ألفنا منظر الدم، وسيناريوهات التعذيب والذبح والتمثيل بجثث البشر، فضلاً عن أصوات الرصاص والتفجيرات، ومراقبة إجراءات تفكيك العبوات الناسفة.. حتي إن هذه الأحداث وغيرها أصبحت قسماً أساسياً في حياة المصريين اليومية يتابعونها بشكل عابر، صارت تلك الفظائع أمراً واقعاً في بلد الأمن والأمان 'سابقاً'، شأنها في ذلك شأن كل المنطقة التي تحولت بفعل فَعَلة إلي براكين بعضها اندلع ولايزال فائراً، والبعض الآخر يوشك أن يقذف بحممه المستعرة بين طرفة عين وانتباهتها!! ورغم هذا الاعتياد، فقد اجتاحت مشاعر الأسي والاستهجان والامتعاض نفوس المصريين إثر مشاهدتهم لجريمة قتل 'الكلب مكس' الذي تخلي عنه صاحبه 'البني آدم أوشه' وسلمه لمجموعة من كائنات لا تحمل من صفات البشر في ثنايا قلوبها الغليظة، وشقوق عقولها الضيقة إلا أرذلها وأقبحها.. خصال 'مُدَعشَنَة' لم ينجُ من وضاعتها حتي ذلك الكلب الذي نحروه بعد أن نكلوا به وضربوه بالعصي وطعنوه بالسكاكين في احتفالٍ مُقزِز، بينما كان الكلب مُكمَم الفم، مغلول الرقبة.. وبالطبع فإن تلك الواقعة كفيلة بخروج حشود المتظاهرين في الغرب تأثراً وتحسراً علي حقوق الحيوان المُنتَهَكَة من قِبَل الإنسان.. البعض يري أن عدم حصول المصريين علي وجبة مُشبِعة من مشاهد سفك الدماء التي لم تكن هذا الأسبوع بمستوي البشاعة المعهود، هو ما تسبب في تعاطفهم مع الكلب كجرعة تكميلية!! بينما هناك من يؤمن بأن الواقع الدموي المفجع علي مدار الأربع سنوات الماضية لم يقوَ علي تبديد كل مساحات الأبيض الشاسعة في قلوب المصريين، رغم ظلال الخوف واليأس التي ألقت بسوادها علي عواطفهم!! وهذا هو الاحتمال الأرجح لأنه الأكثر اتساقاً والتصاقاً بطبيعة الشخصية المصرية الطيبة، العصية علي التغيير. أيضا فإن توجع المصريين لمشهد إعدام الكلب يُعَدُ مطابقاً لسمة 'التناقض' المضفور مع مكونات تلك الشخصية.. ألسنا نحن من نعتبر نعت الإنسان أو أحد أفراد عائلته بالكلب سباباً يعاقب عليه القانون، ويستنكره العُرف؟! ألا يستعين أغلبنا في حديثه بكلمة 'لا مؤاخذة' لتصاحب كلمة 'كلب'؟! تدليلاً علي اعتبار أن مجرد التلفظ بها يندرج تحت قائمة العيب، وما الغريب في ذلك فالكثيرين يعتبرون الكلاب حيوانات نجسة!! ألسنا نحن الذين طالما استخدمنا عبارة 'كلب وراح'، والتي لا أعرف من أين أتت، وذلك لتأكيد مدي احتقارنا لشخص فارق عالمنا الكبير أو الصغير؟! ومع كل ذلك، وإمعاناً في 'التناقض'، بكينا أنهاراً علي 'الكلب'.. في حين لم نذرف دمعة واحدة، ولم تتحرك نخوتنا قيد أنملة طيلة قرن ونصف علي حال جدنا الفرعون ورأسه المكسور مطروحٌ في مدن فرنسا تحت نعل حذاء 'شامبليون'!!! ولنستكمل في العدد القادم بمشيئة الله. [email protected]