كانت جماعة الإخوان فكرًا، وتنظيمًا، وأهدافًا نتوءًا شاذًا ومضادًا لما هو سائد، ولمجمل الأفكار التي كانت تمور بها الأوساط الفكرية في العالم العربي.. فقد رفعت شعار 'دولة الخلافة' التي انهارت قبل أربع سنوات من قيام الجماعة.. واجهة لطموحاتهم السياسية، وشهوتهم القاتلة للسلطة.. وقال كثيرون وقتها إن ولع الإخوان بالسلطة.. وتكريس أهدافهم في الوصول إلي مقاعد الحكم بأي وسيلة كانت.. قد أغلقت عقولهم عن أمور كثيرة، ورسمت أساليب حركتهم وعملهم.. بل وحددت مصائرهم.. بالرغم من تهاويم حسن البنا ودراويشه.. وادعائهم كذبًا أن كل همهم هو التفاني لاستعادة 'دولة الخلافة'.. كان الفكر السائد وقتها عقب سقوط الخلافة، وسطوة الاستعمار، وتسرب الأفكار التقدمية، وبدايات بزوغ تيارات اسلامية متقدمة ومستنيرة كان الفكر السائد وقتها أن الاسلام بمذاهبه المختلفة، وجماعاته المتعددة يصعب تكبيله تحت حكم 'خليفة'، وسجنه داخل دولة واحدة محددة.. خاصة بعد تجربة الخلافة المنهارة.. وما عانته الشعوب الاسلامية في ظلها.. ناهيك عما كان دائرًا ولم يزل في الأوساط السياسية والثقافية عن إمكانية وجود 'الدولة الدينية'.. كان كل ذلك وغيره معروفًا ومثارًا.. ولكن الإخوان بحكم طبيعتهم الانعزالية، ونهجهم في السرية والكتمان.. ومبادئهم الخافية تجاهلوا كل ذلك.. لم يشاركوا فيه، ولم يلتفتوا إليه.. لأنهم كانوا يبحثون عمن يمكّنهم من تحقيق أحلامهم في السلطة، ومن ثم وهي أمور مثيرة للدهشة سعوا ومنذ نشأتهم إلي إقامة علاقات مع القوي الأجنبية والدول الكبري.. وقد امتدت معظم تلك العلاقات حتي أيامنا هذه.. مع كل ما أحاط بها خلال المسيرة الطويلة من ريب.. وما طرأ عليها من توترات.. وفقدان للثقة.. وخيانات.. ومن المثير للدهشة أنه لا توجد دولة كبري قد أفلتت من تلك العلاقات مع الإخوان.. من أول الولاياتالمتحدةالأمريكية، وبريطانيا، وفرنسا.. ثم ألمانيا.. وألمانيا الهتلرية بالتحديد.. وبالطبع لم تكن تلك العلاقات متكافئة.. كانت علاقة التابع بالمتبوع.. علاقة قامت وتأسست بين قيادات الإخوان.. وأجهزة استخبارات تلك الدول. ولأن بريطانيا كانت دولة الاحتلال المفروض علي مصر.. وكان وجود القوات الإنجليزية علي مرمي حجر من إقامة البنا وجماعته الناشئة في مدينة الإسماعيلية.. فقد قامت علاقات مبكرة بين البنا والانجليز.. كانت مثار لغط وتعليقات.. والثابت أن أول تبرع مالي للإخوان جاء من شركة قناة السويس 'الأجنبية' وكان كافيًا لانشاء مسجد، ودار للجماعة، ومعهد ديني.. وأكدت مصادر وقتها أن الإخوان رتبوا للحصول علي دعم دائم من الولاياتالمتحدة وغيرها.. أما علاقة الإخوان الدائمة مع السفارة الانجليزية.. والحصول علي الدعم المالي الكبير وبشكل دائم.. فكان حديث مصر كلها.. الذي دأبت صحف الإخوان علي نفيه.. وقد تندر الناس عندما كتبت جريدة الإخوان عام 1946 أن اتصالاً قد جري بين الإخوان والإنجليز.. وأن الطرف الانجليزي كان يبدي استعداده 'الدائم' لتقديم عون مالي للجماعة.. لكن المرشد حسن البنا كان 'دائمًا' يرفض ذلك.. وعندما تم حل الإخوان عام 1948.. اكتشفت الدولة أنها كانت الجماعة الأغني والأكثر ثراء.. بين كافة الجمعيات والأحزاب السياسية في مصر!! ويبدو أن الإخوان في اندفاعهم المحموم لتحقيق حلمهم في السلطة.. لم يتعففوا عن فعل أي شيء.. حتي الرقص مع الشيطان علي وقع معزوفات الاستخبارات العالمية باتجاهاتها المتنافرة والمتضاربة.. ويمدنا التاريخ بحقائق مذهلة. ففي بدايات الحرب العالمية الثانية.. وقرار هتلر عام 1942بفتح جبهة ضد الاتحاد السوفيتي.. وفكر هتلر ورجاله في مناطق القوقاز الواقعة تحت الحكم السوفيتي خاصة أن أغلب سكانها مسلمون.. ناهيك عن حقول النفط الغنية جنوب القوقاز.. فأعلن هتلر أنه سوف يحرر أهل القوقاز المسلمين، ويترك لهم حق تقرير المصير.. وباختصار فقد قرر هتلر الاستفادة من الاسلام في حربه مع السوفييت، واستخدم ماكينات دعايته الجبارة وكانت اتصالات سرية.. واتفاقات وبالفعل هرب جنود كثيرون من أبناء القوقاز من الخدمة في الجيش السوفيتي وانضموا لجيوش هتلر.. يؤكد التاريخ والوثائق التي نشرت حديثًا.. ان الإخوان لم يكونوا بعيدين عما جري.. فقد أوفدوا ممثلهم في فلسطين الحاج محمد أمين الحسيني مفتي القدس وقتها، ومرشد إخوان فلسطين.. إلي ألمانيا سرًا.. وتمكن الرجل من الاجتماع بهتلر وكبار قادته.. واعتمدت خطته لرعاية الشباب القوقازي المسلم في الجيش النازي.. ثم.. تجنيد الشباب المسلم من دول البلقان 'ألبانيا كوسوفو الهرسك' وقد نجح في ذلك إلي حد بعيد.. واستقر في كنف هتلر بألمانيا لمدة ثلاث سنوات.. داخل آلة الاستخبارات النازية.. وعندما سقط هتلر والنازية.. ودخلت جيوش الحلفاء برلين قام الفرنسيون باعتقال أمين الحسيني ك'مجرم حرب'.. ولكن الإنجليز أقنعوهم بإطلاق سراحه وتسليمه إلي مصر تجنبًا لإثارة النعرات الدينية في بلاد المسلمين.. وكانت صفحة في 'تاريخ من العمالة..