بعد الفيتو الأمريكي.. لم يكن هناك من خيار سوي اللجوء للمحكمة الجنائية الدولية.. فهل تتراجع واشنطن؟! إسرائيل تلجأ للتصعيد وتبدأ بحرب التجويع وليبرمان لا يزال يهدد باغتيال الرئيس!! أوباما سبق أن هدد 'أبو مازن' بعدم اللجوء للأمم المتحدة وفشل.. والآن يواجه فشلا جديدا.. فهل يرتدع؟! لم يكن أمامه خيار، لقد أصابه الاحباط من الظروف المحيطة، حذر وأنذر، لكن أحدا لا يريد أن يسمع، قالها أبو مازن أكثر من مرة، احذروا غضبة الشعب الفلسطيني، أنا لن أقبل بالحالة الراهنة أبدًا، سأستخدم كل الأوراق التي أملكها من أجل شعبي وحقوقه المهدرة. قبيل أن يذهب إلي الأممالمتحدة في نوفمبر من عام 2012، تلقي الرئيس الفلسطيني محمود عباس تهديدات جادة وصريحة من الرئيس الأمريكي أوباما، لكن 'أبو مازن' لم يكترث ولم يتراجع، بل مضي إلي منبر الأممالمتحدة ليحصل وللمرة الأولي علي قرار بأغلبية 138 عضوا لصالح قرار يقضي بمنح فلسطين صفة دولة مراقب في الأممالمتحدة. في هذا اليوم وقف الرئيس محمود عباس يتحدث من علي منصة الأممالمتحدة، داعيا العالم إلي تصحيح الظلم التاريخي الذي ألحق بالشعب الفلسطيني، وقال 'إن اللحظة حانت ليقول العالم كفي للاحتلال والاستيطان الإسرائيلي للأراضي الفلسطينيةالمحتلة. كانت الخطوة هامة وضرورية، صحيح أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قال 'إن هذه الخطوة لن تغير شيئا علي الأرض'، إلا أن الواقع أكد أن قرار الأممالمتحدة بعث الأمل من جديد في نفوس الشعب الفلسطيني، وفتح الباب واسعًا أمام المزيد من الخطوات علي طريق قيام الدولة الفلسطينية المستقلة. ومنذ هذا الوقت بدأت حكومة 'إسرائيل' في حملة واسعة للتحريض ضد الرئيس 'أبو مازن' قادها رئيس الحكومة 'نتن ياهو' ووزير الخارجية 'ليبرمان' وكبار قادة المؤسسة العسكرية الإسرائيلية. وأصبح 'أبو مازن' مستهدفا بالقتل بعد أن وصفه ليبرمان بأنه ارهابي. يسعي إلي تقويض الدولة الإسرائيلية. كانت المعركة الثانية التي خاضها أبو مازن، هي معركة انضمام دولة فلسطين إلي العديد من المنظمات الدولية، خاصة بعد فشل مفاوضات إطلاق الأسري الفلسطينيين في جولتها الثالثة، كان أبو مازن حاسما في موقفه، وأعلن انضمام فلسطين لخمس عشرة منظمة دولية، وهو أمر أثار ردة فعل عنيفة لدي صناع القرار في واشنطن وتل أبيب، فازدادت حدة التهديدات والانذارات، لكن الرئيس محمود عباس كان حادًا في كل تهديداته، فراحت واشنطن تسعي إلي اطلاق وعودها بالحل وطلب فرصة من الوقت.. أدرك أبو مازن بعد مذبحة 'غزة' الأخيرة، وما خلفته من موت ودمار شمل أنحاء القطاع، أن الفلسطينيين لن ينالوا حقوقهم إلا بأيديهم، وأنه أعطي الفرصة تلو الأخري للولايات المتحدة والمجتمع الدولي، إلا أنه لم يجد آذانا صاغية. كانت رسالته للأمة العربية أمام اجتماع وزراء الخارجية العرب في 26 نوفمبر من العام الماضي واضحة، لا خيار إلا خيار الانسحاب وإقامة الدولة، وخلال هذا الاجتماع أصدر وزراء الخارجية العرب قرارا يقضي بعدم تحركات الرئيس الفلسطيني علي الساحتين الإقليمية والدولية لاستصدار قرار من مجلس الأمن يضع سقفا زمنيا لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي، ودعم تأييد إقامة الدولة المستقلة علي حدود 4 يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشريف. كان هذا