خمسة تحديات خارجية تواجه الملك سلمان بن عبد العزيز!! هل تتغير السياسة الخارجية السعودية باتجاه أزمات سورياوالعراق واليمن وإيران والموقف الأمريكي الداعم للإخوان؟! الذين يشككون في مواقف الملك سلمان تجاه مصر، لا يعرفون ثوابت السياسة السعودية منذ الملك المؤسس في الثلاثينيات. لم يكن الأمر غريبا، كان الحزن حزننا، وتلقينا العزاء في الراحل الكبير شأننا شأن الأشقاء في المملكة، لن نعدد المواقف، ولن نتحدث عن ثوابت الرجل، فالكل يعرف ماذا قدم الملك عبد الله بن عبد العزيز لمصر وللأمة. كانت وقفته حاسمة، وكلماته واضحة ومحددة، منذ اليوم الأول لثورة الثلاثين من يونيو، غامر بعلاقة المملكة مع الولاياتالمتحدة، بعث بوزير خارجيته سعود الفيصل إلي باريس، بعد فض اعتصام رابعة، ليفرمل العقوبات والاجراءات التي كان يعتزم الاتحاد الأوربي اتخاذها.. يومها صدر بيان عن الخارجية السعودية، كان هو الأقوي، ربما في تاريخ الدبلوماسية السعودية وعلاقاتها بالولاياتالمتحدة ودول الغرب، كان أبو متعب الملك عبد الله قد أعطي تعليماته بالوقوف مع مصر حتي آخر مدي.. كان يتحرك وكأنه مسئول عن مصر وأمنها واستقرارها، ظل يدافع عن حق المصريين ورفض التدخل في شئونهم حتي في مواجهة دولة عضو في مجلس التعاون الخليجي، هي قطر، وكان وراء قرار سحب السفراء الخليجيين منها، بعد أن تخلت عن الالتزام بتنفيذ ما تعهدت به في اتفاق الرياض الموقع بين خادم الحرمين الشريفين وأمير الكويت وأمير قطر في الثالث والعشرين من نوفمبر 2013. رحل الملك عبد الله عن عالمنا، ولم تبق سوي انجازاته وذكريات أبناء شعبه وأمته عن نبله، وأصالته وعروبته.. وهكذا كان رحيله استفتاء علي احترام العالم بأسره لرجل لم يكن يعرف في حياته سوي لغة واحدة، هي لغة الصراحة والصدق والوضوح.. كان البعض يتخوف من مرحلة ما بعد الرحيل، هناك متغيرات، وواقع جديد، وتحديات بالقرب من الحدود، ومؤامرات لضرب المملكة من الداخل وتفتيتها، واشعال النيران علي أرضها، ألم يقل 'جيمس وولس' مدير المخابرات المركزية الأمريكية الأسبق 'العراق هدف تكتيكي والسعودية هدف استراتيجي ومصر هي الجائزة الكبري'؟! غير أن هؤلاء لا يدركون ولا يعرفون حقائق الوضع في المملكة وآليات الاختيار بين أبناء وأحفاد الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن رحمة الله عليه. لقد تم انتقال الحكم بسلاسة طبيعية، فتح الباب للجيل الثاني من أسرة آل سعود، فكان الأمير محمد بن نواف الذي جري اختياره 'وليًا لولي العهد' الأمير مقرن بن عبد العزيز.. وكان الشعب السعودي عند مستوي المسئولية، إنه يدرك التحديات المفروضة علي المملكة، والمؤامرات التي تحاك ضدها، من الجنوب والشمال، من الداخل ومن الخارج، ولذا كان وعي الشعب وثقته في الملك الجديد، خلف هذا المرور الآمن لواحدة من أخطر الفترات التاريخية التي مرت بها المملكة. لقد أكد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في خطابه الأول للشعب علي أن ثوابت وركائز السياسة السعودية متواصلة، منذ زمن الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود، وهو أمر ليس بجديد، فسياسة الملوك السابقين كانت لها محدداتها وقواسمها المشتركة.. لقد راح البعض من المحللين يشكك في تغير ما قد يحدث باتجاه العلاقة المصرية السعودية، ولا أدري علي أي أساس يتحدث هؤلاء؟ إنهم يحاولون النفاذ لفتح الطريق أمام التشكيك في كل شيء، إن أحدا لا يستطيع أن يشكك أو يزايد علي مواقف الملك الجديد تجاه مصر. لقد أصر علي الحضور بنفسه حفل تنصيب الرئيس عبد الفتاح السيسي، وكانت كلماته عن مصر هي تعبيرًا عن وعي بطبيعة العلاقة، وإدراك لأهميتها، وإصرار علي استمراريتها بقوة الدفع التي تجعل من هذه العلاقة نموذجا يحتذي.. إن الملك سلمان بن عبد العزيز يواجه بالتأكيد متغيرات مهمة وخطيرة في الوقت الراهن، أبرزها الأوضاع في اليمن وسيطرة الحوثيين بدعم مباشر من إيران علي السلطة في البلاد، وهو أمر من شأنه أن يثير القلاقل في منطقة الحدود، ومن ثم فإن السعودية سيكون عليها مواجهة هذا الملف بكل حسم وقوة، إذ ما سعي هؤلاء إلي نقل الفوضي إلي داخل حدود المملكة. وهناك أيضا الأوضاع المقلقة علي الحدود الشمالية مع العراق، وأعتقد أن حادث منطقة 'عرعر' الأخير، والذي أدي إلي استشهاد وقائد الحرس الوطني في المنطقة الشمالية من خلال عملية ارهابية عبر الحدود، لهو أمر يدفع أيضا إلي وضع هذه القضية موضع الاعتبار، ذلك أن تنظيم 'داعش' الإرهابي لا يكف عن التهديد بارتكاب جرائم ارهابية داخل أراضي المملكة، مما يدفع بالقول إلي أن قضية العراق وما يجري علي أرضها، سوف تكون أيضًا من أهم الملفات التي ستواجه الملك الجديد.. أما الموقف من نظام الحكم في سوريا، فهو أيضا سيكون واحدا من أهم الملفات المطروحة علي جدول أعمال خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز.. إن الأحداث التي شهدتها سوريا وتمدد التنظيمات الإرهابية علي أراضيها 'داعش النصرة أحرار الشام.. وغيرها' حتما ستدفع القيادة السعودية إلي النظر للأمر برؤية جديدة، تؤكد أولوية الحل السياسي بما يضمن وحدة الشعب والأرض السورية. ويتوقع المحللون في ذلك أن يقدم الملك الجديد علي إجراءات من شأنها الدفع باتجاه تفعيل مقررات مؤتمر جنيف، ودعم الحوار بين أهل الحكم وفصائل المعارضة السياسية بما يحقق صيغة تضمن لسوريا الخروج من النفق المظلم الذي تعيشه البلاد في الوقت الراهن. وصحيح أن هناك من يري أن للملك سلمان موقفه المتشدد من إيران، بسبب سياساتها وسعيها للتدخل في الشئون الداخلية لدول الخليج، إلا أن خادم الحرمين الشريفين من واقع خبرته السياسية وفهمه لطبيعة العلاقات والمصالح، سوف يسعي بالتأكيد إلي وضع قواعد وثوابت تحكم هذه العلاقة بين البلدين، بما يضمن عدم التدخل في الشئون الداخلية ورفض تصدير 'الثورة الإيرانية' إلي بلدان الوطن العربي. من المؤكد أن الملك سلمان بن عبد العزيز لن يسعي إلي محاولة الصدام مع أي من الأطراف المجاورة، فهذا ضد ثوابت السياسة الخارجية السعودية، غير أنه لن يسمح أيضًا بأية تجاوزات تسبب مشاكل داخلية وأمنية تهدد استقرار المملكة. إن اختيار الأمير محمد بن نايف ولي ولي العهد ووزير الداخلية ليمسك بهذه الملفات المهمة في هذا الوقت، الذي اكتسب سمعة إقليمية ودولية في محاربة الإرهاب يؤكد أن يد المملكة ستظل قوية علي أعدائها، وأن قرار خادم الحرمين