بعد أن قرر حسم أمره والترشح للبرلمان انتظروا المزيد من المفاجآت!! أصدر بيانًا لم يعترف فيه بالأخطاء وإنما راح يقدم نفسه كجريح ظُلم رغم التضحيات!! يري في تزوير انتخابات 2010 ضرورة لحماية النظام ولم يبق سوي أن يطالب بتكرار النموذج مرة أخري. رفض نصيحة عمر سليمان وأعلن الحرب علي مركز المعلومات بعد الاستفتاء الذي أثار غضبه أصدر رجل الأعمال أحمد عز بيانًا مساء أول أمس إلي أبناء دائرة السادات يبلغهم فيه بقراره الحاسم والنهائي بالترشح للانتخابات البرلمانية المرتقبة.. وتحدث أحمد عز في رسالته عن هدفه من الترشح في هذه الانتخابات بالقول: 'لا غاية لي إلا مجدها وحدها.. مصر.. لأنه بلد يستحق المجد'، لكنه يبلغنا أنه مصمم علي ذلك رغم التحذيرات التي تلقاها من عائلته ومن بعض الدوائر التي قال إنها صورت الأمر وكأنه يقدم علي انتحار عمدي أو أنه يسوق نفسه إلي التهلكة عن جهل أو عن قلة بصيرة. غير أن أحمد عز لا يزال يتحدث بلسان الماضي، دون حتي كلمة اعتذار واحدة عن سياساته ومواقفه التي أدت إلي سخط وغضب عارم في البلاد، كان فيها هو نجم الفساد السياسي الذي سيكتب التاريخ أنه كان واحدًا من الذين يتحملون مسئولية انهيار النظام وسيادة الفوضي وتكبيد البلاد خسائر فادحة خلال الفترة الماضية. لقد قال أحمد عز في بيانه 'لا أجد في ضميري شيئًا أقوي من أن أشارك أبناء بلدي حلم العمل والتنمية والنمو الصناعي والاقتصادي، هذا الحلم الذي عشته طوال سنوات عمري، وأسأل لله أن أكون جنديًا من جنوده، فما قيمة الإنسان أي إنسان، إن لم يكن قادرًا علي الحلم، وإن لم يكن جاهزًا ليقدم التضحيات الممكنة من أجل الحلم الذي يرجوه لبلاده. وهكذا يمضي أحمد عز في رسالته ساعيًا إلي تبرير أفعاله ومواقفه، مستهدفًا إقناع عامة الناس بأنه ضحي من أجل مصر، ولا يزال مستعدًا لتقديم المزيد من التضحيات عبر تشريعات صادقة في البرلمان تفهم ما تحتاجه مصر كما يقول وبما يضمن لها مكانة بين أرجاء العالم. إن الغريب في رسالة أحمد عز، أنه يقدم نفسه إلي الرأي العام، وكأنه واحد من هؤلاء الأبطال الذين حذروا من مخاطر الانقسام والفوضي التي عاشتها البلاد في وقت سابق، وكأنه بريء براءة الذئب من دم ابن يعقوب، فهو يقول 'ربما يعرف الناس الآن كيف كانت حدود معركة مصر في السابق ضد أخطر تنظيم دولي متطرف علي الساحة المصرية'. ويضيف القول: 'بل ربما يعلم الناس الآن أكثر من أي وقت مضي أن ما حذرنا منه أو حتي اخطاءنا في الماضي كانت تدور حول حماية مصر قدر ما نستطيع من السقوط في فخ هذه القوي'. وهكذا راح أحمد عز يمارس الدجل السياسي مجددًا فهو يصور تزويره لإرادة المصريين في انتخابات مجلس الشعب 2010، علي أنها حماية لمصر، وينسي ويتجاهل أن معركته لم تكن ضد الإخوان بقدر ما كانت ضد كل من يعارض النظام الحاكم في مصر، بل إن صحيفة الدستور كانت قد نشرت في وقت يسبق هذه الانتخابات المزورة بعدة أشهر ما يشير إلي أن أحمد عز كان قد أعد قائمة من ثمانية نواب يجب اسقاطهم في هذه الانتخابات كان من بينهم علاء عبد المنعم وطلعت السادات ومحمد عبد العليم ومصطفي بكري وآخرون، ولم يكن من بينهم نائب واحد من نواب جماعة الإخوان. لقد كان شهر عسل بين الإخوان وبين أحمد عز، كان يلتقي نوابهم بشكل مستمر، وكانت علاقته بهم جيدة للغاية، وكثيرًا ما عقد معهم لقاءات واجتماعات مشتركة جري خلالها التنسيق حول بعض القضايا. إن أحمد عز والنظام السابق يتحملان مسئولية تاريخية في هذا الغضب والاحتقان الجماهيري الذي حدث خلال ثورة 25 يناير، هذا النظام الذي هيأ الأجواء أمام جماعة الإخوان لتستغل سخط الجماهير ورفضها لتزوير الانتخابات والفساد السياسي والاقتصادي في الدفع بالجماهير إلي الشوارع لاسقاط النظام وتولي الإخوان بعد ذلك مهمة إدارة الأمور في البلاد. لقد حكي لي الراحل عمر سليمان، أنه أثناء توليه منصب مدير المخابرات العامة جاء إلي مكتبه أحمد عز الذي كان يتولي مسئولية تنظيم الحزب الوطني في هذا الوقت ليناقش معه الموقف من الانتخابات البرلمانية 2010، قبيل إجرائها بقليل، وعندما عرض عليه عمر سليمان أن يتم السماح بدخول من 120 150 نائبًا من المعارضة، رد عليه أحمد عز بكل تحد وقال 'ولا واحد'!! منذ هذا الوقت أدرك عمر سليمان أن البلاد سوف تمضي إلي مرحلة