علي الرغم من أنه كان أحد أخطر قيادات الإخوان.. وأشدهم ممارسة وتأييدًا للعنف.. وأكثرهم عداء لثورة يوليو 1952 وقائدها جمال عبد الناصر.. وعلي الرغم من أنه كان وراء معظم الإجراءات النظرية، والخطوات العملية التي استهدفت إعادة إحياء الإخوان بعد ضربهم عام 1954.. وعلي الرغم من أنه كان أبرز العناصر الفاعلة علي مستوي محافظات مصر، ومسئولاً عن الاتصال بالإخوان الهاربين في الدول العربية.. وانتهت حياته معلقًا في غرفة الإعدام بسجن الاستئناف صبيحة 29 أغسطس من العام 1966، بعد إعدام سيد قطب بخمسة وعشرين دقيقة.. علي الرغم من كل ذلك وغيره.. فلم يكتب عنه أحد فيما أعلم.. ولم يحظ باهتمام من أرخوا لحركة الإخوان.. وتنظيمها الثاني الذي عرف بتنظيم 1965، لأن سيد قطب احتكر كل الأضواء.. واستولي علي المشهد كاملاً.. ولم يزل.. حتي عرف التنظيم باسمه.. وظل اسم عبد الفتاح عبده إسماعيل متواريًا.. بعيدًا.. رغم الأدوار الأساسية التي لعبها، والتأثيرات التي مارسها علي كافة قيادات وأعضاء التنظيم بمن فيهم سيد قطب نفسه.. ولم يعد يذكر اسمه إلا كشذرات وإشارات في مذكرات إخوانه في التنظيم، وتلاميذه الذين كان من بينهم د.محمد بديع عبد المجيد محمد سامي المرشد العام الثامن للإخوان.. الذي شهد عهده وثوب الإخوان علي السلطة في مصر.. ثم الاطاحة بهم في مشهد شعبي حافل ومهيب.. ليضع نهاية حقيقية للإخوان.. بعد أن رفضهم المزاج الشعبي.. الذي اكتشف حقيقتهم.. وأعلن رفضه لهم.. واحتفل بغروب زمانهم في الشوارع.. واعتبره عيدًا قوميًا.. ولأمر لا يعلمه إلا الله.. كانت زينب الغزالي أكثر كوادر الإخوان ذكرًا له، وأكثر أصحاب المذكرات إشادة به.. وحرصا علي مديحه.. وإضفاء هالات القداسة عليه وعلي مسلكه.. ربما لإحساسها بالمسئولية عن النهاية التي حاقت به.. وأنهت حياته وهو في الأربعين.. فقد كان بيتها مقصده.. وكان رأيها طريقه الذي لا يعرف غيره.. وكانت هي همزة الوصل التي لم تنقطع يومًا بينه وبين المرشد حسن الهضيبي.. وأيضًا دليله للتواصل مع الإخوان الهاربين في الدول العربية، وبعض المسئولين في تلك الدول من المتعاطفين مع الإخوان.. المستعدين للتمويل.. وتدبير احتياجات الجماعة من السلاح أساسًا عن طريق السودان. وكما كان عبد الفتاح إسماعيل غامضًا، يحب الغموض.. ويعيش حياته قلقا متوجسًا.. ظل كذلك حتي بعد رحيله.. وإن كانت كتابات إخوانية متعددة تذكره بين الحين والآخر.. مع شيء من المبالغة والتزيد.. فمازال عبد الفتاح إسماعيل بعيدًا.. قلقًا.. متوجسًا.. غامضًا.. ومحاطًا بالغموض. 'شخصية يندر مثيلها، وقد يستحيل أن يكون لها شبيه.. هكذا قال عنه محام رآه ولم يترافع عنه.. 'كان يصلي الصلوات الخمس في خمس محافظات' قالها المقربون منه والمعايشون له.. 