لم يعرف الإخوان في يوم من الأيام معني الولاء للوطن.. وتاريخه.. وحدوده.. واستحقاقاته.. وخلال عام واحد من حكم الإخوان لمصر فوجئ المصريون بأنه لا مانع لدي مرسي وعصابته من تحويل سيناء إلي وطن بديل للفلسطينيين.. والتنازل عن حلايب وشلاتين للحكومة الإخوانية في السودان.. تحت دعاوي وهمية تقول إن هذه الأرض وغيرها سوف تلتئم ذات يوم تحت علم دولة الخلافة.. ، ودائمًا كان الوطن أمرًا هينًا بالنسبة لفكر الإخوان واهتماماتهم.. وكثيرًا ما قاموا باختراقه ومعاداته، والتفريط فيه.. والتجسس عليه لصالح الأعداء.. وقد لازم ذلك السلوك وتلك الخاصية الإخوان منذ نشأتهم وحتي اليوم وما بعد اليوم إن كتبت لهم الحياة مرة أخري.. وهو أمر بعيد. وعلي سبيل المثال لا أكثر.. نذكر بشيء من ممارسات الإخوان في ذلك الصدد.حيث يقول تاريخهم إنه وبعد نشأة الجماعة بحوالي 12 سنة، التحق بها شاب ريفي يدعي سعيد رمضان عام 1940.. وقد لاحظ الإخوان وسجل ذلك حسن دوح في كتابه '25 عامًا في جماعة' إن الشاب الجديد يقلد المرشد حسن البنا في كل شيء.. ويكاد يتقمصه كاملاً كأبرع ممثلي التقليد والمحاكاة.. ولم تمض أكثر من تسع سنوات حتي أصبح الشاب سكرتيرًا خاصًا للبنا.. وموضع ثقته الكاملة، والمؤتمن علي أسراره وأسرار الجماعة.. ثم.. زوجًا لأبنة المرشد أيضًا. وعقب حل الجماعة واغتيال البنا أوائل عام 1948 اختفي سعيد رمضان شأن كافة الإخوان.. وعندما رأي الملك والانجليز ضرورة عودة الإخوان للعمل للحد من سطوة ونفوذ حزب الأغلبية الكاسحة 'الوفد' عام 1951.. نقل سعيد رمضان ببساطة ولاءه الكامل، وطاعته المطلقة للمرشد الجديد حسن الهضيبي.. وأصبح واحدًا من أبرز أعوانه وأخلصهم. ومع صدام الإخوان بثورة يوليو 1952.. هرب سعيد رمضان إلي خارج مصر بعد اتهامه في قضية المنشية ومحاولة اغتيال عبد الناصر وظل متنقلاً بين السعودية، والسودان، والأردن بعد أن منحته حكوماتها جواز سفر دبلوماسيا قيل إنه كان استجابة لضغط أمريكي.. وقد ساعدته السعودية في تأسيس العديد من المراكز الإسلامية في العواصم الأوربية خاصة ألمانيا.. ولندن وجنيف التي استقر بها عام 1958، ثم تفرعت أنشطته.. وأحاطت به الريب والظنون. وقد كشف الكاتب والمؤرخ البريطاني الشهير 'ستيفن دوريل' في كتابه الوثائقي 'مغامرة داخل العالم السري لجهاز المخابرات البريطانية' المعتمد علي وثائق المخابرات البريطانية والأمريكية.. والسويسرية والألمانية.. عن تفاصيل عمالة سعيد رمضان لأجهزة المخابرت العالمية.. يقول دوريل إنه بعد تفجر الصراع بين نجيب وناصر والذي انتهي لصالح ناصر الذي نجح في التوصل لاتفاقية جلاء كامل.. بدأت المخابرات البريطانية في الإطاحة بنظامه اعتمادًا علي الإخوان.. ولعب الدور الأساسي سعيد رمضان الذي يؤكد دوريل أنه كان عميلاً للمخابرات البريطانية والأمريكيةوالسويسرية.. وقد التقاه في جنيف ضابطا المخابرات البريطانية 'نيل ماكلين وجوليان امري' لوضع اللمسات الأخيرة علي المؤامرة ولم تكن المخابرات المصرية نائمة فتم سحب الجنسية من سعيد رمضان'، ويقول دوريل إن أرشيف المخابرات السويسرية يؤكد معرفتها لعمالة سعيد لعدد من أجهزة المخابرات العالمية. ويؤكد دوريل أن التنسيق بين سعيد رمضان والمرشد الهضيبي وتريفور ايفانز المستشار الشرقي للسفارة البريطانية كان وراء المحاولة الفاشلة لاغتيال عبد الناصر.، وعقب تأمين قناة السويس أمر 'انتوني إيدن' رئيس الوزراء البريطاني بضرورة تصفية عبد الناصر.. وفي اعتراف ل'جوليان امري' ضابط المخابرات البريطاني أنه تم وضع خطة خلال ضرب مصر عام 1956 بإخراج محمد نجيب من إقامته الجبرية وتوليته الرياسة.. وهي الخطة التي ساهم في رسمها سعيد رمضان وعدد من قدامي السياسيين المصريين.. وعندما فشلت المحاولة الثانية بدأ سعيد رمضان يخطط مع المخابرات البريطانية والإخوان لمؤامرة محكمة تم كشفها ومحاكمة قادتها وأولهم سيد قطب.. وبعدها تفرغ سعيد لتأسيس بنك التقوي بمعرفة المخابرات المركزية الأمريكية، مع يوسف ندا 'وشهرته مزور الوثائق ضد جمال عبد الناصر'. وباختصار.. فلم يكن كتاب المؤرخ البريطاني 'مغامرة داخل العالم السري لجهاز المخابرات البريطانية' هو الكتاب الوحيد الذي تطرق لعلاقة سعيد رمضان المشبوهة بأجهزة المخابرات العالمية.. فقد صدر مؤخرًا كتاب 'مسجد في ميونيخ' للكاتب الكندي 'إيان جونسون' والمسجد المشار إليه يعني المركز الإسلامي في ميونيخ الذي تأسس عام 1958 علي يد سعيد رمضان وأصبح مركزًا للإسلام الرديكالي في أوربا.. وقد ذكر الكتاب أسرارًا كثيرة وأكد أن سعيد التقي الرئيس الأمريكي ايزنهاور في البيت الأبيض وعرض عليه خدمات الإخوان لمحاربة الشيوعية.. وكان ضابط الاتصال بين الإخوان والمخابرات الأمريكية عميل ال'سي.آي.إيه' الشهير 'روبرت دريهارد' وفي تقرير للمخابرات المركزية الأمريكية أن سعيد 'فاشي يهتم بتجميع الأفراد.. وهو نموذج لجنون جماعته بالسلطة'.. ويقول الكاتب إيان جونسون إن حكومات أمريكاوألمانياالغربية.. وبريطانيا وفرنسا.. والعديد من أثرياء المسلمين دعموا المركز الإسلامي في ميونيخ وتنافسوا للسيطرة عليه ليكون قاعدة لمحاربة مصر ونظامها الثوري بعد يوليو 1952.