وزير الداخلية السابق تحدي مرسي والإخوان فأطلقوا عليه السلفيين وأتباعهم اللواء محمد إبراهيم وقف مع ثورة 30 يونيو وكان يعرف أنه سيدفع الثمن حال الفشل لم يتراجع ولم يتردد بعد محاولة اغتياله.. بل ظل يواجه حتي اللحظة الأخيرة تحديات خطيرة تواجه الوزير الجديد.. ولذلك بدأ خطته منذ الساعات الأولي لا يستطيع أحد أن ينكر الدور الذي قام به وزير الداخلية السابق اللواء محمد إبراهيم، سواء في زمن حكم الإخوان، أو خلال ثورة الثلاثين من يونيو، أو في فترة المواجهة مع الإرهاب منذ انتصار الثورة وحتي انتهاء دوره يوم الخميس الماضي.. لقد تعرض اللواء محمد إبراهيم إلي حملات مسمومة، واتهامات ظالمة، وادعاءات كاذبة، إلا أنه كان يتقبل كافة المواقف والآراء، بل والتطاول، بسمو وخلق كريم، كان قلبه نقيًا ولم يفكر أن يثأر من أحد أو يتجاوز الحدود مع أي من هؤلاء الذين تطاولوا عليه.. منذ أن جري تعيينه وزيرا للداخلية في الخامس من يناير من عام 2013، وهو يحارب في العديد من الجبهات، لقد رفض بكل شدة محاولات أخونة الشرطة المصرية، وأصر علي عودة أقسام التطرف الديني والإخوان وغيرهما إلي جهاز الأمن الوطني رغم اعتراضات الرئيس الإخواني محمد مرسي، فحركوا ضده التظاهرات والاعتصامات ودفعوا ببعض العناصر إلي اغلاق أقسام الشرطة.. وعندما صمم اللواء محمد إبراهيم علي مواقفه، دفعوا بعناصر الإخوان والسلفيين لمحاصرة مبني جهاز الأمن الوطني في مدينة نصر، ورفعوا علم القاعدة وحاولوا اقتحام المقر، مما دفع بوزير الداخلية إلي ابلاغ الرئيس الإخواني بأن الشرطة المصرية سوف تتعامل مع كل من يحاول العودة مرة أخري إلي حصار جهاز الأمن الوطني، أو الاعتداء علي الشرطة المصرية.. وقبيل ثورة الثلاثين من يونيو، كان هناك لقاء خاص بيني وبين الوزير في الحادي والعشرين من يونيو، تحدثنا مطولاً فيما هو قادم، حيث كانت نذر الثورة تهب في الشارع المصري، وعندما سألت اللواء محمد إبراهيم عن موقف الشرطة المصرية قال لي: بصراحة ووضوح لن نسمح أبدًا بالاعتداء علي المتظاهرين، وسوف تقوم الشرطة المصرية بحمايتهم من أية اعتداءات قد توجه إليهم من الإخوان.. وقال لي الوزير: لقد أبلغت جماعة الإخوان والرئيس إن الشرطة المصرية لن تحمي مقرات الإخوان، لأن دورها هو فقط حماية المنشآت العامة والخاصة.. وعندما سألته في هذا الوقت، وماذا كان رد الفعل؟ قال لي الوزير لقد غضب محمد مرسي أشد الغضب، كما أن هناك بعض الوزراء الإخوان، ثاروا في مجلس الوزراء وهاجموا موقفي، وبعضهم تطاول محذرًا، إلا أنني لم أعر مثل هذا الكلام اهتماما.. وقال الوزير: لقد فوجئت يوم 26 يونيو وأثناء دخولي إلي قاعة قصر المؤتمرات لحضور خطاب الرئيس مرسي الذي هدد فيه الجميع، فوجئت بالمهندس أبو العلا ماضي رئيس حزب الوسط يقابلني بغضب قبل دخولي إلي القاعة ويهدد ويتوعد بأنني سأدفع ثمن موقفي، الذي أعلنته بحماية المتظاهرين. وقال الوزير.. لم أعره اهتمامًا، ولكن