'أستطيع أن أشهد شهادة يحاسبني الله عليها أن الشهيد عبد الفتاح إسماعيل كان من أصلب الإخوان الذين دخلوا السجن الحربي إرادة.. إن لم يكن أصلبهم علي الإطلاق'، هكذا قال عنه أخ له عاش معه أيام السجن.. و.. 'أيام المحنة الرهيبة'.. وهذا ما قاله عنه الإخوان.. دون إفصاح.. أما الأوراق الرسمية فتقول إنه: عبد الفتاح عبده إسماعيل من مواليد كفر البطيخ مركز كفر سعد محافظة دمياط عام 1925.. ويعمل قبَّانيًّا وتاجر حبوب وغلال.. وثالث ثلاثة علقوا علي أعواد المشانق صبيحة يوم 29 أغسطس 1966، بعد سيد قطب بخمس وعشرين دقيقة وقبل محمد يوسف هواش بخمس وعشرين دقيقة.. في مذكراتها 'أيام من حياتي' قالت عنه زينب الغزالي: 'كان الشيخ عبد الفتاح إسماعيل من أخلص المريدين لحسن البنا.. والمقربين إلي قلبه.. وبرهنت الأحداث علي أنه كان جديرًا بهذا القرب وهذه الرعاية من الشهيد حسن البنا.. فبعد خروجه من السجن عام 1956 بعد عامين علي ذمة أحداث 1954.. كان مصممًا تصميمًا لا يداخله شك أو ضعف أو تردد.. علي إعادة الإخوان إلي ما كانت عليه لتؤدي واجبها نحو الله سبحانه وتعالي'. ومن الثابت أنه كان فعلاً ثالث ثالثة بدأوا العمل علي إعادة تنظيم الإخوان.. وهم: الأخ عبد الفتاح عبده إسماعيل الأخ محمد عبد الفتاح الشريف من إخوان البحيرة الأخ عوض عبد العال من إخوان المنصورة دقهلية.. وتؤكد كل الشواهد أن عبد الفتاح إسماعيل كان الشخصية الفاعلة.. حتي أطلقوا عليه 'دينامو' تنظيم 1965.. وصاحب الدور الكبير في توحيد الإخوان.. ولم شملهم من الإسكندرية حتي أقاصي الصعيد.. وكان يضرب به المثل في القدرة علي الحركة.. تروي زينب الغزالي التي شاءت المقادير أن يرتبط مشوارها بمشوار عبد الفتاح إسماعيل داخل جماعة الإخوان.. قالت: 'كان أول لقاء لي به عام 1957 وفي موسم الحج.. كنت في ميناء السويس علي رأس بعثة الحج لجماعة السيدات المسلمات.. وكان معي في المودعين شقيقي محمد الغزالي الجبيلي.. فوجدته مقبلاً علي في صحبة إنسان يكسو وجهه نور ومهابة.. يغض بصره.. قدمه إلي أخي قائلاً: الأخ عبد الفتاح إسماعيل.. كان من أحب شباب الإخوان إلي الإمام الشهيد حسن البنا.. كان فضيلة المرشد يحبه ويؤثره.. وله فيه ثقة مطلقة.. وقد طلب مني أن أقدمه لك بهذه الصورة حتي تعرفيه.. وحياني الأخ وهو يقول: سأكون إن شاء الله معكم في الباخرة، فرحبت به.. وانصرف.. '. هكذا تكلمت زينب الغزالي عن بداية تعرفها علي الرجل الذي ربط القدر بينهما سنوات.. عاشاها في اجتماعات.. وترتيبات.. واتصالات.. وصراعات.. وطموحات.. وقلق.. ومع كل ذلك فلم تتمكن بكلماتها من الكشف عن شخصية الرجل الحقيقية. ومازلنا في البدايات.. مع عبد الفتاح عبده إسماعيل الذي عاش غامضًا يلفه الغموض.. ورحل غامضًا يلفه الغموض.. ولكننا نحاول.. وسوف نستمر في المحاولة.. ولن نكف عن تتبع عبد الفتاح إسماعيل ومحاولة الكشف عن ما هية ذلك الرجل الخطير.