هل صارت مشكلة شبابنا المصري، الثوري الجميل والنبيل، لغزًا عصيًا علي الحل؟! هل صار الخروج بحلول حقيقية لمشاكله، حتي نضعه علي الطريق السليم.. أمرًا خارجًا عن نطاق السيطرة والتحكم.. بل خارج عن رغبة رئيس الجمهورية شخصيًا الذي أبدي في كل خطبه رغبته الحارة والأمينة في تمكين الشباب؟! هل صارت شعارات ثورتي 52 يناير و03 يوينة، اللتين لعب فيهما الشباب دور الدينامو، والمحرك، والمفجر.. هل صارت في مهب الريح وذهبت في أدراج الرياح.. من عيش، وكرامة، وحرية، وعدالة؟! بعد أن ضاقت البلاد بما رحبت، فرأينا شباب الثورة ومشعليها.. يزج بهم في السجون، ويأخذون أحكامًا مشددة من 'أحمد دومة' مؤبد.. إلي 'علاء عبد الفتاح' 5 سنوات.. وسواهم المئات!! بينما يخرج 'المخلوع' مبارك وقراصنة حكمه وأبنائه.. براءة من السجون وتباعًا.. ولعل آخرهم حبيب العدل وأحمد نظيف؟! هل يكافأ المستبد والفاسد والطاغية علي الطغيان والفساد الذي عم البر والبحر، فكانت دولة فساد، لا فساد في دولة.. طيلة أربعة عقود مضت.. بحيث صارت التركة مروعة، وثقيلة.. وباتت تداهمنا في صحونا ونومنا.. هؤلاء يكافؤون.. ويخرجون 'كالشعرة من العجين' ويتبجحون في عزمهم علي ممارسة الحياة السياسية، وخوض المعركة البرلمانية كما شاهدنا مع 'أحمد عز' الذي كان أحد الأسباب الأساسية في قيام ثورة 52 يناير، هذا يجري.. بينما ينكفئ خيرة شباب الثورة في السجون.. وهم الذين حطموا ذلك الكابوس، وبحثوا عن حياة جديدة، قوامها الكرامة والحرية، ولم يرتكبوا فسادًا، ولا إثمًا، ولا عدوانًا.. ولم تصطبغ أيديهم بالدم، بل هم من بذلوا الدم والروح وسقط منهم مئات الشباب في سبيل حرية الوطن.. والبحث عن حقوق الشعب المنهوبة.. فهل يكافؤون علي ذلك النحو؟! كيف لنا أن نستوعب ما يحدث في هذه الآونة العصيبة من حياة الوطن، فبينما تواجه مصر الإرهاب الأسود، تسعي قوي مناوئة لشق الصف الوطني، لتوسيع الهوة بين صفوف الحركة الوطنية علي جانب، ومحاولة منها لسقوط الدولة علي جانب آخر.. فلماذا تظل قضية الشباب.. من القضايا التي يغلفها الغموض.. وتنتابها الأهواء والأنواء؟! ونحن نتحدث عن الشباب النقي الثوري الذي قد يتمرد بحكم 'سنه' وقد يشطط بحكم الطاقة.. لكنه أبدًا لا يفرط في ثوابت الوطن، فدائمًا وأبدًا مصلحة الوطن هي المحدد الأول لهدفه وغايته.. وقديمًا قالوا: وقت الشدائد، يختبر الرجال.. لكن المفارقة الحادة تتبدي فيما نعانيه اليوم.. من المفترض أن يتحلق الشباب حول القيادة، وإذا بنا نلمس العكس، ولا أحد مهموم همًا حقيقيًا بالبحث عن الأسباب لإيجاد الحلول الجادة والناجحة.. بل يبدو من المشهد العام أن هناك من يحاول توسيع الفجوة إلي هوة.. بل إن الصخب الإعلامي يسهم في ذلك حتي عن غير قصد.. بحيث ينطبق عليه وصف.. ضعف الطالب والمطلوب! لقد ظُلم الشباب كثيرًا في سنوات 'المخلوع'.. وقد استرد اعتباره في 52 يناير وأكدها في 03 يونية.. لكن كان جزاءه بعد ذلك جزاء سنمار.. أو بالأحري الازدواجية في المعايير والتقييم.. نسمع تصريحات الرئيس 'السيسي'.. نشعر معها بأن 'النيل' يفيض حبًا وكرامة وحرية.. نشاهد الواقع فنري صورة 'النيل' الحقيقية حيث التعفن والجمود.. حتي رغم الحملة الرائعة التي قادها رئيس 'الوزراء' المهندس 'إبراهيم محلب' لحماية 'نهر النيل' فلا يزال النهر يستقبل من النفايات أكثر ما كان يستقبله في عهود فاسدة سابقة!! إن لغز الشباب.. يعيد علي مسامعنا الأغنية القديمة الحديثة.. ل'مدحت صالح' 'كوكب تاني'.. وهو يؤكد فيها علي 'رفضك يا زماني، يا أواني ويا مكاني، أنا عايز أعيش في