عندما دخلت إلي القاعة قبل أن يدخل الرئيس فوجئت بهتافات سخيفة ضدي من قبل الحاضرين في القاعة من الإخوان، ساعتها طلبت من بعض الوزراء الإخوان وقف هؤلاء المتطاولين. كان الوزير يدرك أن جماعة الإخوان سوف تصفي حسابها معه حال فشل ثورة الثلاثين من يونيو، إلا أن ذلك لم يؤثر في موقفه، بل ظل ثابتا عليه، وكان لهذا الموقف أثره الكبير في نجاح الثورة.. وبعد نجاح الثورة ظل اللواء محمد إبراهيم في منصبه، تحمل المسئولية بشجاعة وواجه الإرهاب بكل حسم، مستندا إلي القانون، وحتي أثناء فض اعتصام رابعة المسلح، سعي الوزير إلي تجنب الصدام حتي اللحظة الأخيرة، إلا أن عناصر جماعة الإخوان الإرهابية أطلقوا الرصاص ليسقطوا العديد من شهداء الشرطة والقوات المسلحة في هذا الوقت. وبعد حادث فض اعتصام رابعة، انتشر العنف والإرهاب في شتي أنحاء البلاد، وأشعل الإرهابيون الحرائق في كل مكان، ولم يستثنوا دور العبادة أو المنشآت، وواجه اللواء محمد إبراهيم الموقف بكل شجاعة ودون تردد.. كان يدرك أن الهدف هو اسقاط الدولة، وكان يعرف أن الشرطة المصرية تواجه واحدًا من أخطر التحديات التي واجهتها بعد انهيارها في 28 يناير 2011، ومع ذلك كان أهلاً لهذا التحدي، وراح يبث الحماس في نفوس الضابط والجنود خاصة بعد حادث كرداسة وسقوط المئات من الشهداء والمصابين في شتي أنحاء البلاد.. لم يكن أمام الإرهابيين من خيار سوي السعي إلي اغتيال وزير الداخلية، فأعدوا خطتهم وفخخوا احدي السيارات بهدف تدمير موكبه بالقرب من منزله، إلا أن عناية الله أنقذته من مصير كان محتومًا.. لقد ظن البعض أن الوزير سوف يتقدم باستقالته بعد هذا الحدث، إلا أنه استمر يؤدي مهمته كقائد في الميدان، دون أي تردد أو تراجع.. كان الوزير يعرف أن المؤامرة تهدف إلي اضعاف الروح المعنوية لرجال الشرطة بعمليات القتل والاغتيال، إلا أنه كان مصمما في المقابل علي مواجهة كافة التحديات المفروضة.. وبعد كل هذا الجهد الجهيد، والنجاحات التي تحققت ولا يستطيع أحد إنكارها، جاءت لحظة التغيير، وهي أمر طبيعي، إلا أن الرئيس السيسي كرم الوزير بتعيينه مستشارا لرئيس الوزراء للشئون الأمنية بدرجة نائب رئيس وزراء.. كان طبيعيا والحال كذلك أن يجري اختيار شخصية لها حضورها، وتجربتها الميدانية علي مدي عدة عقود، تولي في نهايتها منصب رئيس جهاز الأمن الوطني في أعقاب ثورة يناير، استطاع خلالها إعادة بناء الجهاز الذي تعرض هو الآخر لمؤامرة إخوانية دنيئة في 5 مارس 2011، عندما جري اقتحام المقر الرئيسي بمدينة نصر، وعدد كبير من المقرات الأخري. واللواء مجدي عبد الغفار معروف بالنزاهة والحسم واحترام القانون، ولذلك بدأ علي الفور في وضع خطة لتطوير الأداء الأمني، عبر الاستعانة بعدد من الكوادر القوية والقادرة علي العطاء وصاحبة الخبرة الطويلة في الأداء.. إنني هنا أتوقف أمام اختيار اللواء صلاح حجازي لمنصب مساعد أول الوزير لقطاع الأمن الوطني، وهو الذي تولي