الخطر، وأن وجود رجال من أمثال أحمد عز في قمة السلطة، سوف يقود إلي صدام واسع بين النظام والشارع الغاضب. وإذا كان أحمد عز في بيانه يؤكد انحيازه للتحقق من المسئوليات السياسية له وللنظام الأسبق، فأنا أتمني بالفعل أن يجري تحقيق سياسي عادل وأن تفتح كل الملفات، لوضع الحقائق أمام الجماهير حول مسئولية الفساد السياسي الذي حدث في مصر طيلة حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك وأتمني بالفعل أن يكون هذا التحقيق علنيًا ليعرف الناس حقائق ما جري، وإن كانت الجماهير قد لمست ذلك بنفسها وعايشته وأعلنت رفضها له في ظل الحكم، وعندما كان أحمد عز واحدًا من أهم نجوم هذا الفساد السياسي. إن الأحداث التي عاشتها البلاد في ظل مجلس الشعب 2005 2010 والممارسات التي لعب فيها أحمد عز دورًا رئيسيًا كانت هي نقطة التحول في علاقة الجماهير بنظام الرئيس حسني مبارك. صحيح أن أحمد عز لم يكن يتحرك وحده، ولكنه كان دومًا أداة القهر التشريعي والسياسي والاقتصادي في مواجهة المطالب الجماهيرية العادلة، ومن بينها الحق في انتخابات حرة نزيهة. إنني أتذكر أن أحمد عز بعد تزوير الانتخابات البرلمانية في عام 2010، كتب ثلاثة مقالات تاريخية في الأهرام، برر فيها لتزوير الانتخابات البرلمانية عام 2010. لقد كتب تحليلا لا يستند إلي منطق، ولا يعكس صورة الواقع، ولا يعترف بخطأ أو تجاوز، بل تضمن تبريرات غير منطقية لعمليات التزوير الفاضحة التي شهدتها هذه الانتخابات، والتي مكنت الحزب الوطني من الفوز بمقاعد البرلمان كامل. والغريب أن أحمد عز، كتب في أحد هذه المقالات ليقول إن من أسباب ما أسماه 'بفشل المعارضة في الانتخابات الماضية يرجع إلي عجزهم وعدم قدرتهم علي تقديم مقترحات عملية واقعية تخاطب العقول أكثر من اللغوية التي تخاطب القول'. كان أحمد عز يتعامل بمنطق الجبروت، لا يعير أحدا اهتماما، يحدثنا عن ضرورات احترام الرأي الآخر، وهو الذي قمع الرأي الآخر، حتي وصل به الأمر إلي تحريض نوابه علي الاعتداء علي نواب معارضين، والاساءة إليهم واحالة بعضهم إلي لجنة القيم، وكذلك تفتيت دوائرهم كما حدث معي بعد أن قرر تفتيت دائرة حلوان ومايو والتبين وقطعها وقسمها، حتي قيل في هذا الوقت إنني صحوت ذات صباح ولم أجد دائرتي التي أمثلها. كان ذلك بسبب أنني تجرأت وقدمت استجوابا في البرلمان عن احتكاره للحديد، فقد كان انتقاميًا، وأتذكر هنا أنه عندما أجري مركز المعلومات ودعم صنع القرار التابع لمجلس الوزراء استفتاء علي عينة من المواطنين 1263 مواطنا في نهاية الدورة البرلمانية 2005 2010 عن من هو أفضل النواب ايجابية وأداء في البرلمان فكانت النتيجة مصطفي بكري ومن هو أكثرهم سلبية فكانت النتيجة أحمد عز، ثار وغضب وهدد الدكتور ماجد عثمان رئيس المركز، وطلب من رئيس الوزراء أحمد نظيف أن يصدر قرارا بإعدام نتائج الاستفتاء بعد أن تم طبعها وأن يحجبه عن وسائل الإعلام، خاصة بعد أن تسربت منه نسخة ونشرتها بعض الصحف. إن الأمثلة كثيرة ومتعددة، وكلها تؤكد أن أحمد عز كان يمتلك من القوة داخل البرلمان وخارجه ما يمكنه من أن يكون هو الرجل الأول في الحزب والبرلمان، فالكل يعرف أن صفوت الشريف الأمين كثيرا ما كان يشكو منه، كما أن زكريا عزمي وكمال الشاذلي عجزا عن إجراء تعديل في قانون الضريبة العقارية يخفض من قيمة الضريبة بعد رفض أحمد عز لذلك كما أنه أجبر البرلمان علي تغيير موقفه بعد أن وافق علي الاقتراح الذي تقدمت به ويقضي باعفاء السكن الخاص من الضريبة، وكان الموقف مثيرا للدهشة والسخرية في آن واحد. صحيح أنه لا يوجد مانع قانوني أو حكم بات ونهائي حتي الآن يحول دون ترشح أحمد عز للبرلمان، إلا أن نجاحه سوف يزيد من حالة الاحتقان في الشارع المصري، ذلك أنه ومنذ اصدار هذا البيان سادت الشارع المصري حالة من الغضب والسخط، وشعر المصريون وكأن هناك اعادة لانتاج الوجه القبيح للنظام الأسبق، وأن أحمد عز بدلاً من أن ينزوي جانبًا، قرر أن يحرق دماء المصريين وربما يقف غدا في البرلمان ليطالب بمحاكمتهم جميعًا. وغدا سيكتشف المصريون أن أحمد عز لن يكون وحده في البرلمان، بل ستكون معه وإلي جواره كتلة من حوارييه ومريديه وأنصاره السابقين والذين تواصل معهم وقدم لهم الدعم ليعودوا مجددًا ويعزفوا لحن الخلود رغم أنف الكارهين!!