عالمنا العربي.. بإمكاناته، وموارده، وموقعه، وتاريخه الممتد في الزمان والمكان.. ناهيك عن كونه مصدر الديانات السماوية التي انتشرت في بقاع الأرض.. عالمنا العربي هذا.. كان دائمًا -وسيظل غالبًا- محط أطماع كل من يستشعر قوته.. وكل من تتفاقم حاجته.. وقد خضع للاحتلال العثماني طائعًا للخليفة.. حامدًا شاكرًا للباب العالي.. كما خضع لكل أنواع الاستعمار الأوربي.. والنهب الممنهج.. حتي عنَّ لهم أن يغيروا من طبيعته.. ويعيدوا ترتيبه وتنظيمه.. فقسموه قطعًا وأحوزة.. أطلقوا عليها الأسماء.. ورسموا بينها الحدود.. وباعدوا بين أعضاء الجسد الواحد.. بعد أن وضعوا مسببات الصراع.. وخمائر العداء بين الإخوة.. ومازالوا 'مهمومين' بأمر وطننا العربي حتي اليوم.. ودعاوي الشرق الأوسط الجديد تصلك الآذان والعقول.. وتثير الريب والشكوك.. وتشغل الناس.. تقول لنا الأيام.. إنه بعد انحسار الاستعمار الأوربي.. وفشله في الاستمرار أمام ازدياد وعي الشعوب.. ومقاومتها.. رأوا أن يتحول الاستعمار من الاحتلال العسكري السافر والمباشر.. إلي الاستعمار السياسي، والاقتصادي، والثقافي.. ووقتها برزت الولاياتالمتحدةالأمريكية، باعتبارها الوريث الوحيد للاستعمار الغربي.. تحمل فوق رأسها شعارات التغيير الديمقراطي، وحقوق الإنسان.. وحق تقرير المصير.. تنفيذًا لمبادئ الأممالمتحدة.. وميثاق حقوق الإنسان.. وإن كان كل ذلك -ويا للعجب- أصبح مؤجلًا حتي تنتهي الولاياتالمتحدة من إنجاز مهمتها العاجلة والملحة.. وهي صد الانتشار الشيوعي 'الزاحف' علي المنطقة.. وقد انشغلت الولاياتالمتحدة وتوابعها بالهيمنة علي أنظمة حكم الدول العربية المستقلة حديثًا.. بغض النظر عن توجهاتها وأيديولوجياتها.. فالمهم أن تكون موالية.. وفي ذلك الوقت.. وتحت ضغوط المطالبة بالتغيير.. واشتعال حركات التمرد.. شجعت أمريكا الانقلابات العسكرية.. ثم اكتشفت أن كل تغيير بالقوة لا يمكن ضمان ولائه.. وأن أموالها تعجز عن اخضاع الجميع.. وقد باغتها عسكريون وطنيون.. قادوا بلادهم -بعيدًا عن الهيمنة الأمريكية- إلي التحرر والتقدم والتنمية.. وإعلاء الكرامة الوطنية والعدالة الاجتماعية.. ووقتها، وحتي الآن، تفرغت أمريكا وتوابعها لشنِّ كافة أنواع الحروب علي الدول المتطلعة للحرية والبناء.. وإفقارها.. والإبقاء عليها في ذيل قائمة الدول الأشد فقرًا.. ومن ثم نشأ داخل دولنا عداء شديد، وكراهية لأمريكا والغرب.. وقام التناقض الحاد بين التوجهات والأهداف.. فأمريكا والغرب يهمهم إيقاف الزحف الشيوعي وضمان أمن إسرائيل.. وتحقيق مصالحهم في المنطقة.. وشعوبنا تعمل لتحقيق آمالها القومية في تحرير فلسطين.. والوحدة.. وتحقيق تنمية حقيقية.. وقد أسفرت التفاعلات والمتغيرات عن انتشار الحركات المنسوبة إلي الإسلام.. من الإخوان والجهاديين بأنواعهم حتي القاعدة.. وانخرطت أمريكا وحلفاؤها في بناء ودعم أغلب تلك الحركات، واستخدامها.. ثم انقلبت عليها وانشغلت بإعلان الحرب ضدها وتعقبها في أنحاء العالم.. باعتبارها 'إرهابًا إسلاميًا'.. وقد كلَّفهم ذلك مئات البلايين من الدولارات، ومئات الآلاف من الضحايا.. وأصبح الرأي العام هناك غير راضٍ عن الوضع.. وعندما جاء أوباما تبني ما كان مطلبًا ملحًا وقتها وهو تغيير السياسة الأمريكية.. وتشجيع الديمقراطية حتي لو أدي ذلك إلي قفز الإسلاميين علي مقاعد السلطة في المنطقة.. قال أوباما ورجاله: لو حدث ذلك ووصل الإسلاميون إلي السلطة فإنهم سوف يتوقفون عن ممارسة الإرهاب ضدنا.. ويتحولون إلي حلفاء لأنهم سيحتاجون لخبرتنا ومساعدتنا.. وفي ذات الوقت سوف نتخلص من كلفة المواجهة التي أصبحت باهظة.. ومن ثم رفعت أمريكا/أوباما شعار 'الإسلام هو الحل'.. وخططت وساهمت في دعم ما سَمِّي ب'ثورات الربيع' رغم علمها بأن الشباب الليبرالي والقومي والتقدمي هو الذي أشعلها.. فقد كانت أمريكا واثقة أن حلفاءها الإسلاميين لن يتركوا الفرصة تضيع من أيديهم.. وسوف يتمكنون -بفضل تنظيمهم، ودعم أمريكا- من سرقة تلك الثورات.. وجري الاتفاق علي مساندة أمريكا وصول الإسلاميين إلي السلطة بكافة الطرق في مقابل تعهدهم برعاية مصالح أمريكا والغرب واحترام اتفاقات السلام مع إسرائيل.. وكانت مصر -من خلال إخوانها- هي الخطوة الأساسية لتطبيق ذلك الاتفاق.. وفوجئت أمريكا وحلفاؤها برفض الشعب المصري -المسلم- لحكم الإخوان تحت بيارق الإسلام وشعاراته.. بسبب بسيط وجوهري.. وهو أن الإخوان كانوا يقدمون مصالحهم علي قيم الإسلام.. ويرتكبون ما نهي عنه من 'الكبائر' وأولها الخيانة، والكذب.. فكان ما كان.. ورد الله 'الكافرين' بغيظهم لم ينالوا خيرًا.