلب علي القرار.. وذلك باختيار الخريج الذي حصل بعد تخرجه علي إحدي الدرجات العليا.. 'دكتوراه ماجستير دبلومة'. حتي لو كان حديث التخرج، بل سمحت لمن هو من خريج غير 'التربية' بعد حصوله علي دبلوم تربوي أن يعمل بالتدريس مع أن ذلك 'المفروض' ألاّ يحدث إلاّ في حالة العجز في خريجي 'التربية'، فلغيره فرص متعددة في مجالات أكثر.. غاب العدل عندما. تناست الوزارة عامل أسبقية التخرج، بل تناست أيضا أن شهادة التخرج لأقل التقديرات تعني إقرار الكلية بأن هذا الشاب يصلح للقيام بمهنة التدريس.. وربما غاب عن متخذ القرار عاملا أسبقية التخرج والأكبر سنًا.. وهما عاملان في غاية الأهمية إذا راعينا ما ذكرناه في المقدمة.. من خطورة الشاب العاطل. علي المجتمع لكونه أكثر عرضة للانحراف بأشكاله المختلفة.. وأكثر تأثرا لعوامل التطرف الديني.. وهو لأسرته عبء مادي واجتماعي. ومع ذلك نحن لا ننكر ما مرت به البلاد من هزات سياسية واجتماعية.. انعكست علي اقتصادها فكانت قرارات تشغيل الشباب طبقا للكفاءة.. لا بأس.. هذا المعيار يفضل.. بل يجب تطبيقه علي التخصصات الفنية المطلوبة للشركات والمصانع.. والمؤسسات البحثية.. أما في حالة التربية والتعليم فإنه يظلم الكثيرين.. وإن كان حتميا فلا بأس من تمييز الحاصل علي درجة علمية أعلي بوضعه في مكان يناسب تخصصه عند تعيينه ضمن أقرانه من سنة الخرج.. كما يمكن تمييزه بمنحه علاوة إضافية ترفع راتبه عن الأقل منه درجة علمية 'وهذا معمول به بالفعل'.. أو تمييزه بإنقاص مدة ترقيته إلي الدرجة الوظيفية الأعلي.. الشاهد من ذلك أن يراعي في التعيين أسبقية التخرج.. درءًا للظلم وما يترتب عليه.. ولأن الشيء بالشيء يذكر.. فمن المقترحات التي يجب أن تؤخذ في الاعتبار.. وتجدر دراستها بعض الحلول للتغلب علي مشكلة زيادة خريجي التربية علي سبيل المثال لماذا لا ينقص سن الإحالة إلي المعاش.. ولماذا لا يعاد النظر في إنقاص نصاب المعلم من الحصص الاسبوعية خاصة مع ارتفاع كثافة الفصول وذلك سيزيد من نشاطه وقدرته علي العطاء.. مما ينعكس كل ذلك علي التلميذ الذي هو نتاج العملية التعليمية السوية من حيث المناهج الملائمة والأداء الراقي.