القضايا المصيرية، لا تصلح أبدا أن تكون قضايا موسمية.. والمصير يرتبط بالتعليم والاقتصاد والعلاقات الخارجية والاستقرار.. لا يكفي أن تردد أجهزة الإعلام والكتاب والصحفيون نداء بإصلاح الخطاب الديني، دون البحث عن آلية تنفيذ النداء والإشارة إلي من بيده الأمر الفصل، ومن يملك زمام المبادأة.. الخطاب الديني ليس سيارة معطلة، وعلينا استدعاء ميكانيكي خطابات دينية، ينام أسفلها ليرمم ما بها من عطل.. نحن نعيش بين عوالم عدة، أعني أن عالمنا العربي والإسلامي جزء من العالم الكبير، عصر السماوات المفتوحة، ولا نعيش في حضانة اسمها العالم العربي، لا بد لنا من الخروج من هذا الفكر الضيق.. عندما نتحدث عن إصلاح الخطاب الديني لا بد أن نحدد الغاية والهدف تمامًا.. الخطاب الديني خطاب فكر وليس خطاب رأي.. فكر يرتبط ارتباطًا وثيقًا بكل الأديان السماوية، وكلها جاءت من مصدر غير قابل للتأويل ولا للتعديل إنما قابل للرفض أوللقبول.. من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر، أما خطاب الرأي هو من يقبل المناقشة.. مسألة إصلاح الخطاب الديني خرجت عن مسارها، وما يعنيه ويقصده شرفاء الفكر والمطلب.. بعض من أجهزة الإعلام والمفكرين، أصحاب الرؤي الوافدة اتخذوا منه وسيلة لضرب الهوية العربية الإسلامية.. عندما تحدث فخامة الرئيس وطالب العقول المصرية المفكرة المثقفة الواعية، بتعديل مفاهيم الخطاب الديني، طبقًا لمقتضيات الحال.. لم يشأ أن يطلبه من طائفة الحرفيين، نجارين كانوا أو ميكانيكية، ليس تقليلًا من أمر هؤلاء، خلق الله سبحانه وتعالي خلقه، ولكل قدراته وتفكيره.. لكن الأمور لم تأت حيث كان يجب تكون عليه، كلمة الرئيس.. فجأة تحولت كلمته أو مطلبه أو تعديله، مادة إعلامية شهية يتحدث فيها المعني وغير المعني.. مادة لملء الفراغ الفضائي، في ساعات بث أكثرها لا لزوم له، ولا طائل من تحته.. نغمة يقفز من فوقها المغرضون، لضرب الهوية الإسلامية العربية، ولنا العبرة فيما جري في نينوي الموصل بالعراق، من حرق المكتبات والتراث الفني والفكري والحضاري، منزلق محسوب علي الإسلام، لا علي من قاموا به.. إصلاح الخطاب الديني لا يوكل به إلي الأزهر الشريف موئل العقيدة فقط، وإنما لوزارة التعليم والجامعات، مع علماء التاريخ والجغرفيا والفيزياء والكيمياء ومراكز البحوث الإسلامية والتربية، لنصل إلي فقه عصري حديث.. الخطاب الديني جزء منه كبير سياسي واقتصادي وأكثره الوجوه فيه إنساني، وعلاقة إلاسلام بالعالم، وكيف يتعامل مع الأديان السماوية الأخري، وان يحترمها.. لمن ينادون بالشرع الحنيف، أراهم في كثير من الأحيان علي حق، ولكن طبقا لفقه الواقع مع تحكيم العقل، ووسائل الاتصالات التي هي أسرع من طرفة عين.. ما فات من كتب للأقدمين وما ذكر فيها، تراث تاريخي ملك للانسانية كلها.. مرجعية للباحثين والعلماء والدارسين. المهمة شاقة وتاريخية حتي إذا اجتمع مسلمو آسيا أو أفريقيا أو أوربا، يري العالم أن أمة الإسلام والعرب، تتحدث بلسان واحد وحرف وعقيدة واحدة.. نختلف في العادات والأعياد والتقاليد نعم، لكن العقيدة ومصدرها، منطقة حذرة.. وحتي لا تخرج من هذه العاصفة المغرضة، موجة غبارية تعمي العيون، عن الأهداف الخبيثة وما وراءها.. أري أنه من الملح والضروري وعلي أشقاء الهدف والطريق تكوين مجلس إسلامي عربي 'لصيانة وتحديث الخطاب الديني'. إن الخطاب الديني في عالمنا الحديث رسالة ثقافية وسياسية واقتصادية، مع كل الأديان والأجناس والملل والنحل.. هو خطاب إنساني، ليس مقصورًا علي الشخص واللسان العربي وحدهما.