كوكب تاني، فيه لسه أماني، فيه الإنسان، لسه إنسان، عايش من تاني'.. ورغم أن هذه الأغنية كانت تعبر عن عصر الفساد، عصر المخلوع، فإنها صارت تداعب مشاعر الشباب اليوم.. والأسباب عديدة في مقدمتها أن الشباب وعلي أرض الواقع، وبعد ثورتين.. لم يتحقق له ما كان يحلم به!! وفي كل يوم تزداد الهوة.. بين الحلم والواقع. ومن هنا جاءت مسرحية.. نالت رواجًا كبيرًا بين صفوف الشباب.. لأنها باختصار تعبر عن رفضهم ومعارضتهم لأوجه النقص والسلبيات التي تموج بها الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية.. فلا يزال النظام القديم.. يتنفس وجاثم علي الصدور.. ورغم قلة الإعلانات بل ندرتها.. فإن الشباب صار يعرف طريقه إلي المسرح والبحث عن مسرحية '0891 وأنت طالع'.. وهو الأمر الذي دفع بالإعلامي 'حافظ الميرازي' بذكاء أو بمكر ودهاء.. لتخصيص حلقة كاملة وعلي امتداد ساعة في محطة 'cbb' البريطانية عن المسرحية، والمشتركين فيها، ليتحدثوا حديث الشباب الصريح، والجارح أحيانًا، والناقد في كثير من الأحيان.. نعم يسخرون، ويتمردون، ويكسرون السدود والحدود وحتي المحرمات وهي بالقطع السياسية.. وهذا حقهم.. بل طبيعة الشباب في الأساس.. لمن يفهم ويتفهم هذه الطبيعة.. وكنا نود أن نشاهد مثلها في التليفزيون المصري.. حتي لا تصبح حرية الرأي حقيقة ملموسة ومرئية لدي الشباب لا مجرد شعارات نطلقها كالبالونات الملونة في المناسبات وأعياد الميلاد! ولعل في محاولة تغييب، وغياب الشباب.. التي نحياها اليوم، حتي لو أنكر المرجفون أو المداهنون، المتسلقون الجدد.. تفجرت أمام عيني مشكلة قد تلخص الجانب الأهم من حياة وتفكير شباب اليوم أو البعض منهم.. وأنا أشاهد حوارًا مع الشاب 'محمد سلام' البالغ من العمر '23' عامًا.. وهو مصّر علي السفر بلا عودة! حيث السفر إلي كوكب المريخ.. الذي تصعب الحياة عليه.. إن لم يكن مستحيلًا! والسؤال ما الذي يدفع به إلي تلك الرحلة العدمية؟! هل لفقده الأم والأب.. بعد أن أكد ربما فكر قليلًا لو كانت أمه حية؟! إذا مددنا الخط علي استقامته.. إذا كانت أم 'محمد' قد ماتت، فإن أمه الكبري مصر لم تمت.. فما هي علاقته بها.. من المؤكد أن هناك مشاكل.. لكنه لم يصرح بها.. والتف عليها.. بل هرب منها.. إن الرحلة المزعومة تستغرق '9 شهور' ذهابًا لبعد هذا الكوكب ملايين الملايين عن الأرض.. وبعد التصفية.. هم يرغبون في '42' مسافرًا نصفهم من الإناث والآخر ذكور.. وهم الآن في عدد '99' شخصًا.. الفريق الناجح سيخضع لتجارب ودراسة، وتمارين، علي امتداد 9 سنوات طوال.. أي في عام '4202' سيذهب أول فريق مكون من 4 يتبعهم 4 آخرون.. 2 سيدات، و2 رجال.. إن الشركة المتبنية هذا المشروع.. اشترطت علي المتقدم.. أن الذهاب بلا عودة وكما أخبرتهم فمن الممكن أن يعيشوا '06' عامًا علي ظهر هذا 'المريخ' الذي نسبة الأكسجين فيه 2% والجاذبية 04%، ودرجة الحرارة 05 تحت الصفر، لا توجد كائنات ولا نباتات.. يوجد فقط حشرات!! إن أسلوب 'الأخ الأكبر' أي التسلط، والتجسس، والتحكم في الحياة والمصائر كما جسدتها رواية أورويل '4891' تحققها تلك الشركة ويخضع لها كافة المتسابقين، ليست هناك حرية شخصية، ولا حرمة لآدمية.. الغريب والمرير أن 'محمد سلام' متحمس للرحلة، ويتمني أن يكون ضمن الرابحين ال'42'! ويقول يكفيه أن يرفع علم مصر علي كوكب 'المريخ' الذي هو بالمناسبة يطلق عليه اسم 'مارس' أي إله الحرب في الأساطير القديمة.. وبعد.. أما كان أجدي بمحمد وأقرانه من الشباب أن يفكروا بزرع علم بلادهم علي أرضهم بدلًا من السباحة في الفضاء والعدم؟!