التفويض بمثابة رسالة للمجتمع الدولي حملها الوفد الأردني إلي مجلس الأمن في صيغة مشروع قرار عربي موحد، إلا أن الرئيس الفلسطيني كان علي ثقة أن أمريكا سوف تستخدم حق الفيتو في مواجهة مشروع القرار. وقد هدد أبو مازن بأنه إذا ما استخدمت الإدارة الأمريكية حق 'النقض' الفيتو، فإنه سوف يلجأ إلي ضم دولة فلسطين إلي العديد من المنظمات الدولية وفي مقدمتها اتفاقية روما والتي تمنح فلسطين الانضمام إلي عضوية المحكمة الجنائية الدولية. ورغم حالة الانزعاج التي تركها تهديد 'أبو مازن' إلا أن واشنطن مضت في طريقها واستخدمت حق الفيتو في جلسة مجلس الأمن التي انعقدت لبحث مشروع القرار في الثلاثين من ديسمبر الماضي. وبالرغم من أن مشروع القرار كان يدعو إلي انسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة بعد 1967 وفي مقدمتها الضفة الغربيةوالقدسالشرقية واقامة دولة فلسطينية بحلول عام 2017، إلا أن الولاياتالمتحدة ومعها استراليا صممتا علي رفض المشروع وتحدي إرادة المجتمع الدولي. كان طبيعيا في ضوء هذا الموقف المعادي أن يلجأ الرئيس أبو مازن إلي التوقيع علي اتفاقية لا هاي وعشرين اتفاقية دولية أخري، مما أثار حالة من الهلع لدي قادة إسرائيل والولاياتالمتحدة فتصاعدت لغة التهديد والوعيد، كما أن رئيس الوزراء الإسرائيلي 'نتنياهو' راح يدعو المحكمة الجنائية الدولية إلي رفض الطلب الفلسطيني بالانضمام إليها، بزعم أن السلطة الفلسطينية ليست دولة بل كيان متحالف مع تنظيم 'إرهابي' هو حركة حماس التي ترتكب جرائم حرب!! ووعد نتنياهو بخطوات للرد علي 'أبو مازن' وتعهد بالدفاع عن الجنود الإسرائيليين من أي مقاضاة محتملة، وقال إن المحكمة الجنائية قد تستهدف الفلسطينيين أيضا علي خلفية اتفاق الوفاق الوطني الذي أبرمه محمود عباس مع حركة المقاومة الإسلامية حماس. وقد قامت إسرائيل علي الفور بتجميد إيراد الضرائب المحصلة لصالح السلطة الفلسطينية والبالغ متوسطها نحو 175 مليون دولار شهريا يخصص لصالح صرف الرواتب الفلسطينية، كما أن الولاياتالمتحدة هددت بقطع المساعدات السنوية عن الحكومة الفلسطينية في خطوة تعد تصعيدًا للهجمة الأمريكية علي الشعب الفلسطيني وقيادته الشرعية. لقد تعهد الرئيس أبو مازن بالاستمرار في موقفه حتي اللحظة الأخيرة، إنها رسالة لكل من يعنيه الأمر، وهي بقدر ما هي تعبير عن حالة الاحباط من موقف الولاياتالمتحدة، فهي أيضا تأكيد علي الأمل الذي عبر عنه أبو مازن في خطابه الهام الذي ألقاه أمام مؤتمر إعمار غزة الذي عقد مؤخرا في القاهرة، في تحرير فلسطين من نير الاحتلال الصهيوني البغيض. إن معركة فلسطين الجديدة 'الشعب والقيادة' سوف تدوي أثارها عربيا واقليميا ودوليا، خاصة أن هناك تغيرا كبيرا في الرأي العام الغربي، تمثل في اعتراف العديد من البرلمانات الأوربية بدولة فلسطين، ومطالبتها إسرائيل بالانسحاب من الأراضي العربية المحتلة. لقد وضع أبو مازن أمريكا وإسرائيل في مأزق كبير أمام الرأي العام، ولذلك لم يعد أمامهما سوي خيارين: إما الانصياع والاقرار بحقوق الشعب الفلسطيني. وإما اغتيال الرئيس 'أبو مازن' لتبدأ بعد ذلك الفوضي العارمة في العالم بأسره، والتي سيدفع ثمنها الأمريكيون والصهاينة قبل الآخرين.. وبين هذا وذاك، لا يوجد خيار ثالث، لقد مضي الزمن الذي يمكن أن يصمت فيه الجميع!!