الشريفين المغفور له الملك عبدلله بن عبد العزيز باعتبار جماعة الإخوان جماعة 'إرهابية'، جنبًا إلي جنب مع عدد من التنظيمات الأصولية الأخري، سوف يبقي ساريًا، بل وسيمتد أيضًا إلي حماية الأمن الخليجي بأسره من مخاطر تمدد الإرهاب في المنطقة. أما الموقف من السياسة الخارجية الأمريكية، فهنا ووفقًا للمعلومات فالموقف السعودي تجاههًا في ظل الملك الجديد سيكون محكومًا بعدد من الاعتبارات أبرزها: رفض السياسة الأمريكية الداعمة لجماعة الإخوان ومخططاتها في المنطقة. رفض التدخل في الشئون الداخية للمملكة، بأي شكل من الأشكال، وتحت أي صيغة من الصيغ، بما في ذلك الحديث عما يسمي بالديمقراطية وحقوق الإنسان وفق النهج الغربي، ومن يعرفون مواقف الملك الجديد يعرفون أنه لن يتسامح مع أي محاولة لإثارة القلاقل في المملكة تحت أي صيغة أو اعتبار. الموقف الأمريكي من القضية الفلسطينية والأوضاع الراهنة في المنطقة، فالسعودية ظلت داعمًا رئيسيًا للشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، ومن هنا فإنها ستقيم الموقف الأمريكي وفقًا لمصالح الأمة والشعب الفلسطيني وحتمًا سيكون هذا الموقف واحدًا من المعايير التي ترتكز عليها العلاقات السعودية الأمريكية، سلبًا أو إيجابيًا. صحيح أننا نعرف أن هناك ركائز وثوابت وقواسم مشتركة تحكم العلاقة بين الطرفين، وأن ملوك المملكة الستة السابقين وضعوا هذه العلاقة في إطارها الاستراتيجي دون السعي إلي الصدام المباشر، إلا أن المتغير الذي شهدته هذه العلاقة علي خلفية الموقف الأمريكي من مصر، مثَّل نظرة جديدة لمسار العلاقة، تعيدنا بالضبط إلي زمن الملك 'فيصل' رحمة لله عليه، عندما اتخذ موقفه القوي بوقف إمداد السعودية ودول الخليج لأمريكا بالنفط في حرب أكتوبر 1973. وكان اللقاء الذي جري بين الملك عبدلله بن عبد العزيز رحمة لله عليه وبين الرئيس الأمريكي باراك أوباما في 29 مارس من العام الماضي نموذجًا لهذا التغير، حيث واجه الملك عبدلله نظيره الأمريكي بلغة حادة، أعلن فيها رفضه لموقف أمريكا التحريضي ضد مصر ودعمها لإرهاب جماعة الإخوان، وتساءل الملك يومها عن المعايير المزدوجة التي تتعامل بها واشنطن مع واحد من أخطر التحديات التي تواجه الأمة العربية، بل والعالم بأسره. إن كل هذه الملفات وغيرها ستواجه الملك سلمان بن عبد العزيز علي صعيد السياسة الخارجية للمملكة، ناهيك عن الموقف من حكومة قطر وإصرارها علي خرق الاتفاقات الموقعة معها في وقت سابق، خاصة ما يتعلق منها بالموقف من جماعة الإخوان والتحريض ضد مصر. إن الأيام القادمة ستكون مهمة، ليس فقط في مسيرة الحكم السعودي وآليات تعامله مع الأزمات الراهنة عربيًا وإقليميًا، ولكن أيضًا بمدي قدرة المملكة بالاستمرار في لعب دور محوري علي صعيد إطفاء الحرائق المشتعلة في المنطقة واستباحة الأمن القومي العربي من قوي داخلية وخارجية. إن الخيار الوحيد في ذلك هو لملمة الشمل العربي، واتخاذ الخطوات التي من شأنها وقف التداعيات الراهنة علي الساحة العربية في ليبيا وسوريا واليمن والعراق تحديدًا، وفي كل ذلك فإن جناحي الأمة في مصر والمملكة سيكون عليهما الدور الأكبر في انقاذ ما يمكن انقاذه، ولا خيار غير ذلك.