إدارة جهاز الأمن الوطني في محافظة القاهرة في أعقاب اقتحام مقرات أمن الدولة، وظل في موقعه، إلا أن قرر الإخوان إبعاده من منصبه، حيث تولي منصب مساعد الوزير للاتصالات وتكنولوجيا المعلومات. وهو أيضا من العناصر التي تتمتع بالخبرة الطويلة والنزاهة في مسيرته.. وأتوقف أيضا أمام تصعيد اللواء كمال الدالي مدير أمن الجيزة والذي تولي منصب مساعد أول الوزير لقطاع الأمن العام، فهذا الرجل تعرض هو الآخر لحرب من الإخوان في فترة مواجهته لبلطجة حازم أبو اسماعيل وميليشياته، حيث قبض علي بعض عناصر هذه الميليشيات بعد اقتحامها لمقر حزب الوفد وصمم علي موقفه، ورفض كافة التهديادت ولم يكن هناك من خيار سوي أن يتعرض للقهر، عندما أصدر محمد مرسي تعليماته بنقل اللواء كمال الدالي من منصبه كمدير أمن للجيزة إلي منصب هامشي في الأمن العام.. أما استمرار اللواء سيد شفيق كنائب للوزير للأمن فكان ذلك أيضا تقديرا لجهوده في الفترة الماضية، في حين تم تصعيد اللواء حسن السوهاجي صاحب الخبرة الطويلة في الأمن العام ومدير أمن أسوان وقنا سابقا ليتولي منصب مساعد الوزير لمصلحة السجون.. كما اختار أيضا اللواء مصطفي بدير مساعد أول لأمن القاهرة بعد نجاحه في موقعه كمدير لأمن محافظة الغربية كانت تلك هي بعض قرارات الوزير الجديد التي بدأ بها عمله داخل الوزارة بعد ساعات قليلة من تقلده منصبه، وهو أمر أعطي مؤشرا ايجابيا علي أن الفترة القادمة سوف تشهد خطة طموحًا للتطوير والأداء. وإذا كانت التحديات التي تواجه الأجهزة الأمنية هي ليست بالهينة، في ضوء المخططات والمؤامرات المعروفة، فإن الوزير الجديد يجد نفسه أمام استحقاقات يتوجب انجازها.. إن تحديث وزارة الداخلية وتطوير أجهزتها وإداراتها المختلفة هو واحد من أهم التحديات التي تواجه اللواء مجدي عبد الغفار، كما أن قدرة الداخلية علي الامساك بزمام المبادرة في مواجهة أعمال العنف والإرهاب التي استشرت يمثل ثاني هذه التحديات. وإذا كان الوزير الجديد يدرك تماما أن الجهود التي بذلت في الفترة الماضية حققت استعادة الشرطة لثقتها وقدرتها علي المواجهة فإن المرحلة القادمة هي مرحلة تحقيق النصر النهائي علي قوي الإرهاب، واستعادة سيناريو المواجهات التي تمت في الثمانينيات والتسعينيات، والتي حققت إنهاكا للإرهاب انتهي بقبول تنظيماته وعناصره لسياسة المراجعات الفكرية، والتي بمقتضاها تم الإقلاع عن سياسة العنف.. إن روح التفاؤل التي سادت كافة الأوساط في أعقاب اختيار اللواء مجدي عبد الغفار ليكمل مسيرة اللواء محمد إبراهيم ويطور من آلياتها ستكون بالتأكيد دافعا مهما للشرطة المصرية في تحقيق المزيد من الأهداف المجتمعية التي يراهن عليها المصريون. بقي القول أخيرا إن مصر لا يمكن أن تنسي الرجال الذين قدموا لها وضحوا، من أجلها، ومن بين هؤلاء بالقطع اللواء محمد إبراهيم، ولذلك حتما ينتظر المصريون من الوزير الجديد المزيد من الانجازات وتحقيق الأماني والطموحات.